رغم التوترات المتزايدة والاشتباكات المكثفة عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله، لا يبدو أن الطرفين يرغبان في الانزلاق نحو حرب شاملة في الوقت الراهن. يشير تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن كل طرف من الأطراف المتنازعة قد يكون مستعدًا لتوجيه ضربات للطرف الآخر وتدمير قدراته، لكن الوقت لم يحن بعد لاندلاع صراع شامل.

في 25 أغسطس/آب، شهدت المنطقة تبادلًا مكثفًا لإطلاق النار عبر الحدود، مما دفع كلا الطرفين مرة أخرى إلى شفا حرب واسعة النطاق. ومع ذلك، لم يُسفر هذا الاشتباك عن تصعيد شامل؛ فقد شنت إسرائيل هجومًا جويًا باستخدام 100 طائرة مقاتلة، ضربت أكثر من 40 موقعًا لحزب الله، لكن الحصيلة كانت مقتصرة على ثلاث حالات وفاة فقط، وفقًا للإحصاءات حتى مساء يوم الأحد.

يبدو أن إسرائيل وحزب الله، رغم استعداد كل منهما لتوجيه ضربات للطرف الآخر، يفضلان تجنب الحرب الشاملة في الوقت الحالي. قيادة حزب الله تمتلك أصولاً سياسية واقتصادية مهمة في لبنان تحتاج إلى حماية، ومن الواضح أن إيران، الراعي الإقليمي للحزب، ليست مستعدة للصراع أيضًا، حيث أرجأت ردها على اغتيال إسرائيل للزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران الشهر الماضي.

الوضع في لبنان يختلف عن وضع حركة حماس، حيث كانت حركة حماس تحت قيادة يحيى السنوار قد شنت هجومًا مفاجئًا على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بناءً على افتراض أنها ستحصل على دعم قوي من حلفائها في بيروت وطهران. لكن الحزب وإيران لا يتبنيان نفس الدوافع، وهو ما يجعل من غير المرجح أن ينسحب حزب الله وإيران إلى ساحة المعركة بشكل كامل في الوقت الحالي.

على الرغم من عدم رغبة الطرفين في حرب شاملة، فإن ذلك لا يعني أن الصراع بينهما لن يحدث. كلا الطرفين يستخدم أسلحة بدائية لإرسال رسائل إلى بعضهما البعض، ويظل مجال الخطأ في التقدير كبيرًا. وقد تشير التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي كان على وشك دخول حرب في لبنان مباشرة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استنادًا إلى معلومات استخباراتية غير دقيقة حول استعداد مقاتلي حزب الله للقيام بهجوم عبر الحدود.

تُظهِر هذه التطورات أنه حتى "خطأ صغير" في الحسابات قد يؤدي إلى اندلاع حرب لم يكن أي من الطرفين ينويها. إذا كانت رواية الجيش الإسرائيلي دقيقة، فإن الضغوط السياسية ستصبح كبيرة على حكومة نتنياهو إذا ما تسببت إحدى الضربات في خسائر بشرية كبيرة، ما قد يدفعها إلى اتخاذ خطوات أكثر تصعيدًا ضد حزب الله.

من جانب آخر، قد يكون هناك مجال كبير للخطأ عندما يحاول كل طرف تقدير الديناميكيات السياسية الداخلية للطرف الآخر. على سبيل المثال، بعد قتل إسرائيل لقائد حزب الله فؤاد شكر في غارة جوية، لم يكن هناك وسيلة لمعرفة مدى رد حزب الله أو مكان توجيه صواريخه. وفي حال استمرت إسرائيل في حملتها الجوية، فإنها تخاطر بتورط إيران في دعم حزب الله بشكل أوسع.

على نحو مشابه، بينما نجح حزب الله في إجبار أكثر من 100 ألف إسرائيلي على النزوح من منازلهم من خلال قصفه العابر للحدود، لم يكن بوسعه قياس الضغوط السياسية التي قد يمارسها على الحكومة الإسرائيلية. هذه الضغوط قد تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى شن هجوم بري على جنوب لبنان، وهو ما قد يؤدي إلى عودة السكان النازحين.

في الختام، رغم التوترات والاشتباكات الحالية، لا يزال يبدو أن كل من إسرائيل وحزب الله يفضلان تجنب الانزلاق إلى حرب شاملة في الوقت الراهن. ومع ذلك، يظل مجال الخطأ كبيرًا، ويمكن أن تؤدي الحسابات الخاطئة إلى تصعيد النزاع وتغيير المشهد الإقليمي بشكل غير متوقع.في خضم هذا التهور المتبادل، تحاول الولايات المتحدة بشكل يائس التخفيف من حدة المخاطر. وكان الهدف الرئيسي لإدارة بايدن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول ــ والإنجاز الرئيسي، كما يزعم المسؤولون الأميركيون٬ هو منع تحول حرب غزة إلى حريق إقليمي.
لكن في ظل هذه الدعوات٬ قامت بنقل قواتها إلى المنطقة لتهديد حزب الله وإيران. وتتلخص الاستراتيجية المركزية ــ أو الأمل الأساسي على الأقل ــ في أن اتفاق تبادل الأسرى من شأنه أيضاً أن ينزع فتيل المواجهة المتفاقمة على الحدود الشمالية لإسرائيل.
لكن هناك شكوك جدية حول ما إذا كان نتنياهو يريد حقاً إنهاء القتال في غزة. فقد تندلع الحرب في الجبهة الشمالية أو المنطقة دون أن يرغب أي من الجانبين في ذلك.