شهدت العلاقة السرية التي تفاخر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع السعودية، والتي تطورت على مدى سنوات، انهيارًا سريعًا في غضون أيام. تحدث نتنياهو عن هذه العلاقة بصراحة خلال مقابلة مع قناة 14 الإسرائيلية أثناء زيارته إلى واشنطن، مشيرًا إلى أن "العلاقة السرية استمرت قرابة ثلاث سنوات"، وأنها كانت معروفة فقط لعدد قليل من الأشخاص على كلا الجانبين، بالإضافة إلى عدد محدود من المسؤولين الأمريكيين.
المصالح الشخصية والسياسية
يرى الكاتب ديفيد هيرست أن العلاقة بين السعودية وإسرائيل كانت قائمة بقدر كبير على الطموحات الشخصية إلى جانب المصالح السياسية؛ فمحمد بن سلمان، الذي كان أميرًا غير معروف يواجه معارضة قوية داخل العائلة المالكة، أدرك أن طريقه إلى السلطة يمر عبر تل أبيب وواشنطن. وعندما أصبح وليًا للعهد، واصل تقاربه مع إسرائيل، حتى إنه قام بزيارة سرية إليها عام 2017. كما عبر عن مواقف مثيرة للجدل بشأن القضية الفلسطينية، من بينها توجيه انتقادات حادة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث قال في 2018 إن على الفلسطينيين التفاوض مع إسرائيل أو "الصمت".
غياب أي هامش للمناورة
يؤكد هيرست أنه حتى بعد هجوم حماس على إسرائيل، استمرت السعودية في سياستها الطبيعية دون تغيير يُذكر، حيث لم تسمح بأي احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين، بل حظرت رفع العلم الفلسطيني أو الدعاء لغزة في مكة. لكن رغم ذلك، بدا أن السعودية كانت تسير نحو توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل عبر "اتفاقيات أبراهام".
يشير الكاتب إلى أن العلاقة بين ترامب وبن سلمان شابها التوتر بسبب المطالب الاقتصادية الأمريكية. فعندما سئل ترامب عن زيارته للسعودية، قال إن المملكة ستحتاج إلى دفع 500 مليار دولار في عقود أمريكية للحصول على "شرف" زيارته، قبل أن يرفع المبلغ إلى تريليون دولار لاحقًا.
لكن النقطة الفاصلة، بحسب هيرست، جاءت عندما أعلن ترامب خطته لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة في أماكن أخرى، مع تحميل دول الخليج – وبالأخص السعودية – تكاليف إعادة الإعمار. لم يمضِ وقت طويل حتى ردت السعودية ببيان رسمي حاسم، أكدت فيه موقفها الثابت بعدم التطبيع مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
تغير الحسابات السعودية
يرى الكاتب أن تصريحات نتنياهو المتعالية أسهمت في تأجيج الغضب العربي. ففي مقابلة مع قناة 14 الإسرائيلية، قال إنه إذا كانت السعودية حريصة على إقامة دولة فلسطينية، فيمكنها فعل ذلك على أراضيها نظرًا لمساحتها الواسعة. وأثارت هذه التصريحات موجة إدانة واسعة من دول عربية مثل مصر والأردن والإمارات والعراق وقطر والكويت.
وبحسب هيرست، فإن الموقف السعودي بات أقرب إلى توجهات العهد الناصري، حيث عادت الرياض إلى موقفها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، تمامًا كما كان الحال في عهد الملك فيصل. ويشير الكاتب إلى أن الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، ظهر مرتديًا الكوفية الفلسطينية محذرًا من "تحرك جماعي" من الدول العربية والإسلامية وأوروبا ردًا على سياسات إسرائيل.
كما أعلن عبد الفتاح السيسي عن استضافة قمة عربية طارئة لمناقشة "التطورات الخطيرة والجديدة" التي جاءت عقب اقتراح ترامب بترحيل سكان غزة.
نقطة اللاعودة
يؤكد هيرست أن الدافع الرئيسي لتغير الموقف السعودي هو تبني إسرائيل والولايات المتحدة لفكرة "النقل القسري" للفلسطينيين، والتي لطالما كانت محصورة في أوساط اليمين الصهيوني المتطرف، لكنها أصبحت الآن سياسة رسمية. ويضيف أن هذه الخطط لا تهدد مصر والأردن فحسب، بل تمتد آثارها إلى جميع الدول العربية، خاصة السعودية.
كما يشير إلى أن الأيديولوجية الصهيونية الدينية لا تتوقف عند حدود فلسطين، إذ يروج زعماء المستوطنين لفكرة أن "أرض إسرائيل الكبرى" تمتد إلى أجزاء من العراق وسوريا والسعودية. وهذا يعني، وفقًا لهيرست، أن السعودية باتت ترى بوضوح أن التوسع الإسرائيلي قد يزعزع استقرار المنطقة بأسرها.
انعكاسات التغير السعودي
يعتقد هيرست أن الظروف التي أدت إلى قبول دول الخليج بالتطبيع مع إسرائيل في 2017 لم تعد قائمة اليوم. فقد رُوج لاتفاقيات أبراهام على أنها جزء من تحالف لمواجهة إيران، لكن مع تغير المعادلة الإقليمية، لم يعد التصعيد ضد طهران في مصلحة السعودية، خاصة وأن أي ضربة انتقامية إيرانية ستستهدف المنشآت النفطية السعودية أولًا.
كما أن ولي العهد السعودي اليوم في وضع أقوى من ذي قبل، إذ أصبح يحظى بدعم داخلي واسع، خاصة من فئة الشباب، وهو ما يدفعه لأخذ الرأي العام المحلي في الاعتبار، حيث يدرك أن التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية أصبح أكبر من أي وقت مضى.
يختتم هيرست مقاله بالتأكيد على أن السياسة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب ونتنياهو قد تدفع المنطقة نحو كارثة. فمحاولة فرض "السلام بالقوة" عبر التطبيع مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاضطرابات.
ويوجه الكاتب رسالة إلى ترامب، محذرًا من أن استمرار دعمه لسياسات نتنياهو لن يؤدي إلا إلى تعميق الفوضى في الشرق الأوسط، تمامًا كما حدث مع التدخلات العسكرية الأمريكية السابقة في المنطقة. ويشدد على أن الولايات المتحدة، إذا كانت جادة في حماية مصالحها، فعليها التخلي عن دعم الأحلام التوسعية الإسرائيلية قبل فوات الأوان.
https://www.middleeasteye.net/opinion/saudi-arabia-israel-trump-netanyahu-forced-bin-salman-draw-line-palestine