تأتى الانتخابات الليبية فى وضع متباين ؛ تشير التطورات الأخيرة إلى أن جبهة الشرق في ليبيا تتمتع بوضع سياسي وقانوني ومالي أقوى مقارنة بجبهة الغرب، مما يعزز موقفها سواء في حالة نشوب نزاع مسلح أو في سياق المفاوضات والحوار. من ناحية أخرى، تواجه جبهة الغرب اضطرابات وارتباكًا يهدد تماسكها، مما يساهم في تعقيد الوضع السياسي والأمني في البلاد
انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة:
يشكل المجلس الأعلى للدولة الليبي جسمًا استشاريًا لمجلس النواب وفقًا لاتفاق الصخيرات الموقع عام 2015، كما أنه قام بالعملية السياسية بالشراكة مع مجلس النواب طيلة السنوات الماضية. ويجري مجلس الدولة الليبي انتخابات رئاسته سنويًا وبشكل دوري منذ تشكله عام 2015، إذ تولى رئاسته بداية عبد الرحمن السويحلى، قبل أن ينتخب خالد المشري بديلًا عنه عام 2018، واستمر في رئاسته لخمس دورات متوالية، وفي العام الماضي (2023) تم اختيار تكالة خلفًا للمشري. 
الخلاف القانوني: فهناك خلاف في التوصيف القانوني لأمر الورقة المثار حولها الجدل، ليبنى عليه تحديد الجهة المخولة بالفصل فيه؛ أي هل الخلاف إداري حول خطأ إداري ليفصل فيه القضاء الإداري أم دستوري لتفصل فيه المحكمة الدستورية؟. ففي حين يري المشري أن الخلاف إداري وبالتالي فإن اللجنة القانونية بمجلس الدولة هي الجهة المختصة بالفصل في الجدل القانوني الذي ثار خلال جلسة الانتخابات كما تنص اللائحة الداخلية للمجلس، فإن تكالة يري أن الخلاف دستوري وبالتالي يتمسك بإحالة الاشكال للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا كونها أعلى جهة قانونية، أو بجولة ثالثة تحدد من الرئيس الفعلي
الخلاف السياسي: فالمشري ومؤيديه يقرون القاعدة الدستورية والأساس القانوني للانتخابات الذي اعتمده مجلس النواب، ويدفعون باتجاه إسقاط حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وكاد المشري، في ولايته السابقة، أن يتوافق علي حكومة بديلة عن حكومة الدبيبة مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ، قبل أن يتم الإطاحة به خلال انتخابات المجلس، بفارق 4 أصوات فقط لصالح تكالة؛ حيث كان هناك حديثٌ عن وجود صفقة بين الدبيبة وأعضاء المجلس؛ من أجل قطع طريق الفوز على المشري؛ بسبب تقارب الأخير مع مجلس النواب
الوضع في جبهة الغرب
تعاني جبهة الغرب من تصاعد الاضطرابات الداخلية التي تؤثر على قدرتها على الحفاظ على وحدة الصف والتماسك السياسي. المجلس الأعلى للدولة شهد تآكلًا في قوته إثر الانقسام والنزاع الذي وقع خلال انتخابات رئاسة المجلس، مما عمق من ضعف موقفه. كما أن العلاقة بين المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة من جهة، ومحافظ المصرف المركزي من جهة أخرى، شهدت تدهورًا ملحوظًا، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي.
في العاصمة طرابلس، تتوزع الولاءات بين التكتلات العسكرية المختلفة، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار. المواجهات التي وقعت في حي تاجوراء بالعاصمة تعد بمثابة مؤشر على الاصطفاف العسكري، والذي قد ينزلق إلى صدام أوسع في حال استمرار الخلافات.
تعزيز موقف جبهة الشرق
في المقابل، تستفيد جبهة الشرق من عدة عوامل تعزز من موقعها. المشروع الروسي الحيوي في إفريقيا، والذي يعتبر ليبيا كبوابة ومعبر أساسي، يوفر دعمًا كبيرًا لجبهة الشرق. في ظل غياب سياسة رادعة من الغرب، سواء من الولايات المتحدة أو أوروبا، تجد جبهة الشرق دعمًا من القوى الإقليمية التي تعزز موقفها السياسي والعسكري.
الدعم المصري لجبهة الشرق يلعب دورًا حاسمًا، حيث يعمل على ترجيح كفة الشرق سياسيًا وعسكريًا. هذا الدعم يشمل تقديم مساعدات عسكرية وتحالفات استراتيجية تهدف إلى تعزيز موقف جبهة الشرق في الميدان.
التحديات التي تواجه جبهة الشرق
رغم القوة التي تتمتع بها جبهة الشرق، فإنها تواجه تحديات أيضاً. تركيا، التي تعتبر حجر عثرة أمام خطط جبهة الشرق، تؤثر بشكل كبير على القرار السياسي والمالي والعسكري في ليبيا. ومع ذلك، يبدو أن تركيا على استعداد للتراجع عن بعض سياساتها السابقة إذا تحقق لها تحقيق أهدافها المتعلقة باتفاق ترسيم الحدود البحرية وتأمين حصة جيدة في مشاريع الإعمار. هذه المصالح التي تتحكم فيها سلطات الشرق الليبي قد تؤدي إلى تراجع في بعض المواقف التركية لصالح تسوية مع الشرق.
ختاما؛ إن الوضع الحالي في ليبيا يعكس تباينًا كبيرًا بين جبهة الشرق وجبهة الغرب. جبهة الشرق تستفيد من دعم إقليمي ودولي يعزز موقفها، بينما تواجه جبهة الغرب تحديات داخلية كبيرة تعيق قدرتها على تحقيق الاستقرار. في حالة استمرار التوترات، فإن جبهة الشرق قد تجد نفسها في موقف أقوى سواء في حالة التصعيد العسكري أو في مفاوضات السلام. هذا التباين في القوة يعكس تغيرات كبيرة في المشهد السياسي الليبي، والتي قد تؤدي إلى تطورات هامة في الفترة القادمة.