قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن مشروع تحويل الصحراء الغربية في مصر إلى أراض زراعية وانتاج محاصيل للتصدير يهدد الأمن المائي لمصر.

تحدثت عن زرع منطقة واسعة من الصحراء الغربية التي لم تكن سوى رمالا وصخورا وقالت إن هذه هي المرحلة الأولى من مشروع مستقبل مصر أو جهاز مشروع مستقبل مصر للتنمية المستدامة والذي سيشمل في النهاية على 2.2 مليون فدان (9,240 كيلومترا) وهي منطقة بحجم جزيرة قبرص.

 وتقول الصحيفة أن مشروع السيسي العملاق لتحويل الصحراء إلى حدائق يأتي في وقت تعاني فيه مصر من عجز سنوي في المياه بنسبة 7 مليارات متر مكعب، وبحسب أرقام الأمم المتحدة.

كما تواجه سياسة تقشف لموازنة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تزيد عن 90٪ والتي تضخمت في ظل حكم السيسي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الإنفاق السخي على مشاريع البنية التحتية الضخمة والمعدات الجديدة للقوات المسلحة.

وفي فيديو ترويجي نشر قبل فترة جاء فيه: “خريطة الصحراء المصرية تغير لونها من الأصفر إلى الأخضر وتظهِر صور الأقمار الصناعية للمنطقة مئات الحقول التي يتم ريها بالرش المحوري (حيث تدور الرشاشات فوق المحاصيل)، بعضها يصل قطره إلى كيلومتر واحد.

ويقترب نهر اصطناعي يبلغ طوله 70 ميلا (114 كيلومترا) من الاكتمال بتكلفة تزيد عن 5 مليارات دولار (3.9 مليار جنيه إسترليني).

وبمجرد اكتماله، سينقل 3.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا إلى الحقول.

وتقول الصحيفة إن المشروع الضخم يمثل نصف خطة الحكومة المصرية لتحويل 16,800 كيلومتر مربع من الصحراء إلى مزارع قبل حلول عام 2027.

ويذكر أن عبد الفتاح السيسي أعلن عن المشروع عام 2014 وبعد فترة قصيرة من وصوله إلى الرئاسة عقب انقلابه العسكري في عام 2013.

وأكد في خطاب له بافتتاح مشروع مستقبل مصر في أيار/مايو أكد فيه على رغبته برؤية الصحراء مزدهرة لو كان لدينا مياه كافية لري 100 مليون فدان فسنفعل

ويقول النقاد لسياسات السيسي إن مشاريع استصلاح الأراضي التي تتحملها الخزانة العامة والنظام البيئي للمشاريع الزراعية التي تقودها المؤسسة العسكرية والتي عززت الصادرات ولكنها لم تفعل الكثير لمنع التضخم الهائل في أسعار المواد الغذائية، والذي كان في أبريل خامس أعلى معدل في العالم.

ويعلق ريتشارد تاتويلر، المدير السابق لمعهد أبحاث البيئة المستدامة ومقره القاهرة “يطلقون عليها استصلاحا ولكنها ليست كذلك” وهي ليست كما كانت في السابق ويتعين الآن علينا أن نعيدها بهذه الطريقة”

وعلى خلاف التربة الخصبة لوادي النيل التي سقيت وتم تخصيبها على مدى ألف سنة من الري والفيضانات، فرمال الصحراء ظلت قاحلة ولا تحتوي على عناصر مهمة لتغذية النباتات. وهذا يحتاج إلى كميات كبيرة من الري لكي تصبح خصبة وهي المياه التي لا يمكن استعادتها.

 وتأتي معظم المياه لري الحقول في الصحراء من المياه الجوفية، وهي المياه التي اعتمد عليها أبناء الواحات وعلى مدى قرون حيث تتدفق بشكل طبيعي إلى السطح وفي نقاط معينة. وزادت حكومة السيسي من الجهود لزيادة الاستهلاك وعلى قاعدة صناعية للمياه الجوفية، واستثمرت في بناء عدة محطات ضخ في معظم أنحاء الصحراء لجلب المياه إلى السطح.

ويعلق تاتويلر قائلا “لديك كميات ضخمة من المياه في جوف الصحراء الغربية، لكنها محدودة وفي دراسة أعدت العام الماضي قامت بفحص صور أقمار اصطناعية وكشفت أن معدل استنزاف المياه من المصادر الجوفية في الصحراء قد زاد فعلا في عهد السيسي.

وعلق تاتويلر ماذا عن مستقبل الأجيال المقبلة” و “لو استخدمت المياه فلن توجد مياه في الصحراء”.

ويقول صقر النور، وهو باحث في علم الإجتماع الريفي إن الإستخدام المتزايد للمياه الجوفية لن يخفض من مستوياتها ولكنه يزيد من ملوحتها. وقال إن العديد من المشاريع الصحراوية تعاني من زيادة الملوحة، مما يخفض من مستوى الإنتاج ويزيد من كلفة الزراعة.

