أصاب العشرينيّ هادي محمّد (23 عامًا- مالك مزرعة دواجن بمحافظة الفيّوم، وتقع في إقليم شمال الصعيد على بعد 90 كيلو مترًا من العاصمة القاهرة)، خسائر قدرها بنحو 500 ألف جنيه/ نحو 10 آلاف و 479 دولارًا أمريكيًّا، جرّاء قطع التيّار الكهربيّ عن مزرعته، ضمن خطّة تخفيف الأحمال الّتي تطبّقها حكومة القاهرة منذ يوليو الماضي 2023، مبرّرة أنّ ذلك نتيجة الارتفاع القياسيّ في حجم الاستهلاك، بالتزامن مع موجة الحرّ الّتي تضرب البلاد، بينما انخفض ضغط الغاز اللازم لإنتاج الكهرباء.

 تسبب انقطاع الكهرباء في نفوق نحو ثلاثة آلاف و300 دجاجة منذ بدء قطع التيار حسب حديث “محمد”. يضيف في حديثه مع زاوية ثالثة: “دفعني ذلك لشراء مولد كهربائي؛ لمحاولة تخفيف حدة الخسائر الناجمة عن القطع الذي تسبب بشكل مباشر في ارتفاع  تكلفة العمالة التي زادت ساعات عملها لتعويض فترة الانقطاع، رغم ذلك أسدد شهريًا لشركة الكهرباء فاتورة تقدر بنحو ثمانية آلاف جنيه/ نحو 167.6 دولار؛ ما جعل المشروع الذي بدأته قبل ثمان سنوات – في العام 2016- يمثل عبء على كاهلي بدلًا من أن يصبح مصدر رزق”.

 

ارتفاع الأسعار 
يكشف ثروت الزيني – نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن- عن تأثر قطاع الدواجن بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي ضمن خطة تخفيف الأحمال، وقال في حديثه معنا: “لا يستطيع صغار المنتجين توفير مولدات كهربائية بتكلفة مليوني جنيه للمولد الواحد”.

ويشير الزيني إلى أن درجة الحرارة الطبيعية اللازمة لنمو وتربية الدواجن ما بين 22- 25 درجة، يأتي ذلك في وقت اتبعت الدولة خطة تخفيف الأحمال دون مراعاة للقطاعات المختلفة كقطاع الزراعة؛ ما تسبب في نفوق كميات كبيرة منها، لترتفع أسعار الدواجن والبيض بنسبة تتراوح من 20 لـ 25% ويتأثر القطاع الداجني بتلك الانقطاعات بذات النسبة (ارتفع سعر كيلو الدواجن بسبب تخفيف الأحمال وارتفاع الحرارة إلى نحو 90 جنيهًا بعدما كان بـ 78 جنيهًا/ 1.8 – 1.6 دولار، وارتفعت كرتونة البيض من 115 لـ 132 جنيهًا/ 2.4 – 2.7 دولار).

حسب المعلومات المتاحة من مواقع متخصصة في تربية الدواجن، فإنه يجب مراعاة درجة الحرارة بحيث لا ترتفع عن 32 درجة مئوية في الفترة الأولى من دورة التربية، إلى أن تنخفض ما بين 21- 24 درجة مئوية كحد أقصى باقي فترة التربية، وتتسبب الحرارة المرتفعة في تعرض الدواجن لما يعرف بالتوتر الحراري ويتسبب في صعوبة في التنفس؛ ما يؤثر سلبًا على صحتهم وأدائهم.

يضيف نائب رئيس اتحاد الدواجن: “لا يعقل تخفيف الأحمال لتوفير العملة الصعبة، والتسبب في نفوق الدواجن ثم استيراد بديلاً عنها بالدولار”، نافيًا وجود تنسيق مسبق بينهم وبين وزارة الكهرباء فيما يخص خطة تخفيف الأحمال المطبقة عليهم. 

وحسب بيان سابق لوزارة الكهرباء، يوفر تخفيف أحمال الكهرباء نحو 35 مليون دولار شهريًا، لترشيد استهلاك الغاز وتصديره إلى الخارج؛ بهدف توفير العملة الصعبة، لاستيراد الوقود المخصص لتشغيل المحطات.

 

خسائر ضخمة للمربين 
يتفق وصف نائب رئيس اتحاد الدواجن مع ما يقوله سيد محمد – شريك بمزرعة دواجن في محافظة الشرقية مع شقيقه، وقد دشنا مشروعهما قبل خمس سنوات من الآن- الذي شكا قطع التيار الكهربائي، إذ تسبب في نفوق أعداد كبيرة، دفعه ذلك لشراء مولد كهربائي لحل أزمة قطع التيار عن مزرعته. يقول في حديثه معنا: “قطع التيار خمس دقائق عن مزارع الدواجن المغلقة يمثل كارثة على المربي الذي لن يستطيع تعويض خسائره المتمثلة في نفوق أعداد كبيرة من الدواجن، لاحتواء المزارع على مبردات وشفاطات تحتاج إلى الكهرباء على مدار الـ24 ساعة”.


يرجع عبد العزيز السيد – رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية بالقاهرة- ارتفاع أسعار الدواجن لما يتراوح من 11 لـ 12% إلى عاملين؛ الأول ارتفاع سعر الكتكوت والثاني انقطاع التيار الكهربائي الذي أثر بنسبة تتراوح من 5 لـ 6%، على حد قوله.

