في خطوة غير معتادة، أقال البابا تواضروس الثاني، رئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أسقف كنيسة المقطم، الأنبا أبانوب، بعد توتر الأجواء داخل الكنيسة، حيث تفجرت تساؤلات حول سبب الإقالة، سواء كانت لأسباب عقائدية أم مالية، وسط جدل واسع بين تيارين داخل الكنيسة.

وقد وصف عدد من النشطاء الأقباط الأنبا أبانوب بكونه من "أبناء البابا الراحل شنودة"، وهو التيار الذي يوصف بتمسكه بالتقاليد الأرثوذكسية القديمة، ووجهوا له اتهامات بمعارضة البابا تواضروس وأفكاره التي يرون فيها انفتاحًا على المذاهب البروتستانتية والكاثوليكية، وهو ما يعارضه بشدة التيار التقليدي المحافظ داخل الكنيسة.
 

صراع تيارين داخل الكنيسة
   يرى مراقبون أن إقالة الأنبا أبانوب ليست مجرد قرار إداري بل تعكس صراعًا عقائديًا داخل الكنيسة بين تيارين رئيسيين.
أحدهما يتبنى فكر البابا السابق شنودة ويعد أكثر تحفظًا وتمسكًا بالتقاليد الأرثوذكسية الراسخة، في مقابل تيار آخر يُعرف بـ "الإصلاحي" يقوده البابا تواضروس الحالي، ويتبنى فكرة التحديث والانفتاح على الكنائس المسيحية الأخرى، مثل البروتستانتية والكاثوليكية.
وتُظهر محادثات مسربة عبر مجموعات على تطبيق "واتساب" ضمت 17 أسقفًا وناشطًا قبطيًا أن هذه الانقسامات في طريقها إلى مزيد من التصعيد، وأن الأمر يتجاوز التباين العقائدي ليشمل خلافات إدارية عميقة.
 

الأزمة مع تيار "أبناء شنودة"
   محاولات البابا تواضروس لتحويل قرار الإقالة إلى استقالة طوعية لم تقنع التيار المحافظ، حيث أكد مؤيدو الأنبا شنودة الثالث، الملقب بـ "حامي الإيمان الرسولي الأرثوذكسي"، أنه لا يوجد شيء يُسمى "استقالة الأسقف"، في انتقاد غير مباشر لقرار البابا.
واستغل بعض الكهنة والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي هذه المناسبة لانتقاد سياسة الانفتاح التي يقودها تواضروس، والتي يرى فيها المحافظون خيانةً للتقاليد الأرثوذكسية.

وبعد إقالة الأنبا أبانوب، أثارت مقالات وتصريحات لعدد من القساوسة والناشطين القبطيين نقاشًا حول خطورة الانقسامات على وحدة الكنيسة ومستقبلها.
إذ كتب الناشط القبطي كمال الصباغ، عبر صفحته على "فيسبوك"، مشيرًا إلى الصراع داخل الكنيسة بأنه أصبح "معركة" مع مجموعة متشددة تسعى للهيمنة على التوجه العقائدي للكنيسة، واصفًا تلك المجموعة بـ "التيار التكفيري".
 

توتر مستمر وانعكاسات مقتل الأنبا إبيفانيوس
   الأزمة لم تكن وليدة اللحظة، حيث تعود بعض جذورها إلى عام 2018 مع مقتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار، في حادثة قتل صدمت الأقباط، واعتُبرت أول جريمة قتل لرهبان على يد زملاء لهم منذ عقود؛ إذ تورط قساوسة من التيار المحافظ في مقتله، وقد تم تنفيذ حكم الإعدام بحق أحدهم، مما عكس شدة الصراع بين الفريقين.
واستمرت الجرائم المرتبطة بالنزاعات الكنسية حتى مارس 2024، حين قُتل ثلاثة رهبان مصريين في دير بجنوب إفريقيا على يد طالب رهبنة، في جريمة كشفت عن امتداد النزاع بين التيارات الكنسية إلى الخارج.
 

رؤية تواضروس ومسألة الانفتاح
   يُعرف البابا تواضروس برؤيته المنفتحة على الكنائس العالمية، حيث يسعى إلى توثيق العلاقات مع الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية، متبنيًا مواقف إصلاحية لا تروق لبعض الأقباط المحافظين. وكانت هذه الرؤية الانفتاحية قد دفعت التيار المحافظ لاتهامه بمحاولة "تغيير عقيدة الكنيسة"، خاصة بعدما وقّع اتفاقًا مع بابا الفاتيكان يقضي بعدم إعادة سر المعمودية.
وظهر هذا التوتر جليًا خلال زيارة تواضروس إلى الاحتلال عام 2015، وهي زيارة أثارت حفيظة الأقباط المحافظين الذين يعتبرون زيارة الأراضي المحتلة خطًا أحمر، ما لم تكن بيد الكنيسة الأرثوذكسية.
 

الدور السياسي للكنيسة في عهد تواضروس
   ويبرز في هذا السياق بعد آخر للأزمة، هو الدور السياسي المتنامي للكنيسة وعلاقتها الوثيقة بعبد الفتاح السيسي، وهو ما يراه بعض الأقباط "تحول الكنيسة إلى بوق سياسي للنظام".
وقد انتقد الناشطون القبطيون مثل كمال الصباغ تنظيم الكنيسة استقبالات للسيسي خلال زياراته الخارجية، واعتبروا أن الكنيسة أصبحت مسيّسة بعمق، وهو أمر يرى فيه كثيرون تجاوزًا للحدود المفترض أن تلتزم بها مؤسسة دينية.