في ظل تفاقم العدوان الصهيوني على غزة وتصاعد وتيرة الجرائم ضد المدنيين العزل، تظهر تساؤلات ملحة حول دور الأنظمة العربية في دعم القضية الفلسطينية، وتزايد الضغوط الشعبية تجاه المواقف السياسية التي ما زالت تصر على التطبيع مع الاحتلال. وفي ظل هذا الواقع المؤلم.
التقت "نافذة مصر" الدكتور ربحي حلوم، السفير الفلسطيني الأسبق في تركيا، وصاحب الخبرة الواسعة في السياسة الدولية وشغفه بالقضية الفلسطينية ليفتح نافذةً على المشهد السياسي الراهن، مستعرضًا مواقفه الحازمة تجاه التطبيع العربي والتراجع في دعم المقاومة ، فكان هذا الحوار.
كيف تتابعون جرائم الاحتلال في قطاع غزة، لا سيما تلك التي تستهدف المدنيين والأطفال، في ظل استمرار بعض الدول العربية في التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
-
أرى أن التطبيع مع العدو الصهيوني هو جريمة خيانة عظمى بموجب كل الأعراف الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول. فما يرتكبه الاحتلال في غزة يتعارض مع كل المبادئ الدولية ، خاصة تلك الجرائم الوحشية التي تستهدف المدنيين والأطفال، بما يعد خرقًا صارخًا لكل القوانين الدولية.
فالاحتلال يضرب بعرض الحائط كل تلك القوانين والأعراف، ويستمر في ممارسة العدوان الهمجي، مع تواطؤ وصمت عالمي غير مبرر ؛ فمنذ قيام الكيان الصهيوني وهو يمارس جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والآن؛ ما نراه في غزة هو استمرار لهذا النهج الوحشي.
والأدهى من ذلك هو استمرار بعض الدول العربية في التطبيع مع هذا الكيان، رغم الدماء التي تسيل في غزة ولبنان.
ومن العار أن تبقى اتفاقيات مثل كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو قائمة حيث يجب أن يتم إلغاء هذه الاتفاقيات فورًا، وأن يتم التحرك نحو دعم القضية الفلسطينية والمقاومة بكل الوسائل الممكنة.
كيف ترى التطبيع المتواصل بين الدول العربية والاحتلال في ظل الأوضاع الراهنة؟
-
التطبيع ليس مجرد خطأ سياسي؛ إنه جريمة مكتملة الأركان. فمفهوم الاستقلال الذي احتفلت به الدول العربية طوال عقود هو مفهوم ناقص إن لم يتضمن مقاومة الاحتلال الصهيوني وبذلك فإن التطبيع مع هذا الكيان يفرغ مفهوم الاستقلال من مضمونه.
إن الأعياد الوطنية التي تحتفل بها الدول يجب أن تكون تجسيدًا لتحررها من أي شكل من أشكال الاستعمار أو الهيمنة، أما التطبيع، فيعني قبول الهيمنة الصهيونية وتفريطًا في مبادئ التحرر العربي، ولذلك فإن هذه الدول التي تسعى لتطبيع علاقاتها مع العدو تسهم بشكل مباشر في تمزيق الصف العربي وتشتيت الجهود الدفاعية، والحل الوحيد هو توحيد الساحات العربية وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لتوجيه ضربات مؤثرة لهذا الكيان الذي يستغل التشتت العربي لمصلحته.
ما هي العوامل التي أدت إلى تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية في الوقت الحالي؟
-
هناك عاملان رئيسيان: الأول الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان المحتل، والثاني هو الصمت العربي المخزي ، فالولايات المتحدة توفر الغطاء الكامل للاحتلال لممارسة جرائمها دون أي خوف من المحاسبة الدولية، بينما العالم العربي يقف عاجزًا ومتفرقًا.
هذا الصمت العربي يخدم فقط مصلحة الاحتلال ويجعل الشعوب العربية تشعر بالخيانة والخذلان.
لو كان الرئيس محمد مرسي لا يزال على رأس السلطة، كيف تعتقد أن موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية والتطبيع ؟
-
لا شك أن تغييب الرئيس محمد مرسي عن المشهد كان كارثة للعالم العربي بأسره.
كان لمصر في عهد مرسي موقف صلب تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني ودعمٌ واضحٌ للمقاومة الفلسطينية.
لو كان مرسي في السلطة اليوم، لكان موقف مصر مختلفًا تمامًا، ولكانت القيادة المصرية تعمل على توحيد الصف العربي في مواجهة الاحتلال بدلاً من الركون إلى مهادنته.
ما نراه اليوم من انخراط في التطبيع هو تراجع خطير في مكانة مصر كقائدة للعالم العربي، وتغييب مرسي جلب لمصر وللأمة حالة من الهوان والاستسلام التي نحن فيها اليوم.
برأيك، ماذا جنت الشعوب العربية من تغييب جماعة الإخوان المسلمين عن المشهد السياسي؟
-
الإخوان المسلمون يشكلون مكونًا أساسيًا من مكونات الشعوب العربية، وفي بعض الدول يمثلون جزءًا كبيرًا من المجتمع، وتغييبهم عن المشهد السياسي لا يخدم سوى أعداء الأمة، فإن إقصاء 27% من مكونات الشعوب العربية من العمل السياسي يعني إضعاف قوى المقاومة الوطنية وإتاحة الفرصة لأعداء الأمة للتوغل والسيطرة.
والإخوان المسلمون لطالما وقفوا في صف المقاومة الفلسطينية، ودعموا القضية بكل الوسائل المتاحة وتغييبهم هو تغييبٌ للوطن ولمستقبله.
كيف تفسر الصمت العربي تجاه الانتهاكات المستمرة في الأراضي المحتلة؟
-
الصمت العربي لا يمكن تفسيره إلا على أنه انخراط في الخيانة؛ هذا الصمت هو دليل على انفصال الأنظمة عن نبض شعوبها.
إن هذه الأنظمة ليست فقط متواطئة مع العدو، بل هي أيضًا جزء من المشكلة، فهي تمد العدو بأسباب القوة وتساهم في إضعاف المقاومة العربية.
ولكن ما هي البدائل الممكنة لدعم القضية الفلسطينية في ظل هذا التخاذل الرسمي؟
-
البديل الوحيد هو دعم المقاومة الفلسطينية، فهي الحصن الأخير للدفاع عن الحقوق الفلسطينية؛ يجب أن تتحد كل القوى الوطنية والشعبية لدعم المقاومة.
أيضًا، من الضروري إلغاء كافة الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني واعتبارها لاغية وباطلة، كما يجب تعزيز الحريات العامة في الوطن العربي لتشكيل جبهة مقاومة متكاملة قادرة على مواجهة العدو.