قالت مصادر مطلعة بمجلس وزراء السيسي إن نقاشات مصر مع صندوق النقد الدولي من أجل الانتهاء من المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد لمصر، والتي تأجلت مرتين في ديسمبر 2024 وفي فبراير 2025، تضمنت ضغوطًا كبيرة على القاهرة لتمرير المطالب التي يريدها الصندوق في المجال الاقتصادي.
وأضافت أن صندوق النقد وافق على تمرير الشريحة الرابعة من القرض المخصص لمصر، والتي كانت بقيمة 1.2 مليار دولار، بعد أن "حققت" القاهرة كل مطالب الصندوق، والتي تضمنت الموافقة على تعويم جديد للجنيه المصري، ورفع الدعم عن المحروقات، بالإضافة إلى طرح بعض شركات الجيش في البورصة.
وأكدت المصادر أن حكومة السيسي كانت تحاول القفز على هذه المطالب، وتأجيل الإصلاحات المطلوبة في المجال الاقتصادي، خاصةً المتعلقة بتعويم العملة من جديد، وكذلك رفع الدعم عن سلع مهمة وطرح شركات الجيش في البورصة، لكن صندوق النقد الدولي تمسك بكل مطالبه دون أي تنازل.
وكانت حكومة السيسي تتعلل في مفاوضاتها مع الصندوق بحرب غزة وتأثيرها على الاقتصاد، فضلًا عن البحر الأحمر وما يحدث فيه من اشتباكات عسكرية تديرها جماعة الحوثي، وأثر ذلك على قناة السويس، فإن الصندوق رفض كل هذه "الحجج".
وأوضح المصدر أن مصر حاولت إرجاء المطالب المتبقية من برنامج "الإصلاح الاقتصادي" مع صندوق النقد الدولي إلى العام المقبل، خاصةً وأن الوضع الاقتصادي في مصر "يضغط بشكل كبير على المواطن في ظل تضخم مستمر مع انهيار في قيمة العملة"، لكن الصندوق رفض.
تعويم الجنيه
وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، فإن معدل النمو في الاقتصاد المصري شهد تباطؤًا إلى مستوى 2.4% في عام 2024، بمعدل انخفاض 3.8% عن العام السابق، كما اتسع عجز الحساب الجاري إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة الزمنية.
وقال مصدر في برلمان السيسي إن القاهرة "قلقة" من الذهاب إلى تحريك سعر الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي مرة أخرى، وكانت ترى أنه من الأهمية تأجيل تعويم الجنيه المصري على الأقل إلى العام المقبل، لكن الصندوق رفض وأصر على أن يتم تعويمه مجددًا.
وأشار المصدر إلى أن القاهرة تفاهمت مع صندوق النقد الدولي على أن تقوم بتحريك سعر الجنيه أمام الدولار، ولكن بشكل هادئ وبطيء في الأيام المقبلة، حتى لا يشعر المواطن المصري بالتغير في سعر الجنيه أمام الدولار بشكل مفاجئ، مما سيؤثر بالتبعية على كافة جوانب الاقتصاد المصري، وفقًا لـ"عربي بوست".
وأوضح المصدر أن سعر الدولار سوف يصل إلى 60 جنيهًا مصريًا في الأسابيع القليلة المقبلة، وفق الاتفاق الذي حدث بين القاهرة وصندوق النقد الدولي قبل أيام، بينما كانت القاهرة ترفض ذلك في السابق وأبدت رغبتها في تأجيل هذه الخطوة.
رفع الدعم
في سياق متصل، قال المصدر بمجلس الوزراء إنه منذ اليوم الأول، كان هناك اتفاق مع صندوق النقد الدولي على رفع الدعم بشكل كامل عن بعض الخدمات والسلع الأساسية، وإن من ضمن هذه البنود رفع الدعم عن الوقود.
وأشار إلى أن القاهرة طلبت أن يكون هناك تدرج في رفع الدعم عن الوقود، خوفًا من أي رد فعل شعبي، ومع إصرار صندوق النقد الدولي على الانتهاء من ملف رفع الدعم عن الوقود وبعض الخدمات الأخرى، تنازلت مصر عن طلبها الخاص بأن يتم رفع الدعم عن الوقود في نهاية 2026، واتفقت مع الصندوق على أن يتم الانتهاء من الدعم على الوقود بشكل كامل خلال ستة أشهر من الآن.
بيع شركات الجيش
في المقابل، فإن الملف المتعلق بشركات الجيش وطرحها في البورصة يمثل نقطة خلاف رئيسة في مصر، حيث ترفض السلطة المصرية الخوض فيه بقوة، بينما لا يبدي الجيش استجابة إيجابية تجاهه. ويعتبر هذا الملف من القضايا الشائكة، خاصة مع الضغوط المتزايدة من صندوق النقد الدولي، الذي يصرّ على ضرورة إدخال هذه الشركات إلى السوق الاستثماري كجزء من شروطه لمنح القرض الجديد.
وقد شدد الصندوق في كل اجتماعاته مع حكومة السيسي على ضرورة حسم هذا ملف بيع شركات الجيش في البورصة كشرط أساسي للمضي قدمًا في منح القرض الجديد. وقد نقلت المصادر أن السلطات المصرية أبلغت الصندوق خلال الاجتماعات الأخيرة في ديسمبر 2024 بأنها قد توافق على طرح بعض الشركات التي لا تلعب دورًا استراتيجيًا في اقتصاد الجيش، لكنها ترفض بشكل قاطع المساس بالشركات الكبرى.
في حين قال المصدر بمجلس الوزراء إن القاهرة توصلت إلى تفاهم حول ملف الشركات التابعة للجيش، وإن الأيام المقبلة، بعد عيد الفطر، سوف تبدأ الحكومة في الإعلان عن طرح بعض المشروعات التي يمتلكها الجيش للاستثمار في البورصة للأجانب.
وقالت بعض المصادر إن من بين الشركات التابعة للجيش والمرتقب طرحها في البورصة خلال أسابيع ، هي "وطنية" و"صافي" و"سايلو فودز" و"شيل أوت".
جولات التفاوض مع صندوق النقد
جدير بالذكر أن مصر شهدت في عهد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي عدة جولات تفاوضية مع صندوق النقد الدولي، بدأت عام 2016 بحصولها على قرض بقيمة 12 مليار دولار ضمن برنامج إصلاح اقتصادي شامل. تضمن البرنامج تحرير سعر الصرف عبر تعويم الجنيه المصري، وإصلاح منظومة الدعم، وخفض التضخم، وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات.
أما المرحلة الثانية، فكانت في الفترة ما بين عامي 2021 و2022، وقد حصلت مصر على قرضين بقيمة 5.4 مليار دولار و3 مليارات دولار على التوالي، لمواجهة الأزمات الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وخروج الاستثمارات الأجنبية.
فيما استمرت المفاوضات مع الصندوق في الفترة الثالثة، حيث تم التوصل إلى اتفاق جديد في مايو 2022، وصُرفت شريحة تمويلية بقيمة 820 مليون دولار في مايو 2023.
وفي مارس 2024، زادت قيمة البرنامج المالي إلى 8 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري في ظل التحديات العالمية. شملت الإصلاحات تطبيق نظام سعر صرف مرن، وخفض الإنفاق على مشروعات البنية التحتية غير الضرورية، وتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.