منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، أصبحت مصر تحت قيادة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لاعباً أساسياً في الأزمة السودانية. وفي الأسابيع الأخيرة، صعّدت قوات الدعم السريع من خطابها ضد مصر، متهمةً إياها بالتدخل السافر في الشؤون السودانية. صدر بيان شديد اللهجة من قوات الدعم السريع، محذراً الحكومة المصرية من التدخل ودعم ما أسمته "الجيش المختطف". تزامن ذلك مع إعلان حظر تصدير البضائع إلى مصر من جانب قوات الدعم السريع، في خطوة تعكس تصاعد التوترات بين الجانبين.
خلفيات التدخل المصري: مصلحة أم تدخل غير مبرر؟
منذ تولي السيسي الحكم، اتبعت مصر سياسات قائمة على التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، خاصة السودان، بحجة تأمين مصالحها الوطنية. ولكن، من منظور معارض لنظام السيسي، يمكن اعتبار هذا التدخل جزءاً من استراتيجية أوسع يهدف من خلالها الرئيس المصري إلى ترسيخ سلطته وتعزيز نفوذه الإقليمي على حساب استقرار المنطقة.
حماية النظام العسكري السوداني: يعتبر السيسي الجيش السوداني حليفاً استراتيجياً، ليس فقط لدعم استقرار السودان، ولكن أيضاً لتعزيز تحالفاته العسكرية في المنطقة. النظام المصري منذ الانقلاب العسكري في 2013 يميل إلى دعم الأنظمة العسكرية في دول الجوار، لضمان استمرار تلك الأنظمة العسكرية في السلطة وحمايتها من أي حركات ثورية أو مطالبات ديمقراطية، وهو ما يبرر دعمه للجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.
هل السيسي مستفيد من استمرار الحرب في السودان؟
يمكن القول إن استمرار الحرب في السودان يخدم مصالح رئيس الانقلاب على عدة مستويات، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية: يعيش نظام السيسي أزمة اقتصادية خانقة، تتمثل في تدهور قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة الديون الخارجية. وفي ظل هذه الأزمات، قد يكون التدخل في الشؤون السودانية وسيلة لتحويل الأنظار عن الأوضاع الداخلية المتدهورة. يمكن للنظام المصري أن يصور نفسه على أنه يلعب دوراً حيوياً في السياسة الإقليمية، ما يساعده في الهروب من المساءلة الداخلية بشأن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
تعزيز السيطرة على موارد السودان: يمتلك السودان موارد طبيعية غنية، مثل الذهب والمعادن والزراعة، والتي يمكن أن تكون هدفاً لمصر. دعم الجيش السوداني قد يتيح لمصر الوصول إلى هذه الموارد واستغلالها بشكل أكبر، سواء عبر اتفاقيات تجارية أو عن طريق شركات تابعة للدولة المصرية تعمل في مجالات الاستثمار الزراعي والمعدني. ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه مصر من شح في الموارد وازدياد حاجتها للاستيراد.
أبعاد اقتصادية: استغلال السودان كسوق خلفي
الاعتماد على السودان كسوق مفتوح: مصر تعتمد بشكل كبير على السودان لتصدير بضائعها الزراعية والسلع الاستهلاكية. ومع إعلان قوات الدعم السريع عن حظر تصدير البضائع إلى مصر، يظهر مدى ضعف الاقتصاد المصري أمام هذه المتغيرات. دعم السيسي للجيش السوداني يمكن أن يكون وسيلة لضمان استمرار تدفق البضائع السودانية إلى مصر دون عوائق. لذلك، يسعى السيسي إلى الحفاظ على تحالف قوي مع القيادة العسكرية السودانية لضمان السيطرة على السوق السوداني وعدم تعريض المصالح الاقتصادية المصرية للخطر.
التلاعب بتجارة الحدود: التجارة عبر الحدود المصرية السودانية، خصوصاً في مناطق مثل حلايب وشلاتين، تعد واحدة من الأوراق التي يستخدمها السيسي لتعزيز نفوذه. من خلال دعم الجيش السوداني، يستطيع السيسي ضمان استمرار تدفق التجارة عبر هذه المناطق الاستراتيجية، مما يمنحه مزيداً من السيطرة على حركة السلع والتبادل التجاري بين البلدين.
البعد العسكري والأمني: تعزيز النفوذ المصري
الحضور العسكري المصري في السودان: يستفيد السيسي من استمرار الحرب في السودان لتعزيز النفوذ العسكري المصري هناك. وقد تمثل ذلك في توطيد العلاقات مع الجيش السوداني وتقديم الدعم اللوجستي والمخابراتي له في مواجهة قوات الدعم السريع. هذا التدخل العسكري يتيح لمصر تعزيز نفوذها في جنوب وشرق السودان، وهو ما يعتبر جزءاً من خطتها لتأمين مصالحها في البحر الأحمر وشرق إفريقيا.
الحفاظ على الحدود الآمنة: استمرار الحرب في السودان يتيح للنظام المصري توجيه قواته الأمنية نحو ضبط الحدود الجنوبية مع السودان، خاصة في ظل المخاوف من تدفق اللاجئين أو تسلل الجماعات المسلحة. لكن من منظور معارض، هذا لا يعكس فقط حرصاً على الأمن، بل أيضاً رغبة في التحكم في المشهد السياسي السوداني، بما يضمن أن تظل القاهرة هي اللاعب الرئيسي في حل الأزمات الإقليمية.
في النهاية، من المستفيد الأكبر؟
التدخل المصري في السودان قد يبدو في الظاهر حفاظاً على الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية، لكن من منظور اخر، هذا التدخل يُستخدم كأداة لتعزيز نفوذ السيسى في المنطقة وتثبيت أركان حكمه. استمرار الحرب في السودان يمنح السيسي الفرصة لتوسيع سيطرته الاقتصادية والعسكرية، وتحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية التي يعيشها نظامه.
على الرغم من التحذيرات التي وجهتها قوات الدعم السريع لمصر، يبقى أن مصر تحت حكم السيسي ماضية في نهجها التدخلي، معتبرة أن ضعف السودان وانقسامه يمكن أن يصب في مصلحة القاهرة على المدى الطويل. لكن، السؤال الأهم يبقى: هل سيتحمل الشعبان المصري والسوداني تبعات هذا التدخل والمغامرات السياسية لنظام السيسي؟