على الرغم من تأمين حكومة الانقلاب لتمويلات قدّرتها وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية بـ60 مليار دولار، إلا أن مصر تبحث عن جذب المزيد من دول الخليج، حيث من المقرر وفق تصريحات مسؤولين أن يقوم الصندوق السيادي، الذي يمتلك حصصًا في شركات حكومية، بجولة ترويجية لاستعراض الفرص الاستثمارية خلال الأسابيع المقبلة.

 

قروض مصرية في 2024

وافتتحت مصر القروض في عام 2024 في شهري يناير وفبراير، حيث اقترض البنك المركزي تريليون و20 مليار جنيه مقومة بـ الجنيه والدولار عبر أذون الخزانة، عبر 560 مليار جنيه في يناير، و460 مليار جنيه في فبراير.

وأعلنت مؤسسة التمويل الإفريقية (AFC)، الشركة الرائدة في القارة في توفير حلول تمويل البنية التحتية، عن تقديم تسهيلات قرض تجاري متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية بقيمة 250 مليون دولار إلى الحكومة المصرية بالشراكة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC).

واقترضت مصر من خلال وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا) بمبلغ 100 مليار ين ياباني بما يعادل 676 مليون دولار، بهدف تنفيذ مشروع المرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو أنفاق القاهرة الكبرى "الشريحة الثالثة"، والموقع في القاهرة بتاريخ 30 إبريل 2023. بحسب ما نشرته الجريدة الرسمية 18 يناير الماضي.

الدكتور محمد معيط، وزير المالية المصري، إن مصر تستعد لاستقبال حصة تمويلية بقيمة مليار دولار من بنك التنمية الجديد، وذلك قبل نهاية العام الحالي. وأكد الدكتور معيط أن هذا التمويل سيوجه للاستثمار في العديد من القطاعات التنموية الرئيسية، منها البنية التحتية وقطاعات الصحة والتعليم والمياه.

ووفقًا لوزارة المالية، فإن مصر تعتزم اقتراض 140 مليار جنيه (2.92 مليار دولار) من الخارج، خلال العام المالي المقبل، من بينها 11.9 مليار جنيه (250 مليون دولار) قروض من مؤسسات دولية، و69.3 مليار جنيه (1.45 مليار دولار) عبر إصدار سندات دولية، و58.8 مليار جنيه (1.2 مليار دولار) من صندوق النقد الدولي.

 

ماذا وراء ذلك؟

الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، يقول إن سعي مصر لجذب المزيد الاستثمارات يرجع إلى "الاحتياج الشديد إلى تدفقات دولارية سريعة ومستمرة"، فضلًا عن "إرسال رسالة إلى صندوق النقد الدولي أنها بصدد تنفيذ تعهدات التخارج من عدد من الأنشطة وتعظيم مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي".

ويؤكد صندوق النقد الدولي على ضرورة تخارج الحكومة من الشركات وإفساح المجال والمنافسة للقطاع الخاص، إذ تقول مديرة الصندوق، كريستالينا غورغييفا، في بيان صدر في الأول من إبريل الماضي، عقب الموافقة على زيادة التمويل لمصر، إن "تخارج الدولة والمؤسسة العسكرية من النشاط الاقتصادي وضمان تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، يُعد عنصرين أساسيين لجذب الاستثمار الأجنبي واستثمارات القطاع الخاص المحلي في مصر".

لهذا يضيف عبد المطلب أن قانون "تنظيم ملكية الدولة في الشركات المملوكة، يهدف إلى تعزيز حماية المنافسة وضمان الحياد التنافسي في الأسواق، فضلًا عن تنشيط الأسواق المالية وإضافة قطاعات جديدة للتعامل فيها.

ويذكر أن "القانون يعزز أيضًا من السيولة في السوق، مع تطوير أداء الشركات المملوكة للدولة وتعظيم استثماراتها، بالإضافة إلى تحسين الكفاءة".

ويرى عبد المطلب أن هناك فرصة كبيرة لنقل ملكية "جزء من المباني الحكومية في القاهرة الخديوية إلى القطاع الخاص، سواء من خلال البيع المباشر أو بتأسيس شركة لإدارة الأصول الحكومية وطرح أسهمها في السوق. هذا سيمكننا من استخدام هذه الأصول بشكل أفضل وجذب الاستثمارات اللازمة لتطويرها".

ومع ذلك، يشير عبد المطلب إلى التحديات المتعلقة بإدارة ملف الأصول الحكومية، خصوصًا أن "الظروف لم تكن مهيئة لتنفيذ وثيقة ملكية الدولة والتي وضعت حد أقصى 3 سنوات للتخارج من الشركات، ولم يتم تنفيذ البنود الموجودة حتى الآن".

