في خضم الأزمات المتفاقمة وتزايد الإدانات الدولية، تُبرِز قضية المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان "هدى عبد المنعم" نموذجاً صارخاً لسياسات التعسف والقمع التي باتت سمة نظام السيسي العسكري.
فعلى مدار ست سنوات من الاحتجاز التعسفي، عانت هدى من انتهاكات لا تُحصى، في ظل إصرار حكومة السيسي على إبقائها في السجن وتجاهلها التام للمناشدات الحقوقية الدولية والمحلية للإفراج عنها، رغم انتهاء مدة العقوبة.
تجاهل دولي وتواطؤ حكومي
هدى عبد المنعم، المحامية التي كرّست حياتها للدفاع عن المستضعفين، أصبحت ضحية لنظام يزدري العدالة ويرفض الامتثال للمعايير القانونية والدولية.
فرغم مرور ست سنوات على احتجازها، لم يُفرج عنها بعد، لتبقى تحت ظروف احتجاز كارثية تعكس إهمال سلطات السيسي للعدالة وحقوق الإنسان، حيث واصلت السلطات تلاعبها بالقانون من خلال ما يُعرف بـ"تدوير القضايا"، عبر تلفيق اتهامات جديدة لها، وهي التي سبق وحصلت على البراءة منها.
التلاعب بالقانون ومصير مجهول
يعدّ "تدوير القضايا" أداة بيد سلطات السيسي لتعميق انتهاكاتها؛ حيث تقوم السلطات بإعادة اتهام الأفراد بالتهم ذاتها في قضايا جديدة، متجاوزة بذلك مبدأً قانونياً أساسياً يقضي بعدم محاكمة الفرد على التهمة نفسها مرتين.
هذا التحايل أصبح نهجاً ممنهجاً يعكس تواطؤ حكومة السيسي في تحويل القضاء إلى أداة قمعية تسهّل استمرار القمع وكتم الأصوات المعارضة.
فبالرغم من انقضاء مدة العقوبة الصادرة بحق هدى في 31 أكتوبر 2023، والتي جاءت في إطار قضية ملفقة، تُركت وراء القضبان ليصبح السجن حكماً مؤبداً يُنزل دون محاكمة عادلة أو مسوغ قانوني.
وقد أطلقت 22 منظمة حقوقية مصرية وعالمية حملة للمطالبة بالإفراج عنها، منددةً بالتدهور الحاد في صحتها وظروف احتجازها غير الإنسانية.
تدهور صحي وإهمال متعمد
في سن الثالثة والستين، ومع معاناتها من مشكلات صحية خطيرة، يواجه وضع هدى الطبي إهمالاً متعمداً يعكس سياسة انتقامية تنتهجها السلطات ضد المعتقلين السياسيين، إذ يُحرم هؤلاء من الرعاية الصحية اللازمة ويتعرضون لأوضاع احتجاز قاسية.
الأمر الذي يفاقم معاناتهم ويضع حياتهم في خطر. وقد شددت منظمات حقوق الإنسان على أن معاملة هدى ليست استثناءً، بل نموذج لسلسلة من الانتهاكات الصحية الممنهجة ضد المعتقلين.
تواطؤ القضاء وغياب العدالة
إن ما تعانيه هدى عبد المنعم يكشف عن عمق أزمة العدالة في مصر، حيث تحول القضاء إلى أداة في يد السلطة التنفيذية تستخدمه لتصفية الحسابات السياسية وقمع الناشطين الحقوقيين.
فمحكمة أمن الدولة طوارئ، التي أصدرت حكمها بحق هدى، تفتقر إلى الشفافية وتعتمد على إجراءات استثنائية لا تراعي الحد الأدنى من معايير العدالة، إذ تُبنى قراراتها على اتهامات ملفقة وشهادات مشبوهة دون حق الاستئناف أو الطعن.
وفي ظل هذا التجاهل الصارخ، يبرز التساؤل حول مصداقية النظام القضائي ومدى استقلاليته، حيث باتت المحاكم المصرية جزءاً من آلة القمع، لا تقوم بدورها في تحقيق العدالة أو ضمان حقوق المتهمين، مما يعمق حالة الظلم والتعسف بحق المعتقلين السياسيين.
الصمت الدولي المخزي
رغم المناشدات المتكررة من قبل منظمات حقوق الإنسان العالمية، فإن رد الفعل الدولي تجاه قضية هدى وقضايا حقوق الإنسان الأخرى في مصر لا يزال محدوداً.
تكتفي بعض الدول بإصدار بيانات إدانة، دون أي ضغط فعلي على حكومة السيسي لتغيير سلوكها، مما يمنح النظام مساحة أكبر لارتكاب المزيد من الانتهاكات.
ويعكس هذا الصمت الدولي حالة تواطؤ غير مباشرة تتيح لنظام السيسي التمادي في سياساته القمعية دون خوف من أي عقوبات.
دعوة للتحرك الفوري
قضية هدى عبد المنعم ليست سوى واحدة من آلاف الحالات التي تواجه الظلم والتعسف في مصر.
ولا يمكن الاستمرار في تجاهل المعاناة التي تواجهها في ظل نظام ينتهك حقوق الإنسان بشكل ممنهج. على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، وأن يعمل بجدية لوقف هذه الانتهاكات المتواصلة.
كما يجب على الدول ذات النفوذ أن تُمارس ضغطاً فعلياً على حكومة السيسي لإجبارها على الإفراج عن هدى وكافة المعتقلين السياسيين.
تحتاج مصر اليوم إلى حراك شعبي ودولي يطالب بإصلاحات حقيقية لوقف ممارسات التعسف، وفرض الشفافية والمساءلة القانونية، فاستمرار سياسات القمع وانتهاك الحقوق سيؤدي إلى تعميق الأزمة الإنسانية في البلاد، ليبقى السؤال قائماً: إلى متى ستظل حكومة السيسي بمنأى عن المحاسبة؟