على مدار الأشهر الخمسة عشر الماضية، رأينا سياسيين بريطانيين من مختلف الأطياف السياسية يؤدون حركات بهلوانية لغوية وهم يجيبون على أسئلة جادة بإجابات آلية، مكررين شعارات تدافع عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بينما يتجاهلون شرط الامتثال للقانون الدولي.

وقال الكاتب البريطاني جوناثان بورسيل في مقال نشره موقع ميدل إيست مونيتور: "للأسف، لا أتوقع أن يتغير هذا الوضع قريبًا. لكن على الأقل، أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن استيائي. فعندما أرى الحكومة البريطانية تستقبل جنرالات إسرائيليين، أعتبر ذلك تصرفًا طائشًا يضر بموقفنا الدولي، إذ إنه يجعلنا نرتبط بشكل وثيق بدولة منبوذة. وعندما يتحدث مكتب الخارجية عن أن تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل "تخضع للمراجعة المستمرة"، أرى ذلك مجرد تهرب من المسؤولية. وعندما تصف المعارضة الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل بأنها "مسيرات كراهية"، أجد ذلك تعبيرًا يائسًا ومحرجًا".

وتابع: "لكن مهما كانت الأمور مثيرة للإحباط أو حتى الاشمئزاز، فإنني أجد دائمًا الكلمات لوصفها. غير أنني عندما قرأت تعليقات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الأخيرة، وجدت نفسي عاجزًا عن الكلام – وهو أمر نادر في عصر أصبحنا فيه غير مبالين تقريبًا بالصدمة السياسية".

 

ماذا قال ترامب؟

لم تكن تصريحات ترامب مفاجئة من حيث الجوهر. فحتى من لديه أدنى معرفة بتاريخ فلسطين يدرك أن الولايات المتحدة لعبت دورًا طويلًا في تقويض حق الفلسطينيين في تقرير المصير. لكن نادرًا ما قيل ذلك بهذا الوضوح والفجاجة.

قال ترامب: "الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة، سنمتلكه".

وعندما سُئل عن توضيح ما إذا كان يقصد الاحتلال الدائم، أجاب: "أرى أننا سنتخذ موقفًا طويل الأمد من الملكية." وعند سؤاله عن إمكانية نشر قوات أمريكية هناك، قال ببساطة: "سنفعل ما هو ضروري".

كما اقترح أن يُنقل سكان غزة إلى "منطقة لإعادة توطينهم بشكل دائم" بدلًا من السماح لهم بالعودة إلى ديارهم.

حتى وإن كانت التصريحات غير دقيقة في تفاصيلها، فإنها واضحة من حيث النوايا: "لا شيء مستبعد"

 

"ريفييرا الشرق الأوسط": دعاية استعمارية جديدة؟

لكن أكثر ما أثار الجدل في كلامه هو وصفه لغزة المستقبلية بأنها ستكون "ريفييرا الشرق الأوسط". هذه العبارة تذكرنا بالدعاية الصهيونية القديمة التي تروج لفكرة أن "شعبًا بلا أرض جاء إلى أرض بلا شعب ليجعل الصحراء تزدهر."

هذا المفهوم يحمل ضمنيًا فكرتين مغلوطتين، أن الفلسطينيين لم يكونوا يزرعون الأرض أو يعتنون بها، أو الأسوأ، أنهم لم يكونوا موجودين أصلًا. أن إسرائيل حسّنت البيئة في فلسطين، في حين أن الحقيقة هي أنها دمرت مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية.

هذا المشهد تم تجسيده بشكل رائع في عمل فني للفنان دارين كولين، حيث يصور جرافة عسكرية إسرائيلية وهي تدمر حيًا فلسطينيًا تحت شعار: "لكي نجعل الصحراء تزدهر، علينا أولًا أن نخلق الصحراء".

وبالمثل، فإن حديث ترامب عن تحويل غزة إلى "ريفييرا" يتجاهل أن الدمار الحالي هو نتيجة مباشرة للدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل في تدمير القطاع. كيف يمكن للفلسطينيين تصديق وعود ترامب بإعادةإعمار غزة، وهو الذي دعم كل ما أدى إلى تدميرها؟

 

الصمت البريطاني المريب

المثير للاهتمام ليس فقط ما قاله ترامب، ولكن كيف كان رد فعل الحكومة البريطانية. وزير البيئة ستيف ريد كان أول من علّق، قائلًا: "يجب السماح للفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم". يبدو ذلك موقفًا قويًا، لكنه في الحقيقة مجرد تأكيد على القانون الدولي، وهو الحد الأدنى الذي يمكن لأي مسؤول أن يقوله.

ولكن في نفس الجملة، أثنى ريد على ترامب لدوره المزعوم في تحقيق وقف إطلاق النار، ثم أضاف أن الحكومة البريطانية "لن تقدم تعليقًا مستمرًا" على تصريحات ترامب.

لكن التزام الحذر في هذا الوقت الحرج ليس إلا موقفًا متخاذلًا. عندما يدعو رئيس أمريكي سابق إلى تهجير ملايين الفلسطينيين قسرًا، فإن الصمت البريطاني ليس دبلوماسيًا، بل هو تواطؤ ضمني.
الاعتراف بفلسطين: هل حان الوقت؟

رئيس الوزراء كير ستارمر قال في جلسة المساءلة البرلمانية إن الفلسطينيين "يجب أن يُسمح لهم بإعادة البناء، في طريقهم نحو حل الدولتين". لكن ماذا يعني "في طريقهم"؟ هذا ليس سوى محاولة أخرى للمماطلة والتأجيل.

https://www.middleeastmonitor.com/20250208-reckless-unhinged-ludicrous-its-hard-to-find-the-words-for-trumps-latest-outburst-on-the-gaza-riviera/