تشهد محافظتا كفر الشيخ ودمياط، ضمن عدد من المحافظات، توقفا لبعض مراكب الصيد العاملة في البحر الأحمر، بعد منعها من الصيد لمدة خمس سنوات بقرار من محافظ البحر الأحمر، منذ مايو الماضي.

في هذا التقرير تحدث عدد من الصيادين و النقابيين، واطلع على دراسات، لمعرفة أسباب منع بعض المراكب دون غيرها، ففي«البرلس» بكفر الشيخ، ومدينة «عزبة البرج» بدمياط، يبلغ عدد المراكب الممنوعة من الصيد نحو 100 مركب، ويعمل في المركب الواحد حوالي 20 صيادا وعاملا، فضلاً عن الصناعات المكملة لعمل هذه المراكب، التي تأثرت جراء قرار المنع، مثل صناعة صيانة المراكب وصناعة الثلج.

عند تتبع قصة منع بعض مراكب الصيد دون غيرها، كان علينا البحث عن طريقة عمل المراكب الممنوعة، حيث تنقسم مراكب الصيد إلى حرف مختلفة لكل منها طريقتها الخاصة في الصيد وتحمل تصريحًا من الجهات المعنية بطبيعة عملها تحديدًا، ولفض الاشتباك بين القرارات الحكومية التي تؤكد أن هذا المنع حفاظًا على البيئة البحرية ضد الصيد الجائر، وبين الصيادين الذين يقولون أنهم لا يصطادون بطريقة جائرة، وأنهم متعطلين وسط وعود حكومية ببحث الأمر، دون أن تسفر الوعود عن توفير بدائل أو حلول، أو التصريح لهم بالعودة إلى العمل ، وفي ظل الاشتباك طرحت تعريفات حرف وطرق عمل المراكب نفسها للوهلة الأولى.

كيف تعمل مراكب الجر والشانشولا؟
أحد أبرز الحرف في الصيد هما حرفتي الجر والشانشولا، والتي أثارت الجدل بين الصيادين بعد السماح لمراكب الشانشولا بالعمل واستثناء مراكب الجر، فـ«حرفة الجر» هي : نوع من الصيد يتم من خلال مركب يسير بسرعات معينة ويتم عملية إنزال للطعم الصناعى«الرابلة» وترك العنان لها لمسافات معينة لتسير وتسبح بنفس تقنية السمك الطبيعى لاستدراجه إلى الشرك.
أما «حرفة الشانشولا» فهي مراكب صيد متخصصة في صيد أنواع معينة من الأسماك، حيث تعمل 8 شهور طوال العام ويبدأ الموسم من شهر إبريل وحتى أكتوبر، ويعمل الطاقم الموجود على المركب فترة 20 يومًا كل شهر، حيث تخرج المراكب للصيد في وقت «الضلمة»مرتين، حيث تتجمع الأسماك حول الإضاءة التي تطلقها المركب.


قرار منع الصيد في البحر الأحمر لمدة 5 سنوات
في أبريل الماضي، أصدر اللواء عمرو حنفي، محافظ البحر الأحمر، قرارًا يحمل رقم 266 لسنة 2024، تضمن إيقاف عمل مراكب الجرو الشانشولا لمدة 5 سنوات في كافة مناطق البحر الأحمر، جنوب جبل الزيتون، على أن يقتصر عملها شمالاً بخليج السويس، وذلك بدءًا من أول شهر مايو، فيما تضمن قرار محافظ جنوب سيناء ويحمل رقم 129 لسنة 2024، في مادته الأولى حظرًا كاملًا لكامل أنشطة صيد حرفة الجر في كافة مناطق خليجي السويس والعقبة لمدة خمس سنوات.
وأرجع قراري المنع السبب في ذلك إلى الحفاظ على التوازن البيئي، وللحد من مهاجمة سمك القرش للسائحين، ففي يونيو عام 2023 لقى سائح روسي مصرعه، بعد أن هاجمته سمكة قرش في البحر الأحمر بمدينة الغردقة.

