ثلاث حوادث قطارات في مصر خلال شهر واحد، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، على الرغم من المليارات من الدولارات التي من المفترض أن تنفق على تحسين شبكة السكة الحديد التي تنقل مليون راكب يوميًا. ثاني أقدم شبكة سكة حديد في العالم تشهد حوادث مميتة بسبب القصور في الصيانة وسوء إجراءات السلامة والأمان والبنية التحتية القديمة.

على الرغم من خطط التحسين التي تهدف إلى مضاعفة عدد الركاب إلى مليوني راكب يوميًا، والوصول إلى 13 مليون طن من البضائع المنقولة سنويًا بحلول عام 2030، لا يزال الموت يضرب القطارات المزينة بألوان علم البلد والتي وتحمل شعار "تحيا مصر".

قبل أيام قليلة، استيقظ المصريون على خبر اصطدام قاطرة بمؤخرة قطار مكيف الهواء رقم 1087، بالقرب من محافظة المنيا في جنوب مصر.

وأسفر الحادث عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 20 آخرين.

وتسبب في سقوط عربتين في ترعة الإبراهيمية، وهو ممر مائي مجاور لخطوط السكة الحديد ولا يوجد حاجز من أي نوع يفصل بينهما. وأظهرت صور ومقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي قيام أصحاب مراكب الصيد بإنقاذ من كانوا يغرقون أو أصيبوا، بينما تأخرت فرق الإنقاذ في الوصول إلى موقع الحادث.

وأظهرت التحقيقات الأولية أن الحادث نجم عن عطل في نظام الإشارات، لم يتم الكشف عن أسبابه حتى الآن، بحسب الصحف المحلية.

ويعاني هذا المرفق الحيوي من قصور في الصيانة والتحديث، فضلاً عن الأخطاء البشرية المتعددة، مما أدى أيضًا إلى تصادم بين قطارين في الزقازيق بمحافظة الشرقية بدلتا النيل، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة نحو 50 آخرين في سبتمبر. وفي هذا الحادث، اصطدم قطار الركاب رقم 281، المتجه من الزقازيق إلى الإسماعيلية شمالاً، وجهاً لوجه مع قطار الركاب رقم 336 المتجه من المنصورة إلى الزقازيق. انتهى القطاران على نفس المسار، بسبب خطأ بشري من سائق المحول، بحسب تصريحات وزير النقل المصري كامل الوزير.

يشغل الوزير ثلاثة مناصب وزارية: وزير النقل ووزير الصناعة ونائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية. في يوليو، قال على شاشة التلفزيون إنه سيعمل من الساعة 8 صباحًا حتى 3 مساءً في وزارة الصناعة، ومن الساعة 3 مساءً حتى 10 مساءً في وزارة النقل.

الأسبوع الماضي، انقلب قطار بضائع على خط التبين - الواحات، بالقرب من البدرشين، جنوب الجيزة، بالقرب من العاصمة، بعد اصطدامه برافعة، مما تسبب في انقلاب الجرار وخروج خمس عربات بضائع عن القضبان.

في عام 2023، شهدت مصر 181 حادثًا على شبكة السكة الحديد. وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تم تسجيل 831 حادثًا في عام 2022، و978 في عام 2021، و898 في عام 2020. وفي المجمل، على مدار 10 سنوات بين عامي 2014 و2023، كان هناك 11695 حادثًا على السكة الحديد، وفقًا للبيانات الرسمية.

لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد ضحايا حوادث القطارات في البلاد، لكن الحادث الأكثر مأساوية كان عندما قُتل 361 شخصًا بعد اندلاع حريق في قطار صعيد مصر على متنه ركاب متجهون للاحتفال بعيد الأضحى في عام 2002، حاول وزير النقل وقتها التهرب من المسؤولية، وتعرض لانتقادات واسعة.

تشير دراسة حديثة إلى أن الفشل في تحسين معابر السكة الحديد البالغ عددها 4500 معبر، والتي تم تطوير 1332 منها فقط، هو السبب الرئيسي في زيادة حوادث القطارات، وفقًا للأكاديمي حمدي عرفة.

 وتقول هيئة السكة الحديد المصرية على موقعها الإلكتروني، إن الأخطاء البشرية وأنشطة الركاب الخطيرة تؤثر على سلامة النظام وتزيد من عدد الحوادث. وتشمل هذه الأنشطة جلوس الركاب على حافة الأرصفة، وصعود الركاب ونزولهم من القطارات على الجانب الخطأ، والمشي على القضبان للانتقال من رصيف إلى آخر والوقوف بين العربات وعلى جوانب الجرار. وهناك أيضًا سائقو السيارات والشاحنات الذين لا يلتزمون بقواعد المرور عند استخدام معابر السكة الحديد.

