بعد أكثر من أربع سنوات من تأكيد طرح شركات الدولة، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش، أمام المستثمرين، يكشف الإخفاق في بيع حصص من الشركات العسكرية، رغم دعم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي للفكرة، عن حدود سلطته في مواجهة ممانعة القوات المسلحة.
رجح خبير في الشؤون المصرية أن يكون رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي قد خسر جولة أخرى في صراعه مع المؤسسة العسكرية. وفقًا للباحث يزيد صايغ، المتخصص في الأدوار السياسية للجيوش العربية بمركز كارنيغي، فإن التغييرات الأخيرة التي أجراها السيسي في صفوف القيادة العسكرية تأتي في سياق خلافاته المتصاعدة مع جنرالاته بشأن قضايا عدة، من بينها تأجير الأراضي والمنشآت في منطقة قناة السويس للمستثمرين الأجانب، فضلاً عن إعادة التوطين المحتملة للفلسطينيين من غزة في مصر، وهي خطة يُعتقد أن السيسي يؤيدها بينما تعارضها المؤسسة العسكرية والأمنية.
وأشار صايغ إلى أن استقالة الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، تعكس اعتراف السيسي بفشل مسعاه الرامي إلى خصخصة الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية. فقد تم تعيين سليمان في عام 2018 كأول رئيس تنفيذي للصندوق الذي أنشأه السيسي بهدف تحسين إدارة أصول الدولة، بما في ذلك الشركات العسكرية. ومع ذلك، يبدو أن الجهود المبذولة لم تحقق نتائج ملموسة، ما يشير إلى أن المؤسسة العسكرية كانت تضع عقبات أمام هذا المسعى.
على الرغم من الصورة العامة التي تعكس السيسي كرجل قوي ومهيمن، فإن استقالة سليمان توضح حدود سلطته في مواجهة ممانعة القوات المسلحة. لم يتم تأكيد استقالة سليمان رسميًا بعد، لكن التقارير تشير إلى أنه قدم استقالته في يونيو الماضي، ويبدو أن السبب الرئيس لذلك هو عرقلة المؤسسة العسكرية المستمرة لعملية بيع الشركات العسكرية التي كُلف الصندوق بالعمل عليها منذ فبراير 2020.
منذ بدء السيسي مناقشة طرح شركات مملوكة للمؤسسة العسكرية في البورصة المصرية في عام 2016، كان يُنظر إلى هذا الإجراء كجزء من إصلاحات اقتصادية هامة. وقد دعم السيسي الفكرة علنًا في أغسطس 2018، ثم مجددًا في العام التالي. ومع ذلك، واجهت هذه الجهود تأخيرًا كبيرًا بسبب عدم استعداد القوات المسلحة لكشف البيانات المالية لتلك الشركات، وهي خطوة ضرورية للطرح في البورصة.
في فبراير 2020، وقع صندوق مصر السيادي اتفاقية تعاون مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع لتهيئة عشر شركات تجارية لعرضها أمام المستثمرين من القطاع الخاص. كانت الخطة تستهدف جذب رأس المال دون تسليم إدارة الشركات إلى المستثمرين أو وضعها تحت سيطرتهم الكاملة، وذلك لتجاوز المسائل المتعلقة بملكية الأراضي وقوانين الاستثمار.
رغم الجهود المبذولة، لم تُطرح حصص أي شركة عسكرية للتداول، وهو ما يعكس مدى تأثير المؤسسة العسكرية على العملية. فالتقارير أفادت بأن التقييم والتصنيف المالي للشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية كان مهمة صعبة، إذ كانت هذه الشركات لا تتبع نماذج قانونية موحدة في حيازة الأصول.
في الوقت نفسه، أعربت المؤسسة العسكرية عن ترددها في تقسيم الشركات، حتى لو كان هذا يعني تفويت فرص بيع الأصول الأكثر ربحية. وتبين أن المفاوضات مع المستثمرين كانت تعاني من تأخيرات متكررة، ما يدل على النفوذ القوي الذي تمارسه المؤسسة العسكرية على العمليات الاقتصادية.
أخيرًا، يشير توقيع اجتماع في نوفمبر 2022 بين السيسي وجنرالات بارزين في القوات المسلحة لمراجعة الاستعدادات لطرح أسهم الشركات إلى محاولة أخيرة لكسر الجمود. ومع استقالة سليمان بعد حوالي عامين من هذا الاجتماع، يبدو أن السيسي قد تقبل الهزيمة في هذه الجولة.