                                  
تحركات نقابية
محمد شرابي، نقيب الصيادين بمركز البرلس في كفر الشيخ، قال، إن أكثر من 50 مركبًا لحرفة الجر، متعطلة في مركز البرلس، يعاني أصحابها والعاملين بها ظروفًا معيشية واقتصادية صعبة نتيجة توقف المراكب عن رحلات الصيد، في الوقت الذي يتم محاسبتهم من التأمينات والضرائب على الرغم من أنهم ممنوعون من العمل بقرار من محافظ البحر الأحمر، بحظر كامل قطاع الصيد من العمل في البحر الأحمر، بدءًا من الغردقة جنوبًا، عند ميناء «برانيس»، وتم استثناء مراكب الصيد العاملة بحرفتي السنار، والشانشيلا هذا العام، فيما تم منع مراكب الصيد العاملة بحرفة الجر بشكل نهائي، ووفقًا لشرابي استند قرار المنع لحرفة الجر بأن هذا النوع من الصيد «بيكسر الشعب المرجانية ويضر بالبيئة البحرية»، لكن مراكب الجر ليست لها علاقة بالشعب المرجانية، طبقًا لشرابي، وأضاف النقيب، أنه ذهب رفقة عدد من صيادي البرلس، الممنوعين من الصيد، إلى اللواء الحسيني فرحات، المدير التنفيذي لجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، لطلب عودة مراكب الصيد المتوقفة إلى العمل، فنفى مدير الجهاز علاقته بقرار المنع الصادر من محافظ البحر الأحمر.
وفي أغسطس الماضي، قال محمد ياقوت، رئيس مجلس إدارة الاتحاد التعاوني للثروة المائية، في تصريحات صحفية، إن الاتحاد و الجمعية التعاونية لسفن الصيد الآلية، أرسلا مذكرة لرئيس الوزراء، بشأن قرار وقف الصيد في البحر الأحمر، وتداعيات القرار على أسطول سفن تتخطى استثماراته 1.2 مليار جنيه في منطقة برانيس، بحسب ياقوت.
وكانت الصفحة الرسمية لمحافظة جنوب سيناء نفت في أغسطس الماضي، منع الصيادين من العمل بخليج السويس، وأوضحت أن حرفة الصيد بسنار والحرف الأخري، تعمل اعتبارًا من 15 يوليو 2024، بعد الانتهاء فترة المنع طبقًا للقرار رقم 381 لسنة 2014، وأوضحت أن المنع يقتصر فقط على مراكب لاتعمل بالصيد وهي المراكب الترفيهية ومراكب النزهة التي تعمل بمنطقة «الكنسية» طبقًا لتوجيهات وزارة الدفاع، لكن جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، أعلن في سبتمبر الماضي، عن بدء موسم الصيد الجديد بخليج السويس، بعد منح البيئة أربعة أشهر من الراحة البيولوجية لتوفير فرصة التكاثر ونمو الأسماك وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وقال بيان الهيئة أنه تم إعادة فتح السواحل لسروح مراكب الصيد التي تعمل بحرف الجر لصيد الأسماك القاعية.

احتجاج وغضب
أحد أصحاب المراكب الممنوعة من الصيد في البحر الأحمر، قال مشترطًا عدم ذكر اسمه، أن «مفيش منه الكلام ده»، في إشارة إلى أن المراكب العاملة بحرفة الجر لا تزال ممنوعة من العمل في كامل سواحل البحر الأحمر.
أحمد توفيق، أحد أصحاب المراكب الممنوعة من الصيد، والمتعطلة في مدينة عزبة البرج بدمياط، قال إن أصحاب المراكب والصيادين العاملين بحرفة الجر، تلقوا وعودًا كثيرة من جهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية بعقد اجتماع مع الصيادين والنظر في مشكلتهم، دون أن تسفر هذه الوعود عن شيئ يذكر، ويوضح توفيق ، أن مراكب الجر، و مراكب الشانشيلا التي سمح لها بالعودة إلى العمل بالبحر الأحمر يشتركان من حيث نوعية الأسماك التي تصطادها مثل «سمك الباغة والسردين والسمك الشعبي عمومًا»، في حين لا تسمح طبيعة مراكب الشانشيلا باصطياد أسماك مثل «الجمبري والسيبيا»التي تصطادها مراكب الجر الممنوعة حاليًا، يُذكر أنه في أكتوبر عام 2022، أعلنت شركة الكومي للاستزراع السمكي الإماراتية، بالشراكة مع شركة الريف المصري، عن إنشاء مزرعة «واحة الجمبري» في منطقة المعزة بالصحراء الغربية في مصر، بقيمة إجمالية للمشروع تقدر بنحو مليار جنيه.

تابعنا العديد من شكاوى الصيادين من عدة محافظات على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها محافظة الغردقة، وتشير أحد الفيديوهات بتاريخ 21 نوفمبر الماضي، إلى توقف نحو 50 مركب في محافظة الغردقة، تعمل بحرفة الجر، ونحو 20 مركب لحرف أخرى بسبب منعها من الصيد، فيما يشير فيديو آخر تحتفظ به إلى تنظيم عدد من الصيادين في الغردقة، وقفة احتجاجية اعتراضًا على قرار منع الصيد، واستدعى الأمن شخصًا على الأقل له علاقة بالوقفة بحسب الفيديو.

