بقلم د. رشاد لاشين
تمر علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام بشجون وأشجان فنقف وقفات مهمة لنُعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسها العظيمة ولتكون لنا محطة جديدة للانطلاق نحو تغيير أحوال أمتنا نحو الأفضل.
انطلاقة رائدة تنتظر خطوات جديدة:
ليست الهجرة مجرد انتقال من مكان إلى مكان، بل انطلاقة جديدة للتغيير الشامل والصعود نحو المعالي في جميع مناحي حياة أمتنا الحبيبة، لذا فطريق الهجرة دائم مستمر عبر نهج رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبفضل الله تعالى استيقظت طلائع الريادة من أمتنا وتعافى قطاع منها من الشلل واستيقظ من الغفوة، وبدأ يسير بخطوات وئيدة نحو الخلاص، وغدا أطفال أمتنا وشبابها وفتياتها عمالقة بحق يرفعون الراية بشموخ ويتحدون جحافل الشر في الداخل والخارج، ويسعون من جديد نحو المجد التليد لخير أمة أخرجت للناس ؛ وقد قطعت أمتنا بعض الأشواط في طريق هجرتها ولكن الأمر ما زال يحتاج إلى جهود كبيرة وأشواط كثيرة حتى نكمل طريق الهجرة.
أفاق الهجرة المتجددة:
للهجرة بأمتنا إلى الله تعالى آفاق متجددة يمكن تحقيقها في كل العصور تتمثل في الآتي:
1- الجهاد والنية:-
لا يكتمل طريق الهجرة إلى الله إلا بنية صالحة لبناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأكملها لنجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ولا يكتمل طريق الهجرة أيضاً إلا بجهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية وأصحاب الأهواء والمستبدين والخونة والعملاء الذين يُضيعون الأمة وينهبون ثرواتها ويفرطون في مقدساتها وكذلك مجاهدة المحتلين أعداء الأمة الذين يستذلونها وبذلك نحقق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).
2- هجر ما نهى الله عنه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)). (رواه البخاري)، وفي رواية (ابن حبان): ((المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)).
فهيا بنا نهجر السيئات.. هيا نهجر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين وعلى كل المستويات بدءًا بالفرد وانتهاءً بالأمة.
3- تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى:
هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى فنقيم الفرائض وننشر الفضائل ونُحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعًا.
بأحر الشوق أنتظر هجرتك يا أمتي الحبيبة
* فمتى يا أمتي الحبيبة تهجرين هجرك لكتاب الله تعالى وتقصيرك في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم؟ ومتى يا أمتي تهجرين الفرقة والشتات وقطيعة الرحم وتشرذم الدول وتفرق الكلمة وحب الدنيا وكراهية الموت والغثائية التي جعلت كلاب الأرض تتداعي عليك كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها؟
* ومتى تهجرين السير في ذيل الأمم والتأخر الحضاري والتخلف العلمي والتقني والاعتماد على أعدائك في غذائك ودوائك وشئون حياتك؟
* ومتى يا أمتي تخلعين حكام القهر المتخلفين الذين تسلطوا عليك عنوة فجلبوا العار والتخلف وأنتجوا التراخي والإهمال والسلبية وحاربوا الإبداع والابتكار وقتلوا الكفاءات، وأنتجوا الفاسدين المفسدين؟ ومتى يا أمتي تلاحقين اللصوص من أبنائك الذين يسرقون ثرواتك ويعملون على دوام إفقار شعبك الحبيب؟ ومتى يا أمتي تتطهرين من الخونة العملاء الذين يبيعون مقدساتك لشراذم اليهود أبناء القردة والخنازير؟
* ومتى يا أمتي تملكين أدوات الوعي والإعلام الراقي العملاق فتصلين لكل أبنائك وكل شرائحك، وتوقظين قطاعات من شعوبك تغرق في تزييف الحقائق ويسوقها إعلام العار المجرم المضلل الذي يقلب الحق باطلا والباطل حقا، ويأمر بالمنكر وينهي عن المعروف، ويعمل على إغراق الشعوب في مستنقعات العهر والرذيلة؟
* ومتى يا أمتي تطهرين ساحاتك ومؤسساتك من أناس من بني جلدتنا يتحدثون بألسنتنا وهم خناجر في جسد أمتنا؟ ومتى تؤدبين الخونة والمارقين؟ ومتى تستعيدين أراضيك المسلوبة وأمجادك الضائعة؟
* متى تنتهين من مشكلاتك الداخلية وانشغالاتك الحياتية وصراعاتك المذهبية ومتى تخرجين للناس كافة تستنقذينهم من الضلالة وتهدينهم من الغواية وتخرجينهم من الظلمات إلى النور؟
* ومتى؛ ومتى؛ ومتى.. أعلق عليك آمالاً عظيمة وطموحات كبيرة يراها الناس بعيدة وأراها بإذن الله قريبة.. فأنت الأمة العملاقة التي لا تموت بفضل الله تعالى.. الأمة الخاتمة الباقية الحاملة لرسالة الدين إلى يوم الدين، بالهجرة الدائمة والسعي الدائم لجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.