 

أين تذهب الأموال؟

تقول وكالة فيش في مذكرة، صدرت إبريل الماضي، إن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية ومن بينها تخفيض قيمة الجنيه، جاءت بعد الحصول على تعهدات تمويلية تبلغ حوالي 60 مليار دولار.

وحصلت مصر، الشهر الماضي، على 14 مليار دولار من الإمارات قيمة الدفعة الثانية والأخيرة من صفقة رأس الحكمة، والتي اتفقت عليها مع شركة القابضة (إيه.دي.كيو) -وهي صندوق سيادي تابع لحكومة أبوظبي- ضمن خطة استثمارية بنحو 35 مليار دولار، لتنمية منطقة "رأس الحكمة" على البحر المتوسط بشمال غرب البلاد.

كما تلقت نحو 820 مليون دولار من صندوق النقد الدولي ضمن البرنامج التمويلي الذي تم الاتفاق على زيادة قيمته في مارس من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.

وتشير بيانات البورصة المصرية، إلى أن صافي مشتريات الأجانب في أدوات الدين الحكومي (أدوات دين حكومية محلية قصيرة الأجل تبيعها وزارة المالية عبر البنك المركزي لتمويل عجز الموازنة مقابل فوائد)، والتي تعرف بـ"الأموال الساخنة" بلغ نحو 16 مليار دولار، منذ بداية مارس وحتى 14 مايو الماضي.

إلى جانب ذلك، تعهد الاتحاد الأوروبي، في مارس، بتمويلات بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار) لصالح مصر على مدار 4 سنوات، تشمل قروضًا ومساعدات واستثمارات في قطاعات مختلفة.

ويعتبر عبد المطلب أن التمويلات المليارية التي حصلت أو ستحصل عليها مصر خلال الفترة المقبلة، سيتم توجيه معظمها نحو سداد الالتزامات الخارجية، ودعم احتياطي النقد الأجنبي، للتحصن ضد أيض "صدمات" اقتصادية مقبلة.

ويقول خلال حديثه: "الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي واضحة، حيث إن نصف متحصلات الخصخصة والصفقات سوف تذهب لسداد الديون الخارجية، وجزء لدعم احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي".

ويتابع عبد المطلب: "أما هناك أيضًا جزء آخر سيتم تخصيصه لتلبية احتياجات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

وتعتبر مصر، ثاني أكثر دولة اقتراضًا من صندوق النقد الدولي، بنحو 14.7 مليار دولار، خلف الأرجنتين التي تستدين بنحو 40.9 مليار دولار.

فيما تبلغ حجم الديون الخارجية للبلاد نحو 168 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، من بينها 29.5 مليار دولار ديون قصيرة الأجل ونحو 138.5 مليار دولار ديون طويلة الأجل، حسب بيانات البنك المركزي.

 

الفجوة التمويلية

يُقدر صندوق النقد الدولي، في تقرير مراجعة برنامج التمويل مع مصر، نشره إبريل الماضي، حجم الفجوة التمويلية (الفرق بين احتياجات التمويل المتوقعة والموارد المالية المتاحة)، بعد صفقة رأس الحكمة بنحو 28.5 مليار دولار خلال فترة برنامج القرض الذي ينتهي في خريف عام 2026.

فيما يرى عبد المطلب أن "حجم التمويلات التي تحتاج إليها مصر، يتوقف على خطة التنمية. لكن قد تحتاج إلى تمويلات إضافية في حدود 34 مليار دولار على الأقل، وهو ما يمثل الحد الأدنى للالتزامات المصرية لدى الخارج".

وفي إبريل الماضي، قالت وزيرة التخطيط إن إيرادات قناة السويس انخفضت 50 بالمئة بسبب اضطراب حركة الشحن في البحر الأحمر، والتي كانت قد حققت نحو 8.8 مليارات دولار إيرادات خلال العام المالي السابق.

فيما يقول البنك الدولي في تقرير بعنوان "الصراع والديون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" إن استمرار الأزمة وانخفاض حركة عبور قناة السويس بنسبة 40 بالمئة خلال عام 2024، "يعني خسائر بقيمة 3.5 مليار دولار، والتي تمثل نسبة 10 بالمئة من صافي الاحتياطيات الدولية في البلاد".

في الأخير يؤكد عبد المطلب أن صفقة رأس الحكمة وما تلاها من تمويلات بمثابة "مسكنات" للاقتصاد، و"يجب أن تكون هناك خطة واضحة للنمو في قطاعات الاقتصاد الحقيقية، كالزراعة والصناعة، حتى لا تعود الأزمة بشكل أكثر قسوة".