تعمل الإمارات على تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي من خلال بوابة إثيوبيا، مستغلة الأزمات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة كما تركز الإمارات على دعم إثيوبيا في تبني استراتيجية سيطرة تتجه نحو البحر الأحمر.

الإمارات تكرر لعبة السودان في أثيوبيا وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد الصراعات الإقليمية وتفجير صراع جديد للهيمنة في القرن الأفريقي. استراتيجية إثيوبيا المدعومة من الإمارات تشمل تطوير قدراتها العسكرية البحرية، ومحاولة السيطرة على ميناء بربرة في أرض الصومال، مع أهداف طويلة الأمد تتعلق بالهيمنة على البحر الأحمر والتحكم في التجارة العالمية.

كذلك تعتمد إثيوبيا في رؤيتها الاستراتيجية الحالية على منظور تاريخي قديم يعود إلى عهد الحروب الصليبية، عندما تعاونت مملكة الحبشة مع ملوك أوروبا ضد مصر.

كان ذلك لتنفيذ مشاريع تستهدف حجز مياه النيل والسيطرة على التجارة عبر البحر الأحمر في ذلك الوقت، كانت إثيوبيا تعتبر نفسها قوة مؤثرة في المنطقة، ولا تزال تحاول استعادة هذا الدور في الوقت الحالي.

طمع أثيوبي وجشع إماراتي

الوثائق الإثيوبية الحديثة تشير إلى أن البحر الأحمر ومياه النيل يلعبان دورًا محوريًا في أمن واستقرار إثيوبيا ويعكس هذا التفكير رغبة أديس أبابا في إعادة تأسيس نفسها كقوة مهيمنة على القرن الأفريقي.

وقد اتخذت إثيوبيا خطوات مهمة في هذا الاتجاه، من بينها توقيع مذكرة تفاهم مع حكومة إقليم “أرض الصومال” الانفصالية، بهدف بناء قاعدة بحرية في بربرة واستخدام الميناء لأغراض تجارية وعسكرية.

يرى خبراء الأمن القومي الإثيوبي أن بلادهم بحاجة إلى منفذ بحري على البحر الأحمر والمحيط الهندي لتجنب الاعتماد المفرط على ميناء جيبوتي الذي يُعد بوابة التجارة الرئيسية لإثيوبيا حاليًا.

إذ تعتمد أديس أبابا على جيبوتي لاستيراد وتصدير نحو 90% من تجارتها، وهو ما يكلفها ما بين 1.5 إلى 2 مليار دولار سنويًا. وتسعى إثيوبيا للبحث عن بدائل أكثر استقلالية وأقل تكلفة، مثل ميناء بربرة.


دعم إماراتي لتحركات إثيوبيا

لم تكن إثيوبيا وحدها في سعيها لتحقيق هذه الطموحات البحرية، فقد وجدت في الإمارات شريكًا مستعدًا لدعم مشاريعها الاستراتيجية قدمت الإمارات مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة لإثيوبيا، وساعدتها في التغلب على العقبات المالية التي تعترض تطوير ميناء بربرة وربطها بشبكة طرق حديثة مع الأراضي الإثيوبية.

ولعل الدافع وراء هذا الدعم الإماراتي هو الرغبة في تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، وضمان موطئ قدم على البحر الأحمر لتأمين مصالحها الاقتصادية والعسكرية.

كانت العلاقة بين أبوظبي وأديس أبابا قد تعززت منذ صعود رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة عام 2018. إذ قدمت الإمارات دعمًا ماليًا بقيمة 3 مليار دولار لإثيوبيا في ذات العام، وتبادلت زيارات رفيعة المستوى بين البلدين.

ولا يقتصر التعاون بين الطرفين على المجال الاقتصادي، بل يمتد ليشمل التعاون في مكافحة الإسلاميين في المنطقة، خاصة في الصومال، حيث تسعى الإمارات وإثيوبيا إلى تقويض نفوذ الحركات الإسلامية هناك.

وعندما واجهت إثيوبيا تحديات أمنية خطيرة في حربها ضد جبهة تحرير تيغراي، قدمت الإمارات طائرات مسيرة ساعدت الجيش الإثيوبي على التصدي للهجمات واستعادة السيطرة على المناطق التي كانت قد استولت عليها الجبهة. هذا الدعم العسكري كان له أثر مباشر في تقوية العلاقات بين البلدين، وساهم في تعزيز الاعتماد الإثيوبي على الدعم الإماراتي.


