أعلنت النيابة المصرية اليوم الخميس إخلاء سبيل نشطاء وقفة فلسطين ولبنان المقبوض عليهم من وقفة كوبري 15 مايو، التي جرت في ذكرى 7 أكتوبر، بكفالة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه لكل منهم (نحو 100 دولار أميركي).

وجاء هذا القرار بعد يوم من التحقيقات التي أجرتها نيابة قصر النيل، حيث وُجهت إليهم تهم متعددة، أبرزها "تنظيم مظاهرة بدون تصريح، وتحريض العامة على مخالفة القوانين، وارتكاب أعمال عنف ضد الدولة".

التهم الموجهة للنشطاء
في المحضر رقم 7331 لسنة 2024 جنح قصر النيل، واجه النشطاء اتهامات بتنظيم مظاهرة غير مصرح بها، بالإضافة إلى التحريض على مخالفة القوانين، وهي اتهامات تكررت في التعامل مع النشطاء والمعارضين خلال السنوات الأخيرة. كما شملت التهم الجهر بالصياح وإحراز ميكروفون وشال فلسطين وعلمي لبنان وفلسطين، وهو ما اعتبرته السلطات "تحريضاً ضد الدولة".

التضامن مع فلسطين ولبنان: قضية تثير الجدل
في مساء 7 أكتوبر 2024، ألقت قوات الأمن القبض على خمس فتيات وشاب أثناء مشاركتهم في وقفة سلمية على كوبري 15 مايو، لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة. ولاقى هذا القبض استياءً واسعاً من منظمات حقوقية، حيث تم ترحيل فتاتين أجنبيتين شاركتا في الوقفة، واحدة أميركية والأخرى دنماركية، فيما بقي المصريون رهن الاعتقال حتى الإفراج عنهم اليوم.

ردود فعل حقوقية منددة
عقب التحقيقات مع النشطاء، عبرت منظمات حقوقية مصرية، مثل الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، عن قلقها من هذه الإجراءات القمعية، مشيرة إلى أن النظام المصري يواصل التضييق على حرية التعبير والتجمع السلمي. وأكدت المنظمات أن اعتقال النشطاء وتوجيه اتهامات تتعلق بالتظاهر يأتي في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات أي صوت معارض أو داعم لقضايا العدالة، مثل القضية الفلسطينية.

ودعت الشبكة المصرية جميع منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية إلى تكثيف الضغوط على السلطات المصرية للإفراج الفوري عن النشطاء، وإيقاف هذه الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان وحرية التعبير. كما طالبت بإسقاط التهم الموجهة إليهم، معتبرة أن القبض عليهم لم يكن سوى محاولة من السلطات لإخماد أي تضامن شعبي مع القضية الفلسطينية أو القضايا الإنسانية الأخرى.

الخلفية السياسية والتوترات الإقليمية
تأتي هذه الوقفة التضامنية مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في وقت حساس، حيث تزايدت التوترات في المنطقة إثر التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة والجنوب اللبناني. وكان المشاركون في الوقفة قد أعربوا عن تضامنهم مع المدنيين في كلا البلدين، مطالبين بوقف الاعتداءات الإسرائيلية ودعم حق الشعب الفلسطيني في الحرية.

لكن في مصر، كما في دول عربية أخرى، لا تزال السلطات تتعامل بحذر وشدة مع أي مظاهر تضامنية قد تفسر على أنها انتقاد ضمني للسياسات الحكومية أو دعم لحركات المقاومة. وفي هذا السياق، كانت السلطات المصرية قد أصدرت قوانين صارمة تحظر التظاهر بدون تصريح، وهو ما يتم استخدامه بشكل متكرر لتقييد أي تحركات شعبية أو احتجاجات سلمية.

موقف الحكومة المصرية من التظاهرات
منذ الانقلاب العسكري في 2013، شددت السلطات المصرية قبضتها على الشارع المصري، وفرضت قوانين تقييدية للتظاهر، حيث بات من المستحيل تقريباً تنظيم أي تجمعات أو مسيرات بدون الحصول على تصريح رسمي من الجهات الأمنية. ويتم عادة رفض طلبات التصريح لأي مظاهرات تتعلق بقضايا سياسية أو حقوقية، مما يترك المجال الوحيد للتعبير عن الرأي هو وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتعرض هي الأخرى لرقابة صارمة.

كما يتم استهداف النشطاء والصحفيين والمحامين المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل مستمر، حيث تُوجه لهم تهم تتعلق بأمن الدولة والتحريض ضد النظام. وتُعتبر التظاهرات المتعلقة بالقضية الفلسطينية من الملفات الحساسة في مصر، حيث تسعى الحكومة إلى الحفاظ على علاقاتها الإقليمية والدولية، بينما تظل حذرة من أي تحركات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي.

تداعيات القضية
إخلاء سبيل نشطاء وقفة فلسطين ولبنان قد يبدو خطوة إيجابية، لكنه لا يخفي الطبيعة القمعية التي تتعامل بها السلطات المصرية مع أي تحرك شعبي أو تضامن مع قضايا المنطقة. إذ لا تزال التهم الموجهة إليهم قائمة، والكفالة التي تم فرضها عليهم تشكل عبئاً مالياً على الكثير منهم، مما يعكس مدى التضييق الذي يتعرض له النشطاء.

هذا الحادث هو تذكير آخر بالبيئة السياسية الصعبة التي يعيشها المواطنون في مصر، حيث تُكمم الأفواه ويُقمع أي تحرك يدعو إلى التضامن أو العدالة. وفي ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية، يبدو أن هذا القمع لن يتوقف، بل قد يزداد حدة كلما زادت التوترات الإقليمية والضغوط الدولية على النظام المصري.