رغم المليارات التي تم إنفاقها على تطوير المدن الجديدة في مصر، كشف مسح عمراني حديث عن أن هذه المدن التي تتبع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لا تستوعب سوى 1.7 مليون نسمة فقط من إجمالي سكان مصر.
هذا الرقم يعد ضئيلًا للغاية مقارنة بالقدرة الاستيعابية لهذه المدن التي تم التخطيط لها لاستيعاب أعداد ضخمة من السكان.
أجرى مرصد العمران هذا المسح الذي اختص بتحليل وضع المدن الجديدة والأراضي التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية منذ تأسيس الهيئة في عام 1979 وحتى منتصف عام 2024.
في هذا الإطار، تم تحديد 49 مدينة جديدة على مستوى الجمهورية، إلا أن الواقع يوضح أن عدد السكان في هذه المدن لا يتجاوز 1.7% من إجمالي سكان مصر، مما يعكس فشلًا واضحًا في استغلال هذه المشاريع العقارية الضخمة.
الباحث في سياسات الإسكان والعمران، يحيى شوكت، أوضح في تصريحاتٍ له أن السبب الرئيسي وراء هذه الأرقام المتدنية هو تحول الهدف من بناء المدن الجديدة من استيعاب السكان إلى أداة للادخار؛ حيث أصبحت المدن الجديدة وجهة لشراء الأراضي والعقارات بغرض الاستثمار، بدلًا من أن تكون مكانًا للسكن والعيش.
هذه التحولات أدت إلى قلة الإقبال على السكن في هذه المدن رغم توفر البنية التحتية والخدمات فيها.
فيما يخص توزيع السكان في المدن الجديدة، أشار المسح إلى أن محافظة القاهرة احتلت المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في المدن الجديدة، حيث بلغ عددهم حوالي 550 ألف نسمة، تلتها محافظة الجيزة بـ476 ألف نسمة، بينما كانت محافظة أسوان الأقل في عدد السكان في هذه المدن، حيث بلغ عددهم 121 نسمة فقط.
وتبين من خلال المسح أن أقل نسب الاستيعاب كانت في محافظات سوهاج وأسوان، حيث لا يتجاوز عدد السكان في المدن الجديدة 0.01% من إجمالي السكان في كل محافظة.
وحسب الإحصائيات الرسمية، شكلت المدن الجديدة التابعة للهيئة 1.7% فقط من إجمالي السكان على مستوى مصر في بداية عام 2024.
كما أظهرت الدراسة أن المدن الجديدة في محافظتي القاهرة والجيزة استوعبت أعلى نسبة من السكان، حيث بلغت النسبة 5% من إجمالي السكان في كل محافظة؛ فيما كانت أقل نسب الاستيعاب في محافظات سوهاج وأسوان، مما يعكس تباينًا كبيرًا في توزيع السكان داخل المدن الجديدة.
ومنذ إقرار قانون هيئة المجتمعات العمرانية في عام 1979، تم تخصيص 2.2 مليون فدان من أراضي الدولة لتطويرها وتحويلها إلى مجتمعات حضرية جديدة.
ورغم هذا الحجم الهائل من الأراضي، أظهر المسح أنه بعد استبعاد مساحات الطرق والخدمات والمناطق غير المشغولة حتى الآن، تظل هناك حوالي 900 ألف فدان صالحة لأنشطة الإسكان، وهي مساحة تكفي لاستيعاب أكثر من 27 مليون شخص، وفقًا للمخططات العمرانية المثالية التي تعتمد كثافة سكانية تبلغ 60 شخصًا للفدان.
وأوضح المسح أن هذه النتائج تكشف عن استغلال غير كفء للموارد والأراضي المخصصة للمدن الجديدة. فرغم الإنفاق الضخم من حكومة السيسي على هذه المشروعات، فإن الاستفادة منها تظل ضئيلة للغاية، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن جدوى السياسات العمرانية المتبعة في مصر.
ويعتبر هذا التوزيع السكاني غير المتوازن تأكيدًا على فشل استغلال الإمكانيات الكبيرة التي توفرها هذه المدن، ويعكس ضعفًا في تنفيذ السياسات السكنية بشكل يحقق الفائدة المرجوة للمواطنين.