البعد الإسرائيلي في الصراع

يبدو أن الصراع في البحر الأحمر لا يقتصر فقط على إثيوبيا والإمارات، إذ تلعب إسرائيل أيضًا دورًا بارزًا في هذه المنطقة الاستراتيجية. لطالما كانت لإسرائيل علاقات قوية مع إثيوبيا، حيث تبنت تل أبيب منذ عقود عقيدة “المحيط”، التي تقوم على بناء علاقات وثيقة مع دول غير عربية في المنطقة لمواجهة عزلتها الجغرافية والدبلوماسية.

ومع تطور العلاقات بين إثيوبيا وإسرائيل، يزداد التعاون بينهما في مجالات عدة، بما في ذلك المجال العسكري. إذ ترى تل أبيب في التحركات الإثيوبية نحو البحر الأحمر فرصة لتعزيز وجودها في المنطقة، خاصة في مواجهة الحوثيين في اليمن والتواجد الإيراني في البحر الأحمر. وقد شهدت الآونة الأخيرة لقاءات بين مسؤولين إثيوبيين وإسرائيليين، بهدف تنسيق المصالح المشتركة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

في هذا السياق، أصدر معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي (IFA) وثيقة بعنوان “الاستراتيجية الرئيسية للجسمين المائيين: حوض النيل والبحر الأحمر” عام 2024، تؤكد فيها أن أمن وسيادة إثيوبيا مرتبطان بشكل وثيق بمياه النيل والبحر الأحمر. وتشدد الوثيقة على ضرورة تطوير القدرات العسكرية البحرية لإثيوبيا، والحصول على منفذ بحري يسمح لأديس أبابا بتأمين مصالحها الاقتصادية والعسكرية.


توترات متصاعدة في القرن الأفريقي
في ظل هذه التحركات الإثيوبية والإماراتية، تصاعدت التوترات في منطقة القرن الأفريقي، حيث باتت العديد من الدول تشعر بالقلق إزاء الطموحات الإثيوبية. جيبوتي، التي تعتمد بشكل كبير على التجارة الإثيوبية، تخشى فقدان إيراداتها إذا ما تحولت إثيوبيا إلى استخدام ميناء بربرة كبديل. إريتريا، التي كانت لعقود العدو اللدود لإثيوبيا، ترى أن ميزان القوى سيختل لصالح أديس أبابا إذا ما نجحت الأخيرة في الحصول على منفذ بحري.

أما الصومال، فقد اتخذت خطوات لمواجهة هذا التحدي من خلال تعزيز تحالفاتها الإقليمية. فقد وقعت مقديشو اتفاقيات للتعاون الدفاعي مع تركيا ومصر، بهدف بناء وتأهيل قواتها البحرية وتأمين سواحلها ضد أي تهديدات خارجية. وقد وصل الأمر إلى أن مصر أرسلت مساعدات عسكرية إلى الصومال، وتعهدت بإرسال قوات ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في البلاد.

من جانبها، أديس أبابا لا تزال متمسكة بنهج “فرض الأمر الواقع”، حيث تعهد رئيس الوزراء آبي أحمد بعدم السماح لأي جهة بتهديد سيادة إثيوبيا. وفي ذات الوقت، تستمر إثيوبيا في تلقي الدعم العسكري من الإمارات وإسرائيل، مما يجعل المنطقة مرشحة لمزيد من التصعيد في الفترة القادمة.

مع تصاعد التوترات في منطقة القرن الأفريقي، يبدو أن المنطقة قد تكون على أعتاب صراع إقليمي مفتوح. التحالفات التي تتشكل حاليًا بين مصر والصومال ودول أخرى مثل جيبوتي وإريتريا والسودان، تشير إلى أن هذه الدول قد تتحالف لمواجهة الطموحات الإثيوبية. في المقابل، إثيوبيا تسعى لتقوية نفوذها بالتعاون مع الإمارات وإسرائيل، مما يزيد من احتمالات نشوب صراع طويل الأمد في المنطقة.

إذا استمرت هذه التوترات في التصاعد، فمن المحتمل أن تشهد المنطقة صراعًا مفتوحًا على السيطرة على البحر الأحمر وممراته المائية الحيوية. وقد يؤدي هذا الصراع إلى تدخلات دولية أكبر، خاصة مع وجود قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا التي تمتلك مصالح استراتيجية في المنطقة.

الخلاصة تسعى إثيوبيا بدعم إماراتي إلى استعادة موقعها كقوة مهيمنة في القرن الأفريقي، وتحديدًا عبر بوابة البحر الأحمر. هذه الطموحات قد تؤدي إلى تفجير صراعات جديدة في المنطقة، لا سيما مع تصاعد التوترات بين إثيوبيا وجيرانها.