في خطوة مفاجئة وغير مرحب بها من قبل الكثير من المصريين، أعلنت وزارة البترول المصرية صباح اليوم الجمعة رفع أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام، ما يزيد من الأعباء الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون، وسط ظروف معيشية صعبة. القرار جاء بعد اجتماع لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، التي رفعت أسعار البنزين والسولار والمازوت، إلى جانب أسعار غاز تموين السيارات، في إطار ما أسمته اللجنة "محاولة لتقليل الفجوة بين أسعار بيع المنتجات وتكاليف الإنتاج والاستيراد المرتفعة."

رضوخ لشروط صندوق النقد الدولي
إن هذه الزيادة الجديدة تأتي في سياق ضغوطات مستمرة من صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية، التي أصبحت تحت وطأة قروض هائلة لا يمكنها الاستمرار في دعم الوقود كما كان يحدث في الماضي. منذ أن وقعت مصر على عدة اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، تم ربط الكثير من سياساتها الاقتصادية بشروط قاسية من بينها تحرير أسعار الوقود. وتعد هذه الزيادات المتتالية في أسعار الوقود نتيجة مباشرة لهذه السياسات التي تفرضها المؤسسات الدولية، والتي تسعى لتقليل الدعم الحكومي على المنتجات الأساسية مقابل إقراض مصر مبالغ ضخمة لسد العجز في ميزانيتها.

على الرغم من أن الحكومة تروج لهذه الإجراءات باعتبارها ضرورة اقتصادية، إلا أن الواقع على الأرض يكشف عن تأثيرات مدمرة على حياة المواطنين، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة. الارتفاعات المتكررة في أسعار الوقود تؤدي بشكل مباشر إلى زيادة تكاليف النقل والمواصلات، والتي بدورها ترفع أسعار السلع والخدمات، مما يثقل كاهل المواطن العادي في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري تضخمًا غير مسبوق.

تصريحات رسمية وتبريرات حكومية
لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية أكدت في بيانها أن الهدف من هذه الزيادة هو "الحرص على توفير المنتجات البترولية وضبط السوق وفقًا لآليات التسعير المتبعة". ويبدو أن الحكومة المصرية تحاول تبرير هذه الخطوة بأنها تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني عبر تقليل الفجوة بين الأسعار المحلية وتكاليف الإنتاج والاستيراد.

وفي تصريحات سابقة، أشار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى أن الحكومة المصرية لم تعد قادرة على تحمل عبء الدعم على الوقود وسط زيادة الاستهلاك. ولفت مدبولي إلى أن أسعار الوقود سترتفع تدريجياً حتى نهاية عام 2025، وهو ما يعني أن هذه الزيادة لن تكون الأخيرة، بل تُمثل بداية لمزيد من الأزمات القادمة التي ستواجه المواطن المصري.

تأثيرات الزيادة على الاقتصاد والمواطنين
زيادة أسعار الوقود لها تأثير مباشر على كافة جوانب الحياة في مصر. ومع ارتفاع أسعار "بنزين 95" إلى 17 جنيهًا للتر، و"بنزين 92" إلى 15.25 جنيهًا، و"بنزين 80" إلى 13.75 جنيهًا، إلى جانب زيادة سعر السولار إلى 13.50 جنيهًا، والكيروسين والمازوت إلى نفس المستوى، سيواجه المصريون قفزات في أسعار السلع الأساسية والخدمات، بدءًا من المواد الغذائية وصولاً إلى المواصلات.

ومن اللافت أن الحكومة قررت تثبيت سعر المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية، في خطوة تبدو وكأنها محاولة لتخفيف بعض الضغوط عن بعض القطاعات، ولكنها غير كافية لتعويض التأثيرات السلبية العامة لهذه الزيادات على بقية المجتمع.

الفقراء يدفعون الثمن
بالرغم من محاولات الحكومة تبرير هذه الزيادات بأنها ضرورية للحفاظ على استقرار الاقتصاد، إلا أن الشريحة الأكثر تأثرًا هي الطبقات الفقيرة والمتوسطة. غالبية المصريين يعيشون بالفعل تحت وطأة ضغوط اقتصادية هائلة، وهذه الزيادات تزيد الطين بلة. إن رفع سعر الوقود لا يؤثر فقط على تكاليف النقل، بل يؤدي أيضًا إلى ارتفاع أسعار جميع المنتجات التي تعتمد على النقل، مما يجعل الحياة اليومية أصعب بكثير.

الحكومة تراهن على أن هذه الإجراءات ستسهم في "إصلاح" الاقتصاد، ولكن الواقع يقول غير ذلك. بدلاً من مواجهة المشاكل الهيكلية الحقيقية في الاقتصاد المصري، مثل الفساد المستشري، وسوء الإدارة، واعتماد الاقتصاد بشكل مفرط على الاقتراض الخارجي، تختار الحكومة الحلول السهلة التي تستنزف جيوب المواطنين.

تداعيات سياسية واجتماعية
الزيادات المتتالية في أسعار الوقود تثير تساؤلات حول مدى قدرة النظام المصري على الاستمرار في هذه السياسات دون مواجهة رد فعل شعبي. في ظل أوضاع اقتصادية متردية، ومع معدلات تضخم مرتفعة، يمكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة الاحتقان الشعبي. هناك مخاوف من أن تؤدي هذه القرارات إلى اندلاع موجات من الاحتجاجات، خصوصًا أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها مصر مثل هذه الأزمات.
تدهور اقتصادي مستمر
تتضح معالم فشل النظام المصري بقيادة السيسي في إدارة الأزمات الاقتصادية المتتالية. ففي كل مرة يتم فيها رفع أسعار الوقود أو اتخاذ قرار يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، يتم تبرير ذلك بأنه "ضرورة اقتصادية"، ولكن النتيجة واحدة: مزيد من الفقر، ومزيد من الأعباء على كاهل المواطن البسيط.

في نهاية المطاف، يبدو أن مصر تحت قيادة السيسي تسير على خطى نظام لا يملك رؤية واضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية، بل يعتمد على مسكنات مؤقتة تزيد الأمور سوءًا. وتبقى الحقيقة أن المواطن المصري هو الضحية الأولى لهذه السياسات الفاشلة.