وسلط أحد المسؤولين في هيئة السكة الحديد، الذي تحدث معي بشرط عدم الكشف عن هويته، الضوء على أسباب أخرى للحوادث. وتشمل هذه الأسباب انخفاض كفاءة الموظفين، ونقص الصيانة، ونقص أنظمة الاتصال المتقدمة بين أفراد طاقم القطار (السائق والمساعد) ومركز التحكم في الإشارات، والتراخي في معايير السلامة والأمان، وإيقاف تشغيل جهاز التحكم الآلي في القطارات (ATC). كما ذكر عدم وجود كاميرات وشاشات مراقبة تسمح بمراقبة أي أعطال على القضبان تتطلب توقف القطار لتجنب الاصطدام بقطار آخر على سبيل المثال.

وقال سائق القطار محمد الشرقاوي إن راتبه الشهري 10 آلاف جنيه مصري (نحو 200 دولار)، بينما يتقاضى سائق التحويلة 6 آلاف جنيه (نحو 120 دولارا)، وعامل المعبر 5 آلاف جنيه (100 دولار). وأضاف أن إلغاء الحوافز الشهرية البالغة 1000 جنيه (20 دولارا) مع ارتفاع تكاليف المعيشة فرض أعباء نفسية ومادية كبيرة على العمال، ودفع بعضهم إلى تناول العقاقير لمواجهة الإرهاق البدني، مما منعهم من أداء واجباتهم بالحرص والاهتمام اللازمين. 

وقرر وزير النقل مؤخرًا مضاعفة الحوافز لسائقي القطارات الذين لا يتسببون في أي حوادث ويحافظون على سلامة الركاب والقطارات.

خصصت مصر 225 مليار جنيه، أي نحو 4.6 مليار دولار، لخطة شاملة لتحسين منظومة السكة الحديد من عام 2014 حتى عام 2024. وتغطي هذه الخطة الجرارات والعربات بتكلفة 53 مليار جنيه (1.1 مليار دولار)، والبنية الأساسية بتكلفة 105 مليارات جنيه (أكثر من 2 مليار دولار)، وتطوير أنظمة الإشارات بتكلفة 50 مليار جنيه (مليار دولار)، وورش الإنتاج بتكلفة 15 مليار جنيه (310 ملايين دولار)، وبناء قدرات الموظفين بتكلفة 2 مليار جنيه (42 مليون دولار)، وفقًا للبيانات الرسمية.

لكن الصحفي محمد أمين يتساءل بصوت عالٍ في مقاله "ضحايا حوادث القطارات!" في صحيفة المصري اليوم، هل تم تحسين شبكة السكة الحديد حقًا. ويتساءل: "أين ذهبت المليارات حتى لا نرى أي تحسن؟ متى سيحدث التحسن بالضبط؟  وكم من الوقت نحتاج قبل أن نتخلص من هذه الحوادث المروعة؟ ويشكك المعارضون في أن هذه المبالغ الضخمة أنفقت بالفعل. 

رفض رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي أي إنفاق لتحسين السكة الحديد عندما قال في مايو 2017، "بدلاً من إنفاق 10 مليارات جنيه لتحسين السكة الحديد، نضعها في البنك ونأخذ مليار جنيه فوائد". 

طالب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الحكومة بالكشف عن كيفية إنفاق 64.8 مليار جنيه (أكثر من 1.3 مليار دولار) على تحديث نظام الإشارات، في وقت تظهر فيه حوادث القطارات المتكررة أن معظم الخطوط لا تزال تستخدم النظام اليدوي القديم. 

وقال مهندس في هيئة السكة الحديد، طلب عدم ذكر اسمه، إنه يقوم بتحديث أنظمة الإشارات والاتصالات، لكن الأمر يستغرق سنوات، ويتكلف الكثير من المال، ويعتمد في الغالب على القروض الخارجية. وأشار إلى أن أجهزة مراقبة الحركة الجوية في العديد من القطارات قديمة ومتآكلة ووصلت إلى نهاية عمرها الافتراضي. وأضاف أن الأخطاء البشرية هي السبب وراء كثرة الحوادث.

وذكر أن أنظمة القيادة الآلية لابد أن تواكب التحديثات على الأرض، بما في ذلك الإشارات والاتصالات وغيرها من الأنظمة، حتى يتم الانتهاء من كافة التحسينات. وأشار إلى أن شركة سيمنز الألمانية تقوم بتركيب أنظمة كهروميكانيكية، تشمل أنظمة الجر الكهربائي والإشارات والاتصالات والتحكم.

ولم يتضح بعد متى تنتهي الحكومة المصرية من خطط تحسين السكة الحديد، خاصة أنها تعتمد بشكل كامل على اقتراض الأموال. ولا يركز وزير النقل فقط على المهمة المطروحة، وهو ما قد يعني المزيد من الحوادث والمزيد من الأرواح المفقودة على سكة حديد الموت.

https://www.middleeastmonitor.com/20241022-death-on-the-long-live-egypt-trains/