لم تكن مسيرات السودانيين، التي هزت شارع فيصل بمحافظة الجيزة ولاقت تفاعلا لافتا ومشاركة من المصريين احتفالا بتقدم الجيش السوداني بالخرطوم، سوى وجه واحد من أوجه التعايش المتنامي بين الشعبين رغم حملات مناهضة للوافدين وصفتها الحكومة المصرية بأنها “غير رشيدة”.

ولا يكاد يخلو شارع فيصل من مخبز أو مطعم تخصص في تقديم المأكولات السودانية، كما يقول الطيب الشافعي، موضحا أنه افتتح قبل نحو عام مخبزا بمشاركة اثنين من رفاق رحلة الهروب من شمال الخرطوم، ولم يكن يتخيل أنه سيستمر.

ويلفت الشافعي إلى أن المصريين يُقبلون على الخبز السوداني، رغم ارتفاع سعره قليلا عن نظيره المصري، موضحا أن مخبزه لا يحصل على دعم حكومي.

واشتكى شريكه، علاء الحاج، من ملاحقات السلطات المحلية، لكنه لفت إلى أن إقبال المصريين جعلهم لا يندهشون من التفاعل مع المسيرات الاحتفالية بتقدم الجيش.

وتحت شعار “جيش واحد شعب واحد.. تحيا مصر والسودان”، تفاعل المصريون مع احتفالات السودانيين.

https://x.com/Bit_Khalifa1417/status/1840134882917593168?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1840134882917593168%7Ctwgr%5E6013eb4789d4162a487e1d3a3145df2285fa77c8%7Ctwcon%5Es1_c10&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.aljazeeramubasher.net%2Fnews%2F2024%2F10%2F6%2Fd8a7d984d8b4d8a7d8b1d8b9-d8a7d984d985d8b5d8b1d98a-d98ad8aad981d8a7d8b9d984-d985d8b9d987d985-d983d98ad981-d98ad8aad8a7d8a8d8b9

السودانيون ينتظرون لحظة العودة
وتداولت مواقع وصحف محلية بمصر فيديوهات لاحتفالات السودانيين بالشوارع، واعتبرتها مؤشرا على أن السودانيين الذين وفدوا مؤخرا ينتظرون لحظة العودة ولا يسعون للإقامة الدائمة، كما يقول مباشر أبو مصطفى، القادم من منطقة أم بده بولاية الخرطوم.

ولا يتردد أبو مصطفى، الذي يعمل بمطعم تخصص في تقديم اللحوم السودانية، في تأكيد معاناة أسرته في مصر لكنه بدا مندهشا لتفاعل المصريين مع احتفالاتهم.

ووجَّه أبو مصطفى الشكر للمصريين قائلا “راجعين راجعين إن شاء الله”.

لكن في مقابل ذلك، يبدو أسامة إبراهيم، صاحب مكتب عقارات، أقل تفاؤلا بقرب انتهاء القتال، قائلا إنه لا ينوي العودة قريبا، ولا يرى مصاعب كبرى بإجراءات تقنين الإقامة.

ويشدد إبراهيم على حق الحكومة المصرية في اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة، داعيا جموع السودانيين إلى “الالتزام والبناء على مشاعر الأخوة وكرم الضيافة من الشعب المصري”.

غير أن إبراهيم يشكو مما وصفها بحالات تنمر متزايدة، داعيا السلطات المصرية إلى تقنين أوضاع المدارس السودانية.


أزمة المدارس السودانية
وقالت سهيلة معتصم التي تقيم بمنطقة أكتوبر “إن الأزمة تتعقد بسبب عدم تقنين الإقامة وإغلاق السلطات لعدد من تلك المدارس”.

وكانت السلطات قد اشترطت استيفاء المدارس لتصديقات لم تتحقق على الفور مما فاقم معاناة آلاف من التلاميذ السودانيين. كما تقرر إغلاق جميع الأنشطة التجارية غير المقننة الخاصة بالسودانيين، وفرضت تصاريح أمنية قبل الدخول من المطارات بخلاف التأشيرة.

ووفقا لبيان لجنة المعلمين السودانيين، فإن أكثر من 150 مركزا تعليميا في عدد من المدن المصرية لا يزال مصيرها غامضا بعد اتهامها بتحويل الوحدات السكنية إلى أنشطة تعليمية.

بدورها، دعت السفارة السودانية بالقاهرة إلى الالتزام بالشروط المعتمدة للحصول على التصديق اللازم لتقديم الخدمة التعليمية للمدارس السودانية.

تعديل تشريعي
وفي مواجهة حملات ضد الوافدين، دعا رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي إلى إيقاف “الحملات الإعلامية غير الرشيدة” ضد ضيوف مصر، معلنا عن الاتجاه إلى تعديلات تشريعية وشيكة بهذا السياق.

ولم يتردد سالم أبو زيد من سكان مدينة نصر في المطالبة بترحيل الوافدين، معتبرا في حديثه للجزيرة مباشر أنهم تسببوا في موجات ارتفاع الأسعار.

وقال ناجح العزب عبر منصة إكس “كنا نتمنى مساعدتهم لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.

توصيات العفو الدولية
ووجهت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها بشهر أغسطس الماضي، توصيات للحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي باعتباره شريكا للقاهرة في ملف الهجرة بـ”رفع القيود المفروضة على دخول السودانيين” ووضع حد للاعتقال التعسفي للسودانيين لمجرد دخولهم بصورة غير نظامية.

كما وثقت المنظمة مخالفة القاهرة لاتفاقية اللاجئين “بإعادة 800 من السودانيين إلى بلادهم من يناير إلى مارس 2024”.

ويبلغ عدد اللاجئين بمصر 675 ألف لاجئ، حسب احصائيات مفوضية الأمم المتحدة، ويمثل السودانيون النسبة الكبرى منهم. وتقدّر الإحصاءات الرسمية عدد الوافدين إجمالا بأكثر من 9 ملايين لاجئ.

إسهام السودانيين في الاقتصاد المصري
ورغم وضع اقتصادي معقد، يتحدث محمد عمران الباحث بوحدة دراسات الهجرة بجامعة القاهرة عن “مساهمة حقيقية للضيوف بالاقتصاد الوطني من خلال مشاريع استثمارية مع دفع مقابل الإقامة بالدولار”.
غير أن عمران يقول إن الحكومة والمجتمع المدني يتحملان عبئا متزايدا، مطالبا باستجابة دولية قوية لدعم مصر بالإضافة إلى مراجعة الآليات القانونية المعمول بها حاليا.

وأضاف “من المهم تقنين التواجد على الأراضي المصرية صونا لحقوق الجميع، وتخفيفا للضغوط على قطاعات مثل الصحة والتعليم، وهو ما يتطلب تقاسما دوليا للمسؤولية مع القاهرة”.

ووصف الباحث الحملات المناهضة للوافدين بأنها مجرد زوبعة في فنجان ولا تمثل توجها عاما، معتبرا أن من يقف وراءها تيار يحاكي عن جهل اليمين الأوروبي المتطرف.