دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إلى ضرورة فتح تحقيق شامل في الاعتداءات الإسرائيلية على العاملين في مجال الرعاية الصحية والانتهاكات التي تُرتكب ضد المحتجزين الفلسطينيين.
وأكدت المنظمة أنه يتعين على الحكومات حول العالم دعم جهود العدالة الدولية في التصدي لهذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
في تقريرها الصادر بعنوان "إسرائيل: تعذيب الكوادر الطبية"، شددت "هيومن رايتس ووتش" على ضرورة ممارسة الدول مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، وألمانيا الضغط على إسرائيل لإنهاء ممارسات الاحتجاز التعسفي، مشيرةً إلى أن هذه الممارسات تشكل جزءًا من القمع الممنهج الذي يعزز جرائم الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين.
وتطرقت المنظمة في تقريرها إلى أن المحكمة الجنائية الدولية قد تدرس إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار بتهم ارتكاب جرائم دولية خطيرة، وأكدت أنه من الضروري أن تشمل هذه التحقيقات الانتهاكات ضد المحتجزين الفلسطينيين. كما دعت حلفاء إسرائيل إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية للسماح بمراقبة مستقلة لمرافق الاحتجاز.
وكشفت "هيومن رايتس ووتش" عن أن الجيش الإسرائيلي قام، منذ بدء الأعمال العدائية في أكتوبر 2023، باحتجاز تعسفي للعاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة، ورحّلهم إلى منشآت الاحتجاز في إسرائيل حيث تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة.
واعتبرت المنظمة أن احتجاز الكوادر الطبية في ظل الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على المستشفيات في غزة قد ساهم في التدهور الكارثي لنظام الرعاية الصحية في القطاع المحاصر.
وأشار التقرير إلى شهادات من أطباء، ممرضين، ومسعفين أُفرج عنهم، تحدثوا فيها عن سوء المعاملة في السجون الإسرائيلية، بما في ذلك التعذيب، الاعتداء الجنسي، والحرمان من الرعاية الطبية.
وأكدوا أن ظروف الاحتجاز كانت سيئة للغاية، حيث تعرضوا للتجريد من الملابس، الضرب، عصب الأعين، والتقييد لفترات طويلة، بالإضافة إلى التهديد بالاغتصاب وقتل عائلاتهم في غزة.
وخلال الفترة بين مارس ويونيو 2024، قامت "هيومن رايتس ووتش" بمقابلة ثمانية فلسطينيين يعملون في مجال الرعاية الصحية، اعتقلهم الجيش الإسرائيلي من غزة بين نوفمبر وديسمبر 2023. وقد احتُجزوا دون توجيه تهم لهم لفترات تتراوح بين سبعة أيام وخمسة أشهر.
وأوضح هؤلاء العاملون أن اعتقالهم تم أثناء العمل بعد حصار المستشفيات أو خلال عمليات إخلائها التي قالوا إنها جرت بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي.
وأكدوا أنهم لم يُبلغوا بسبب اعتقالهم ولم تُوجه إليهم أي اتهامات.
وأرسلت "هيومن رايتس ووتش" رسالة إلى الجيش الإسرائيلي ومصلحة السجون الإسرائيلية تتضمن النتائج الأولية لهذه التحقيقات في 13 أغسطس 2024، لكنها لم تتلق أي رد.
وأشار التقرير إلى أن جميع العاملين في الرعاية الصحية الذين تم مقابلتهم قدموا روايات متشابهة حول إساءة المعاملة في السجون الإسرائيلية، حيث تم ترحيلهم إلى منشآت الاحتجاز في إسرائيل مثل قاعدة سدي تيمان العسكرية في صحراء النقب وسجن عسقلان، أو نُقلوا قسرًا إلى قاعدة عنتوت العسكرية بالقرب من القدس الشرقية وسجن عوفر في الضفة الغربية المحتلة.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن القوات الإسرائيلية قد احتجزت على الأقل 310 من الكوادر الطبية الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023. وقد وثّقت منظمة "هيلث كير ووركرز ووتش - فلسطين" 259 عملية احتجاز لعاملين في الرعاية الصحية، وجمعت 31 رواية تصف التعذيب والانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك الحرمان من الطعام والماء الكافيين، والتهديد بالعنف الجنسي، والمعاملة المهينة.
وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أن الاحتجاز التعسفي المطول وإساءة معاملة الكوادر الطبية فاقم الأزمة الصحية في غزة، حيث أصيب أكثر من 92 ألف شخص منذ أكتوبر 2023، في حين أن المستشفيات العاملة لديها أقل من 1,500 سرير للمرضى المقيمين. ومع ذلك، فقد سمحت السلطات الإسرائيلية لـ 35% فقط من حوالي 14 ألف شخص طلبوا الإخلاء الطبي بمغادرة غزة.
وفي إطار السعي للعدالة، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، مؤخرًا من المحكمة اتخاذ "قرار عاجل" بشأن طلبه إصدار "مذكرة اعتقال" بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
جاء هذا الطلب في ردٍ على بيانات أدلى بها 64 فردًا ودولة ومؤسسة أمام غرفة الفحص الأولي للمحكمة.
وأكد خان أن المحكمة الجنائية الدولية لها اختصاص على المسؤولين الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم في الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أن اتفاقات أوسلو لا تمنع المحكمة من ممارسة اختصاصها على المواطنين الإسرائيليين.
وأوضح أن إسرائيل لم تبدأ أي تحقيقات في الجرائم التي تورط فيها نتنياهو وغالانت، مما يعزز الحاجة إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ الإجراءات اللازمة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.