تروي الحكايات التاريخية أن “تُبّع” ملك اليمن مر بالكعبة في طريق عودته من فتح بعض المدائن في الجزيرة العربية، فطاف بها، ثم رأى في المنام أنه يكسوها ويجعل لها بابًا ومفتاحا، فأوصى بكسوتها، وهو أول من فعل ذلك.

أصبحت كسوة الكعبة من أفعال الوجاهة عند العرب، وقيل إن أبا ربيعة بن المغيرة المخزومي -وهو من وجهاء مكة- كان يكسوها عامًا وقريش كلها تكسوها عامًا آخر، ثم انتقلت إلى قصي بن كلاب بعد أن تغلّب على خزاعة ودانت له مكة، وانتقلت إلى أبنائه وأحفاده من بني هاشم، وفقًا لـ"الجزيرة".

في يوم فتح مكة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكسوة الكعبة بالبرود وهي أقمشة من اليمن إعلانًا لخضوع مكة لحكمه. وفي عصر الفتوحات تولى الخلفاء الراشدون كسوتها، ثم تواصلت العناية بها بعدهم، وأصبح مركز الخلافة الرئيس هو من يرسل الكسوة، ففي عهد الأمويين أُرسلت من دمشق، وفي عهد العباسيين أرسلت من بغداد.

لبست الكعبة ثوبها الأسود البهي منذ عام 622 للهجرة في عصر الخليفة العباسي الناصر، وفي عام 1250 ميلادية سيطر المماليك على القاهرة والحجاز فظلت مصر مهد صناعة كسوة الكعبة.

في عام 1299 ميلادية وضع عثمان الأول ركائز الدولة العثمانية، وتمكن العثمانيون من حكم مصر والحجاز بعد حرب مع المماليك، وأنشؤوا وكالات تجارية في مصر خاصة لتمويل كسوة الكعبة.

كانت الكسوة في البداية أربع قطع توضع على أربعة جوانب دون أي إضافات، ثم مع حركة إصلاح الكتابة التي تولاها ابن مقلة وابن البواب أصبح هناك مدخل آخر لوضع آيات من القرآن الكريم في طراز الكعبة.

كان حفل إرسال الكسوة الخاص يبدأ بما كان يعرف بـ”دوران المحمل”، حيث تطوف الكسوة بعد أن تُعد في القاهرة والفسطاط ويخرج الناس لرؤيتها، وقد أخذ المحمل بالإضافة للشكل الديني شكلًا فلكلوريًا متميزًا.

أثناء حكم محمد علي لمصر وتحديدًا عام 1925 اعترض حكام الجزيرة العربية على موكب المحمل وقالوا إنه “بدعة”، في العام التالي توقف المصريون عن إرسال الكسوة، فأمر الملك عبد العزيز بتأسيس دار لصناعة الكسوة في منطقة أجياد قرب مكة وظلت هذه الدار تقوم بصناعة الكسوة 12 عامًا ثم أغلقت.

عادت مصر بالاتفاق مع السعودية إلى إرسال الكسوة، إلى أن توقف ذلك نهائيًا بعد حرب اليمن عام 1962، وتولت السعودية كسوة الكعبة، ونُقل العمل في الكسوة إلى مصنع كسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة، ولا تزال الكسوة الشريفة تصنع به إلى يومنا هذا.

 

6 ألوان زيّنت كسوة الكعبة عبر التاريخ

وتحلّت الكعبة الشريفة عبر الأزمان بعدة ألوان منها الأبيض، والأحمر، والأحمر المخطط، والأصفر، والأخضر، قبل أن يتم الاستقرار على اللون الأسود.

ووفقًا لصحيفة "الشروق" فإن لون كسوة الكعبة عبر الأزمان تغيّر بين 6 ألوان مختلفة لم يعتدها الحجاج على مدار القرون الأخيرة.

 

-الأبيض المصري

اختلف المؤرخون على ألوان الكسوات المستخدمة قبل فتح مكة على يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأورد كتاب "فتح الباري" لـ ابن حجر العسقلاني، أن أول من كسى الكعبة كان النبي إسماعيل عليه السلام، وأول من كساها بالكامل تُبَّع اليمن واسمه أسعد.

وذكر الفاكهي بكتاب "أخبار مكة"، أن أول لون كسيت به الكعبة بعد فتح مكة كان الأبيض، وذلك حين كساها الرسول صلى الله عليه وسلم بالقباطي المصرية.

وخالف الواقدي كلام الفاكهي بقوله، إن الرسول صلى الله عليه وسلم كساها بغير القباطي البيضاء.

وأضاف الفاكهي، أن أبا بكر الصديق وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما استمرا بكسوة الكعبة بالقباطي البيضاء.

 

-الأحمر المخطط

وقال الأزرقي، إن عثمان ابن عفان رضي الله عنه أضاف للقباطي كسوة من الثياب اليمانية، وقد اشتهرت بلونها الأحمر المخطط بالأبيض وكان أول من كسى الكعبة بكسوتين.

 

-الأحمر الخالص

وذكر ابن حجر العسقلاني في كتاب "فتح الباري"، أن المؤرخين اختلفوا حول أول من كسى الكعبة بالديباج الأحمر، ولكن الأغلبية أجمعوا على أنه أحد الأمويين، وكان الخلاف على أن يكون معاوية رضي الله عنه أو ابنه يزيد أو الخليفة عبدالملك ابن مروان أول من كسى الكعبة بالديباج.

 

-الأصفر

وجاء في كتاب "اتحاف الورى بأخبار أم القرى" أن السلطان محمد بن سبكتكين صاحب بلاد الهند وكان بعهد العباسيين قد كسى الكعبة مرة واحدة واختار اللون الأصفر لكسوتها.

 

-الأخضر

وأوضح الموقع الرسمي للأزهر الشريف، أن الخليفة المتوكل العباسي غير لون الكسوة للأخضر بسبب سرعة تلوث اللون الأبيض المعتاد ثم استقر ابنه الناصر لدين الله على اللون الأسود.

 

-اللون الأسود الشهير

وذكر ابن حجر أنه منذ أن استقر الناصر على الكسوة السوداء داوم عليها خلفاء العباسيين وسلاطين المماليك من بعده.

 

-عودة مؤقتة للكسوة الحمراء

وأكدت وكالة الأنباء السعودية أن الكعبة اكتست مرة واحدة باللون الأحمر سنة 1221 هجريًا حين اختار الإمام سعود ابن عبد العزيز إبان الدولة السعودية الأولى أن تصنع الكسوة من القز الأحمر وهو نوع من الحرير، واتخذ من بيت في مدينة الأحساء مصنعًا للكسوة ولم يستخدم القز الأحمر بعد هذه السنة.