وحسب “السيد” يتراوح إنتاج مصر من الدواجن ما بين 850 – 900 مليون دجاجة خلال النصف الأول من عام 2024، أما البيض فيبلغ إنتاجه نحو 8.5 مليار بيضة خلال العام الجاري؛ ما يمثل عجزًا، يضيف: “كنا ننتج 14 مليار بيضة سنويًا حسبما تظهر إحصائيات عام 2022”.

يستطرد: “يتواكب الاستهلاك مع القدرة الشرائية للمواطن المصري، إذ كنا تستهلك نحو 180 ألف طن دواجن شهريًا مطلع عام 2022، أما الآن في ظل انخفاض القدرة الشرائية للمواطن بنسبة 40%، فقد بلغ استهلاك المواطن نحو 110 ألف طن شهريًا تقريبًا”.


ويبلغ عدد العاملين ما بين ثلاثة إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون عامل (عمالة مباشرة وغير مباشرة) يعملون في القطاع الداجني. يمثل صغار المربين نحو70% منهم، وتتركز العمالة في الشركات الكبرى وليس المنشآت الصغيرة، إذ لا يستطيع صغار المربين شراء المولدات الكهربائية حتى وإن حصلوا على قرض ضمن المبادرة الرئاسية 5% قد لا يستطيعوا السداد.
يقول “السيد”: إذا حدث استقرار في سعر البيع يستطيع المربون التطوير وإعادة الهيكلة، ما يتطلب وجود بورصة حقيقية على أرض الواقع وبورصة فرعية في كافة المحافظات، مطالبًا وزير الزراعة في التشكيل الوزاري الجديد ببورصة متواجدة في كافة المحافظات.

ويشير إلى ضرورة وضع آلية جديدة لحل أزمة قطع الكهرباء التي تؤثر سلبًا على القطاع الداجني، وعدم رفع سعر الكهرباء المغذية لهذا القطاع الحيوي، مع التوسع في زراعة الذرة الصفراء والصويا ووضع خطة مدتها ثلاث سنوات لرفع الإنتاجية خلال تلك الفترة، إلى جانب توفير الأمصال واللقاحات.

ويتساءل رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية عن الخريطة الوبائية التي يمكن من خلالها تحديد الأمراض المنتشرة بكل منطقة لـ تحجيمها والتعامل الجيد معها؛ ما سيعود بالنفع على المواطن في نهاية الأمر حال تطبيقه، نافيًا ما تردد حول بلوغ نسبة النفوق في المزارع إلى 40% بسبب قطع التيار الكهربي، معللًا ذلك بأن كبار المربين تعمل مزارعهم بنظام cloth system، ما يعني وجود محولات كهربائية تعمل مباشرة حال قطع التيار الكهربي.

خسائر كبرى 
من جانبها، تقول شيرين ذكي – وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين، رئيس لجنة سلامة الغذاء بالنقابة سابقًا- في حديثها إلى زاوية ثالثة، إن درجة الحرارة المناسبة من 25 لـ33 حسب عمر الدجاجة، يأتي ذلك في الوقت الذي تعد درجات الحرارة التي شهدتها مصر أو المنتظر أن تشهدها خلال الفترة المقبلة غير مناسبة لتربية الدواجن.

 ومن المتعارف عليه، حسب وصف “ذكي” فإن حالات النفوق تزداد خلال فصل الشتاء، بسبب الأمراض كـ الأزمات التنفسية و الــ ib  الذي يضرب المزارع إذا لم تأخذ احتياطاتها، بينما في فصل الصيف، تنفق أعداد كبيرة بسبب درجات الحرارة المرتفعة؛ ما يدفع المربين لتركيب منافذ مضاعفة للتهوية والتقليل من تأثير درجات الحرارة المرتفعة، كي لا تنفق أعداد أكبر منها. تضيف: “تخفيف الأحمال سيترك أضرارًا كبيرة على المزارع“.

بحسب تصريحات سابقة لـ وفاء عبد الفتاح – الباحث بـ المعمل المرجعى للرقابة على الإنتاج الداجني بمعهد بحوث الصحة الحيوانية- فإن مرض الـ IB مرض فيروسي حاد شديد العدوى يصيب الجهاز التنفسي العلوي للدواجن؛ ما يسبب مشاكل تنفسية وكلوية وتناسلية مصحوبة بأعراض تنفسية، ويسبب المرض خسائر اقتصادية خطيرة لما ينجم عنه من نسبة نفوق عالية في القطيع كما يسبب انخفاض شديد فى معدل إنتاج البيض وجودته.

 وتحذر وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين من قيام بعض من طالتهم خسائر فادحة ببيع الدواجن النافقة، لتتسرب إلى الأسواق؛ ما يشكل عبء كبير على مديريات الطب البيطري المنوطة بـ رقابة الأسواق.

وحال سربت تلك الدواجن للأسواق، سيأكل المواطن لحم الميتة المحرمة شرعًا والمحتقن أحشائها وعضلاتها بالدماء؛ ما يمثل مصدر للتلوث والأمراض، وحال تناولها الإنسان على أنها دواجن سليمة وغير نافقة قد يصاب بالتسمم.

تواصلت زاوية ثالثة هاتفيًا مع رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، ممتاز شاهين، للاستفسار عن حجم النفوق في مزارع الدواجن وظهور أمراض مؤخرًا؛ إلا أننا لم نتلقى ردًا حتى نشر هذا التقرير، فيما أكدت مصادر باتحاد منتجي الدواجن -فضلت عدم ذكر اسمها- عن أن قطع التيار الكهربائي، رفع نسبة النفوق بين الدواجن في المزارع الصغيرة إلى نحو 20%، بينما ارتفعت نسبة النفوق في بعض المزارع لـ40%.