في ظل أزمة اقتصادية طاحنة وموجة تراجع غير مسبوقة في مستويات المعيشة في مصر، تتصاعد الأنباء حول مفاوضات سرية تجريها حكومة السيسي لبيع حصتها المتبقية في بنك الإسكندرية إلى مجموعة "إنتيسا سان باولو" الإيطالية، وهو ما يثير جدلًا واسعًا حول تداعيات هذه الخطوة.
فقد أصبحت سياسة الخصخصة وبيع الأصول الوطنية ضمن خطط نظام السيسي المستمرة، على الرغم من أنها قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من إيجاد حلول فعلية.

ومنذ بيع حصة 80% من بنك الإسكندرية لمجموعة "إنتيسا سان باولو" الإيطالية في عام 2006، ظل البنك يعمل تحت سيطرة هذه المجموعة، واليوم، تجري حكومة السيسي محادثات لبيع الحصة المتبقية والتي تمثل 20% من أسهم البنك، ما يجعل المجموعة الإيطالية المالك الوحيد.
ويعني هذا أن بنك الإسكندرية، الذي يعد من أعرق البنوك في البلاد، قد يُسلم بالكامل لإدارة أجنبية، مما يثير تساؤلات حول الأثر السلبي على الاقتصاد المصري وإمكانية تأثيره على القطاع المصرفي بشكل عام.

في هذا السياق، يرى المراقبون أن حكومة السيسي باتت تعتمد بشكل متزايد على بيع أصول الدولة كوسيلة لتمويل أزمتها المالية، غير مبالية بتأثيرات هذه الخطوات على المدى البعيد.
ويتزامن هذا القرار مع أوضاع اقتصادية خانقة يعيشها المواطن المصري من بطالة وارتفاع في معدلات التضخم، إلى جانب غلاء المعيشة الذي يدفع الملايين إلى ما دون خط الفقر.

ووفقًا للمصادر، فإن صفقة بيع بنك الإسكندرية تأتي في إطار برنامج الطروحات الذي أعدته حكومة السيسي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، والذي يطالب ببيع تدريجي لأصول الدولة كجزء من شروط البرنامج التمويلي.
وتخطط حكومة السيسي لبيع حصص في 32 شركة من القطاع العام، بما في ذلك بنوك وشركات في قطاعات الطاقة والعقارات، بهدف جمع ما يتراوح بين ملياري دولار و2.5 مليار دولار بنهاية السنة المالية الحالية في يونيو 2025.
 

آراء الخبراء حول السياسة الاقتصادية
   يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن النهج الحكومي في الاعتماد على بيع الأصول الوطنية لحل الأزمات المالية هو طريق غير آمن، مؤكدين أن هذه السياسة ستؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلًا من حلها.
فحكومة السيسي تواصل بيع الأصول دون أن توفر بدائل حقيقية لتطوير الاقتصاد، حيث تعتمد فقط على عائدات الطروحات، دون التفكير في تبني سياسات اقتصادية تساهم في تحسين القدرة الإنتاجية وتعزيز الاستثمار الداخلي.

ويشير الخبراء إلى أن الخطط الحكومية الحالية تفتقر إلى رؤية استراتيجية لتعزيز الصناعات الوطنية وتطوير البنية التحتية، إذ يقتصر تركيز حكومة السيسي على الحصول على أموال سريعة من خلال بيع الأصول، بدلاً من دعم القطاعات الإنتاجية بشكل يجعل الاقتصاد أكثر استدامة.

وتعتبر مؤسسة التمويل الدولية المستشار الاستراتيجي لحكومة السيسي فيما يتعلق ببرنامج الطروحات، وهي تتدخل في هيكلة الشركات المستهدفة للبيع بهدف "تحسين الحوكمة وجذب الاستثمارات".
ومع ذلك، يرى المراقبون أن هذه الخطوات تهدف في جوهرها إلى تسهيل عمليات بيع الأصول الوطنية فقط، ولا تقدم قيمة حقيقية لتعزيز الاقتصاد الوطني بقدر ما تسهم في تحويله إلى اقتصاد مرهون لصالح المؤسسات الدولية والشركات الأجنبية.

وبينما تستمر حكومة السيسي في إجراءاتها لبيع الأصول الوطنية، يتزايد العبء على المواطن العادي الذي يعاني من تدهور مستوى الخدمات العامة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية.
وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية، يرى العديد من المواطنين أن هذه الصفقات لا تعود بأي منفعة حقيقية على حياتهم اليومية، بل تزيد من استحواذ الأجانب على مقدرات البلاد، في ظل انعدام الرقابة وعدم الشفافية في صفقات البيع.

وتشير هذه الصفقات إلى واقع مرير قد يمتد تأثيره إلى الأجيال القادمة. فمع استمرار بيع الأصول وتدني مستوى الخدمات، قد تجد مصر نفسها في موقف صعب حيث تصبح مقدراتها الاقتصادية مسلوبة، مع صعوبة استعادتها مجددًا.