تحرك برلماني بشأن قرار منع الصيد
في أغسطس الماضي، التقت وزيرة البيئة، بعضو مجلس النواب عن المحافظة، وعضو لجنة الطاقة والبيئة بالمجلس، عبد الناصر عطية. لبحث تضرر الصيادين في محافظة البحر الأحمر من قرار المنع.
وفي مايو الماضي تقدم عضو مجلس النواب عن محافظة دمياط، ضياء الدين داود، بطلب إحاطة لإحالته إلى لجنة الزراعة لمناقشته على وجه السرعة، بشأن قراري محافظي البحر الأحمر وجنوب سيناء، بوقف الصيد بخليجي العقبة والسويس والبحر الأحمر لمدة خمس سنوات، بحضور ممثل عن رئيس مجلس الوزراء ورئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، وممثل لكل من وزارات الدفاع والداخلية والبيئة والزراعة،
وقال داود، أن القرار يترتب عليه آثار وخيمة على العاملين بقطاع الصيد، مشيرًا إلى أن القرار جاء في ظل حملة شعبية «كانت جارية حينها» لمقاطعة الأسماك بعد ارتفاع أسعارها، وفي إحاطته قال داود، إن قراري محافظا البحر الأحمر، ومحافظ جنوب سيناء، جاءا منعدمين لصدورهما من غير ذي صفة، بالمخالفة للاختصاصات المقررة بقانون الصيد، فضلا عن أن القرارين يخالفان قرارات اللجنة التنسيقية المشكلة من عدة جهات برئاسة أمين عام مجلس الوزراء، بشأن هجوم أسماك القرش على السائحين بمنطقة البحر الأحمر والتي خلصت نتائجها في يناير 2024 إلى:
حظر جميع أنشطة الصيد الترفيهي بكامل سواحل البحر الأحمر وخليجي السويس والعقبة لمدة خمس سنوات، ويتم النظر في المدة عقب انتهائها.
تنفيذ مواسم منع الصيد، وتبدأ من منتصف أبريل ولمدة ثلاثة أشهر.
تمنع مراكب الشانشولا والجر من العمل في سواحل البحر الأحمر، باستثناء منطقة برنيس وخليج السويس لمدة خمس سنوات.
وفي يوليو الماضي، التقى داود، عددًا من الصيادين في محافظة دمياط، قبل عقده لقاءًا مع ياسمين فؤاد وزيرة البيئة في أغسطس، لبحث تضرر الصيادين في دمياط من قرار وقف الصيد بالبحر الأحمر.
كيف يمكن حماية البيئو والصيادين معًا
عقب اجتماع وزيرة البيئة مع داود، قالت وزارة البيئة في بيان أن سبب منع بعض مراكب الصيد يرجع إلى تجاوزات وأنشطة الصيد الجائر التي قد تكون أحد أسباب هجوم أسماك القرش على البشر، لما تسببه من ندرة غير طبيعية في التنوع والكم من الأسماك التي تعتبر غذاء للقروش، من جانبه قال داود، أن قرار المنع يمكن معه أخذ كافة المسببات التي يمكن معالجتها والسيطرة عليها، بما يحافظ على التزامات مصر من حماية الشواطئ والشعاب المرجانية، و وجهتها السياحية ودعى داود، إلى السماح بعودة الصيادين لممارسة نشاطهم بشكل طبيعي، مع وضع الضوابط التي تراها وزارة البيئة والجهات المعنية مناسبة للحفاظ على البيئة البحرية،

فيما قال شرابي، نقيب الصيادين أنه من المفترض أن يكون المنع مقتصرًا فقط على مناطق محددة، بما تقتضيه ضرورة الحفاظ على البيئة البحرية، ومن غير المنطقي أن يتم المنع في كامل البحر، مشيرًا إلى معضلة تتمثل في الفجوة ما بين متخذ القرار، وبين إدراك واقع ومتطلبات قطاع الصيد، ومن المفترض أن يكون المسؤول على وعي كامل بالقطاع ومشكلاته، وطبقًا لشرابي، فإن القوانين التي تصدر تتعارض مع أهداف تنمية الثروة السمكية، التي تعد أمن غذائي قومي، وقال شرابي أن أحد الحلول المطروحة هو تغيير تراخيص عمل مراكب حرفة الجر، وتحويلها إلى الصيد بحرف «طرق» أخرى، أو منحهم تراخيص للعمل بخليج السويس بدلاً من البحر الأحمر، أو الترخيص لهم بالعمل في البحر الأبيض المتوسط.

ومابين الحلول المطروحة بالفعل، ودوامة الوعود الحكومية التي لا تأتي، غرق الصيادين الممنوعين من الصيد في بحر من الأعباء والديون، أصبحت «جيوبهم بلا قروش»، بعد أن ابتلعتها هذه المرة قرارات لا تلتفت إلى بيئتهم الاجتماعية، ومآلات قرارات لايشاركون فيها، أو يستمع أحدًا إلى استغاثاتهم من تبعاتها.