نشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تعليقًا قالت إنه يعرض «الواقع الموازي» للتقرير الذي قدمته حكومة الانقلاب لمجلس حقوق الإنسان الدولي، في أكتوبر الماضي.

واعتبرت «المبادرة» أن التقرير اتبع النمط المعتاد في النظر إلى الإجراءات الدورية كمنجزات إيجابية، وتجاهل جذور الأزمة الحقوقية الممثلة في البنية التشريعية المقيدة للحقوق المدنية والسياسية المكفولة دستوريًا، والممارسات الأمنية والقضائية التي تحصن جهات إنفاذ القانون من المحاسبة عمليًا، وحزمة السياسات التي تعصف بأغلب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ما أسفر في النهاية عن آلاف المحبوسين احتياطيًا، أو بعد محاكمات تفتقر إلى معايير العدالة، ومجال عام مغلق تنعدم فيه ممارسة الحقوق المدنية والسياسية، وتراجعات حادة في مؤشرات التنمية الإنسانية.

التعليق، الذي نشرته "المبادرة" أول امس الأحد، وصف المبادرات أو الاستراتيجيات التي قالت الحكومة إنها تبنتها منذ المراجعة الأخيرة، بأنها «استراتيجيات بلا أهداف أو مؤشرات» تتسم بالعمومية، وعدم قابليتها للربط بالحالة الحقيقية لحقوق الإنسان، وأنها تجاهلت الأهداف والتوصيات التي تضمنت التزامات دستورية ملموسة، كما في حالة مشروعات قوانين مكافحة التمييز، وحرية تداول المعلومات، والإدارة المحلية، أو إصدار قانون منظم لعملية العدالة الانتقالية، بخلاف تجاهل التوصيات التي سبق وقبلت بها مصر في الاستعراض السابق قبل أربع سنوات، كإعادة النظر في تعريف الإرهاب، لمنع استخدامه في تقييد الحقوق مثل حرية التعبير، وتقييد الاستخدام المفرط لتدابير الاحتجاز السابق للمحاكمة، وتدابير الإخضاع لمراقبة الشرطة، والنظر في إعلان وقف تنفيذ عقوبة الإعدام.

بخلاف الأهداف المطاطة، اعتبرت الحكومة الإجراءات الدورية أو الاعتيادية منجزات في حد ذاتها، كإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، أو السماح بالخروج في تظاهرات تحت إشراف الدولة، والتصريح لبعض المواقع الإلكترونية، فيما تجاهل التقرير الذي وصفته «المبادرة» بـ«الانتقائي»، الانتهاكات التي رصدتها ووثقتها المنظمات الحقوقية المختلفة، بحق المرشح الرئاسي المستقل الوحيد والمحبوس حاليًا، والتغيير الدستوري في المدد الانتخابية، وعشرات المحبوسين في التظاهرات التي دعت إليها السلطة، بخلاف المواقع المحجوبة التي تجاوز عددها 130، وجميعها ممارسات أتت دون تبرير.

لجأت الحكومة كذلك إلى «لعبة الأرقام المطلقة»، حسب وصف «المبادرة»، للاحتفاء بالمنجزات الحكومية في أي إجراء حكومي يدخل في صميم سياساتها، باعتباره من ضمن الجهود لتحسين حالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وإن كانت تلك السياسات السبب الرئيسي في إهدار تلك الحقوق.

استخدمت «لعبة الأرقام المطلقة» في التقرير الحكومي، للتعبير، غير الحقيقي، عن زيادة نسبة مخصصات دعم الخبز، والدعم السلعي، والمعاشات، والتعليم، وهي الأرقام التي تعبر في الحقيقة عن تراجعات حادة في الإنفاق الحكومي على تلك القطاعات، لتعتبر «المبادرة» لجوء الحكومة لذلك «خداعًا صريحًا».

استراتيجية الخداع نفسها، اتبعتها الحكومة في ما يتعلق بالتعليم، حين تحدثت عن ارتفاع كبير في نسب الفتيات المقيدات بمراحل التعليم المختلفة، متجاهلة التراجع الحاد في نسبة الإنفاق على التعليم بالموازنة، أو نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي المنصوص عليها دستوريًا، وإن بررته ضمنيًا في تقريرها في الجزء الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتزام الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الهيكلي المتفق عليه مع مؤسسات التمويل الدولية.

في المقابل، بحسب «المبادرة»، أشار التقرير إلى عدد من التشريعات المرتقبة باعتبارها منجزات أيضًا، رغم ما تحفل به من انتهاكات متعددة لطائفة واسعة من الحقوق، إلى الحد الذي دفع عددًا من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لحث الحكومة على التريث في طرحها، لكون الوضع الحالي على سوئه أفضل من المقترح، كما في حالة مشروع قانون «الإجراءات الجنائية» و«العمل».

ولفت تعليق «المبادرة» إلى أن ما تطرق له تقرير الحكومة من إخفاقات، كان مبررًا دائمًا بالأزمات الخارجة عن إرادتها، كتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي عقب جائحة كوفيد 19، أو الأوضاع الإقليمية الأخيرة، أو شيوع معتقدات ثقافية تتناقض مع جهود الحكومة في تعزيز الوعي بثقافة حقوق الإنسان، وهو ما لم ينكره تقرير «المبادرة»، وإن اعتبر أن الاستجابة لتلك التحديات لا يمكن أن تكون بالخروج على المبادئ والضمانات الدستورية للحق في المحاكمة العادلة أو الأمان الجسدي.