ولم يتبق سوى 3 أعوام للوصول إلى الهدف، لم تحقق الحكومة سوى 20% من مشاريع الإستصلاح، 3,300 كيلو متر مربع، ووفقا لآخر إعلان. ويعتقد النور أن هناك “مبالغة” في التقديرات وأن المساحة المستصلحة أقل وأقل ربحية مما تقترحه الحكومة و “لا يعني تخضير الصحراء” ان هناك منتجات تخرج منها.

حيلة دعائية

ويخشى شريف فياض، الخبير الزراعي الذي عمل مستشارا للحكومة، أن يتحول المشروع إلى حيلة دعائية.

ويقول: “إنهم يريدون فقط أن يقولوا للناس: “حسنا، لقد استصلحنا 4 ملايين فدان”.

ولا توجد أرقام متاحة للرأي العام عن إنتاج الأراضي المستصلحة، لكن فياض يشك في أنه تم حصاد الكثير منها حتى الآن.

ويقول إن “إنتاجية وخصوبة التربة نفسها لن تصل أبدا إلى خصوبة وإنتاجية الأراضي القديمة [بجانب النيل]”، موضحا أن العديد من المحاصيل الأساسية التي يعتمد عليها المصريون، بما في ذلك القمح والبقوليات، غير مناسبة لهذه الأرض الجديدة.

و لهذا السبب، لا يشعر الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة المتدنية بأن هذا النوع من الإستصلاح يفيدهم
وارتفعت أسعار المواد الغذائية منذ مارس عام 2022 بمعدلات فلكية وأكتوبر كان التضخم الحقيقي في أسعار الطعام الأعلى في العالم، وفقا لتقديرات البنك الدولي. ولأن مصر تعتبر المستورد الأكبر للقمح في العالم، فقد تأثرت بتعطل سلاسل الإمداد نتيجة لانتشار كوفيد-19 وحرب أوكرانيا.

وفي نفس الفترة زادت نسبة تصدير الطعام بنسبة 5.6 مليون طن في 2021 و 6.4 مليون طن في 2022، ووصلت رقما قياسيا 7.5 مليون طنا في 2023. وجاءت الزيادة من المحاصيل غالية الثمن مثل الفواكه والمكسرات.

ودافع السيسي عن سياسة استصلاح الأراضي لزراعة المحاصيل المدرة للنقد وقال في حفل تنصيبه مايو “أستطيع زرع مليون فدان من القمح في حين أن هناك محاصيل أخرى يمكنك إنتاجها بقيمة ثلاثة أضعاف ذلك”.

وزعم أن هذه الاستراتيجية تشكل خطوة حاسمة لتضييق العجز التجاري وإيجاد مصادر جديدة للعملة الأجنبية. 

ويقول فياض إن مشروع مستقبل مصر مهم لكن الناس لا يشعرون أن هذه المشاريع هي لهم لأنهم لا يرون النتيجة على أسعار الطعام.

ومعظم المحاصيل المنتجة في مصر ينتجها شركاء صغار تدعمهم مشاريع الإستصلاح التي يهيمن عليها الجيش. ويسيطر هذا على قطاع واسع من اقتصاد مصر، مصانع ومزارع ويستخدم ميزاته في البلد للتخلص من المنافسين.

وهناك تقارير موثوقة تتحدث عن استخدام الجنود في الخدمة العسكرية للعمل في المزارع.

ويشرف على مشروع مستقبل مصر بهاء الغنام، العقيد في القوات الجوية، بخلاف التصريحات الصحافية لم ينشر الجهاز أي معلومات عن كيفية إنفاق الأموال ولا كيفية الحصول عليها أو توزيع الأرباح.

وفي الأشهر الأخيرة، فرضت الحكومة تدابير تقشف في مجالات أخرى، فزادت أسعار الوقود وضاعفت سعر الخبز المدعم ثلاث مرات، في محاولة لخفض التزامات الديون المتزايدة على البلاد.

وعلى الرغم من وعده بخفض الإنفاق على المشاريع العملاقة ـتحت ضغط من صندوق النقد الدولي والحلفاء الإقليميين قال السيسي في مايو إن الحكومة ستنفق 190 مليار جنيه مصري (3 مليارات جنيه إسترليني) إضافية في السنوات المقبلة على البنية الأساسية الجديدة لدعم طموحاته الزراعية.

ويقول ديفيد سيمز، المتخصص في التخطيط الحضري ومؤلف كتاب “أحلام مصر في الصحراء” والذي تناول فيه مشاريع الحكومة السابقة “هي أموال حقيقية” وهناك من سيدفع ثمن كل هذا.