شهدت قرية برمبال الجديدة بمحافظة الدقهلية مأساة إنسانية هزّت الرأي العام، حيث أقدم الشاب مصطفى محمد مصطفى عبده، البالغ من العمر 22 عامًا، على إنهاء حياته بطريقة مروعة من خلال بث مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي، متناولا ححبوب الغلال السامة.
هذه الحادثة المؤلمة كشفت عن معاناة طويلة مر بها الشاب، نتيجة ما وصفه بظلم شديد.
اللحظات الأخيرة.. رسالة ألم ووداع
في الساعات الأخيرة من حياته، نشر مصطفى بثًا مباشرًا على حسابه الشخصي، عبّر فيه عن إحساسه العميق بالظلم والقهر، مؤكدًا أنه لن يسامح من تسببوا في معاناته.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يعبّر فيها عن مشاعره عبر مواقع التواصل، حيث استذكر المتابعون منشورًا سابقًا له يعود إلى 18 أسبوعًا، كتب فيه: "فك يا ربي العقد.. نار قلبي تتقد"، وهو ما اعتبره البعض استغاثة مسبقة لم تُؤخذ على محمل الجد.
صدمة العائلة.. ومحاولة إنقاذ متأخرة
تلقت مديرية أمن الدقهلية بلاغًا من شرطة النجدة يفيد بوصول مصطفى إلى مستشفى منية النصر المركزي في حالة حرجة بعد تناوله مادة سامة (قرص قمح).
تم وضعه في العناية المركزة في محاولة لإنقاذ حياته، إلا أن حالته الصحية كانت شديدة الخطورة.
الديون.. والحصار النفسي
كشفت التحقيقات عن أن مصطفى كان يعاني من أزمة مالية خانقة نتيجة تراكم الديون عليه، وهو ما زاد من الضغوط النفسية التي كانت تحاصره.
وبينما كان يسعى لإيجاد حل لمشكلاته، ازدادت معاناته بفعل التعليقات غير المسؤولة التي تلقاها عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أشار البعض إلى أن أحد المتابعين قدّم له "نصيحة قاتلة"، مشجعًا إياه على تناول المادة السامة، ما أثار استنكارًا واسعًا بعد وقوع الحادثة.
اعتقال غامض وتعذيب قاسٍ.. بداية الانهيار
لم يكن الوضع النفسي السيئ الذي عاشه مصطفى ناتجًا فقط عن أزمته المالية، بل تفاقمت حالته منذ اعتقاله في 15 مايو 2023، حيث تعرض لحملة أمنية عنيفة، اتُهم خلالها بالانتماء إلى تنظيم "داعش"، رغم كونه مريضًا بالصرع ويتلقى العلاج النفسي منذ سنوات.
خلال فترة احتجازه، تعرض مصطفى للإخفاء القسري لمدة 37 يومًا، ذاق خلالها صنوفًا من التعذيب، قبل أن يُعرض أمام النيابة على ذمة القضية 8850 لسنة 2023.
رغم تقديم محاميه تقارير طبية تثبت مرضه النفسي، ورغم أن جهات التحقيق أكدت حالته بعد عرضه على الطب الشرعي، لم يتم الإفراج عنه، ليبقى رهن الحبس لمدة عام وسبعة أشهر، حتى خرج من السجن شخصًا محطمًا، فاقدًا للأمل، غير قادر على استعادة حياته.
خلال فترة اعتقاله، خسر مصطفى تجارته الصغيرة التي كان يعتمد عليها لكسب رزقه، وتزايدت ديونه، ما جعله مطاردًا من قبل الدائنين.
أصبح يبتعد عن منزله هربًا من المطالبات المالية التي لم يكن يستطيع تلبيتها، حتى وجد نفسه أمام خيار مأساوي.
التحقيقات.. ومطالبات بالعدالة
بعد وفاته، تصاعدت المطالبات بفتح تحقيق جاد في ملابسات اعتقاله وظروف احتجازه التي أدت إلى تدهور حالته النفسية.
نشطاء حقوقيون وأصدقاء الضحية أكدوا أنه كان شابًا متدينًا، حافظًا لأجزاء من القرآن الكريم، معروفًا بحسن خلقه وابتسامته الدائمة، وهو ما أثار تساؤلات حول التهم التي وُجهت إليه وظروف احتجازه القاسية.
صرخة أخيرة.. ورسالة للعدالة
قبل أن يغادر هذا العالم، وجه مصطفى رسالة أخيرة عبر البث المباشر، حمّل فيها مسؤولية ما حدث له للذين ظلموه ودمروا حياته.
واليوم، بعد رحيله، يطالب الكثيرون بمحاسبة كل من ساهم في هذه المأساة، وبإجراء إصلاحات حقيقية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، التي تعكس حجم الضغوط النفسية التي قد يتعرض لها الشباب في ظل أوضاع قاسية.