منذ عودته إلى البيت الأبيض، أعلن دونالد ترامب عن عدة سياسات تخدم التوسع الأمريكي، أبرزها مشروع استعماري جديد في غزة.
استعمار غزة بنموذج رأسمالي
بدأت خطة ترامب بالحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، ثم تطورت إلى الدعوة لإخلاء القطاع بالكامل واستبداله بمشروع استثماري أمريكي. زعم ترامب أن الفلسطينيين سيكونون أكثر أمانًا في "مدن جميلة" سيتم بناؤها لهم، بينما سيحوّل الأمريكيون غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" تحت ملكية أمريكية، في نموذج وصفته شبكة سي إن إن بـ"الاستعمار الحديث".
تتجاوز طموحات ترامب مجرد بناء منتجع سياحي، إذ يسعى للسيطرة على احتياطات النفط والغاز الطبيعي في سواحل غزة، والتي تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات، مما يجعل المشروع استثماريًا بقدر ما هو استيطاني.
جذور أمريكية للاستعمار في فلسطين
لم تكن فكرة الاستعمار الأمريكي في فلسطين جديدة، فقد حاول المبشرون البروتستانت في القرن التاسع عشر إنشاء مستعمرات زراعية وتحويل الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين ويهودًا، إلى البروتستانتية.
في عشرينيات القرن التاسع عشر، وصلت بعثات تبشيرية أمريكية إلى فلسطين لكنها غادرت لاحقًا إلى سوريا ولبنان بعد أن طغى عليها الوجود البريطاني. ومع ذلك، تركت خلفها آلاف النسخ من الإنجيل البروتستانتي، وفتحت المجال لموجات جديدة من المستوطنين الإنجيليين.
في خمسينيات القرن التاسع عشر، أسس الأمريكيون مستوطنات زراعية في يافا، حيث حاولوا تبشير اليهود الوافدين حديثًا إلى البروتستانتية، لكنهم وصفوهم بأنهم "كسالى" ولا يمكن تبشيرهم. كما حاول أتباع الطائفة السبتيّة (السبتيون) تأسيس مستعمرة "جبل الأمل" لكنها لم تستمر طويلًا.
في عام 1854، أنشأت عائلة ديكسون مستعمرة أمريكية في يافا، لكنها واجهت مقاومة فلسطينية، حيث هاجمها السكان عام 1858 وقتلوا بعض المستوطنين، مما دفع الولايات المتحدة لإرسال سفينة حربية للضغط على العثمانيين لمحاسبة الفلسطينيين.
وفي عام 1866، حاول جورج واشنطن جوشوا آدامز، وهو مستوطن إنجيلي، إنشاء مستعمرة في يافا بهدف "تحضير الأرض لعودة اليهود"، لكنه واجه مقاومة محلية أدت إلى تدخل العثمانيين واحتجاجهم لدى الأمريكيين. فشلت مستعمرته بعد عامين فقط، وأعيد معظم المستوطنين إلى الولايات المتحدة.
وفي عام 1881، قاد الأمريكيان هوراشيو وآنا سبافورد مجموعة من المستوطنين إلى القدس لإنشاء مستوطنة دينية بهدف التعجيل بعودة المسيح. انضم إليهم لاحقًا 55 مستوطنًا سويديًا، ووصل العدد إلى 150 بحلول عام 1900.
تجنب هؤلاء المواجهة مع الفلسطينيين، مما سمح لمستوطنتهم بالاستمرار حتى الخمسينيات، قبل أن تنهار بسبب الصراعات الداخلية، ويُحوَّل موقعها لاحقًا إلى فندق "أمريكان كولوني" في القدس.
ترامب يكرر أخطاء الماضي
محاولة ترامب لاستعمار غزة ليست سوى تكرار لمشاريع أمريكية فاشلة سابقة، والتي واجهت مقاومة فلسطينية شرسة. وكما فشل المبشرون البروتستانت في القرن التاسع عشر في تغيير هوية فلسطين، سيفشل ترامب في فرض رؤيته الرأسمالية الاستعمارية على غزة، لأن الفلسطينيين أظهروا على مدار التاريخ قدرتهم على مقاومة الاستيطان والدفاع عن وطنهم.
https://www.middleeasteye.net/opinion/trumps-mission-recolonise-palestine-revives-failed-19th-century-american-efforts