تشهد رحلات حج المصريين ارتباكاً شديداً. وقع عشرات الآلاف من المسافرين ضحايا لسماسرة السفر. لم يجد أغلبهم مأوى يعيشون فيه دون أن تلاحقهم قوات الأمن السعودية، التي تشن حرباً شعواء على المخالفين لنظام الإقامة وغير الحاصلين على تأشيرات رسمية لأداء مناسك الحج للموسم الجاري 1445 هجرية.
تعاني عمليات التفويج الرسمية تباطؤاً شديداً في عمليات تسكين الحجاج المصريين بالفنادق والاستقبال بمنافذ الوصول في المطارات.
وقع الأغنياء ضحايا برامج الرقمنة التي اتبعت بصرامة في تنظيم رحلات الحج العام الجاري، دون قدرة المسافرين على التعامل بها وغياب مندوبي الشركات المستقبلة للأفواج، بينما حال الفقر دون قدرة المتخلفين من رحلات العمرة والزيارة على الولوج إلى مكة والاقتراب من منطقة المشاعر بمنى، وبالتالي اقتراب حلمهم في أداء مناسك الحج من الانتهاء.
فوضى رحلات الحج
يؤكد مسؤولون بغرفة شركات السياحة وجود حالة فوضى في تنظيم رحلات الحج للمصريين، مع انتشار جهات وسماسرة عديدين عملوا على توجيه عشرات الآلاف من الراغبين في السفر بعيدا عن الجهات الرسمية.
يقدر عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية مجدي صادق تعداد المخالفين لضوابط السفر بنحو 200 ألف شخص، استعدوا لأداء الحج بالسفر خلال شهري رمضان وشوال الماضيين.
يشير عضو غرفة شركات السياحة عادل ضغيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى صعوبة تحديد أعداد المتسربين لأداء الحج غير الرسمي قبل الانتهاء من موسم الحج الجاري، ورصد الحالات المتخلفة رسمياً، بنهاية شهر المحرم المقبل.
حصل آلاف المصريين على رخصة السفر بغرض العمرة التي امتدت تصاريحها حتى 15 ذي القعدة الماضي.
ساهمت شركات محلية في تسويق السفر بتأشيرة "زيارة" لرجال أعمال وأفراد، عبر وساطات بأطراف سعودية وشخصيات مقيمة بداخلها. سوّق السماسرة للراغبين في الزيارة إمكانيةَ مكوثهم بضواحي مكة المكرمة والطائف، وتسريبهم إلى منطقة المشاعر، يوم التروية ووقفة عرفات، مقابل مبالغ مالية تصل إلى ستة آلاف ريال سعودي (الدولار = 3.75 ريالات سعودية).
اندفع آلاف المصريين للسفر أملاً في أداء مناسك الحج، الذي تحول إلى فريضة تحتكرها السلطة عبر نظام القرعة الذي تجريه وزارات الداخلية والسياحة والتضامن الاجتماعي. يتنافس ملايين الراغبين في السفر على نحو 60 ألف تأشيرة، بينما يصل الطلب الحقيقي على الحج إلى ما بين 120 ألفاً و150 ألفاً ممن يرغبون في أداء الفريضة مرة واحدة في العمر.
الحج وتطبيق "نسك" الإلكتروني
ساهمت الزيادة الهائلة في كلفة رحلات الحج، وتراجع قيمة الجنيه المصري، في بحث الطبقة الوسطى والفقراء عن السفر بأقل كلفة، فأصبح من المعتاد رؤية أطباء ومهندسين يسافرون للعمل كجزارين وخدمات الحجاج، مقابل تأشيرة مجانية، يدفعون لها أيام عمل حقيقي أو مبلغاً من المال، بينما فتحت تأشيرات العمرة والزيارة المتأخرة لشهر ذي الحجة أبواباً للتسرب.
فاجأت السلطات السعودية المسافرين بالتطبيق الحازم لنظام التفويج وإلزام كل حاج بدفع كلفة الإقامة بالمشاعر وصعود عرفات بثمن "باقة الحج" (تراوح قيمتها ما بين 11 ألفاً و200 ريا و13 ألفاً و400 ريال لكل فرد)، مع حجز رحلات السفر والإقامة عبر تطبيق "نسك" الإلكتروني. بدّلت التكنولوجيا والفقر رحلة الحج لغير القادرين على التعامل معها، وأصبح الفقراء غير القادرين على تحمل كلفة "الباقات" عالقين في دور الإقامة السرية، التي تداهمها قوات الأمن السعودية على مدار الساعة.
ألقت السلطات القبض على آلاف المصريين ورحلتهم إلى خارج مكة المكرمة، ليعاود الكثيرون محاولة الدخول من جديد مقابل دفع مبالغ تصل إلى 400 ريال سعودي للسائق وأربعة آلاف لمن يؤويهم مجدداً.
يمارس المتخلفون عن العمرة والحج لعبة القط والفأر مع السلطات، بينما يقبع غير القادرين على الدفع في مناطق نائية دون القدرة على الحركة أو الدفع للعودة من جديد.
أحال المنكوبون وسائل التواصل الاجتماعي إلى أبواب رجاء للسلطات السعودية لتقبل الشفاعة بأحوالهم، بينما الأجهزة المصرية تظل صامتة، حيث تقتصر البعثات الرسمية التي تضم كبار قيادات الدولة والمسؤولين عن بعثات الحج على متابعة أحوال المسافرين بالطرق الرسمية.
ترتفع شكاوى سائقي سيارات الحج البري الذين شاركوا في نقل الحجاج، بعد إلقاء القبض عليهم لعدم حصولهم على تأشيرة عمل لنقل الحجاج، في ظاهرة تحدث لأول مرة.
تبدي مجموعات شكواها من عدم التزام الشركات السعودية ببرامج التفويج المعتمدة وتسكينهم بطريقة تتناسب مع المدفوعات التي قدموها ثمناً للباقات باهظة التكاليف.
تؤثر حالة السيولة والفوضى على معظم مجموعات الحج، وفقاً لاتصالات أجرتها "العربي الجديد" مع مسؤولي الشركات ومجموعات حجاج من الأفراد الذين يرفعون أصواتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مناشدات للحكومة السعودية
يناشد علي القصاص (أحد المسافرين من أبناء العريش، شمال شرقي مصر)، السلطات السعودية أن تسمح لهم بإتمام أداء المناسك بتأشيرة الزيارة، لعدم استطاعتهم الحصول على فرصة حج عبر نظام القرعة الذي تتبعه الدولة عبر بعثات وزارات الداخلية أو التضامن الاجتماعي وشركات السياحة.
يقول القصاص، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن الفقراء يواجهون صعوبة شراء تأشيرات الحج التي عرضتها الحكومة بسعر خمسة آلاف دولار، بينما تحصل عليها مجاناً بعض الفئات، مؤكداً أن حصوله على تأشيرة عمرة في الأيام الأخيرة، قبيل موسم الحج، استهدف الالتفاف على قيمة التكاليف الهائلة لرحلة الركن الخامس في الإسلام، والتي لا يطيقها إلا الأثرياء. 
بلغت كلفة رحلة الحج نحو 250 ألف جنيه عند الحدود الدنيا للمسافرين براً والحج الاقتصادي مع شركات السياحة أو الداخلية والجمعيات الأهلية، تزيد إلى 375 ألف جنيه للمستوى الثاني فئة أربع نجوم وتصل إلى 500 ألف جنيه للمستوى الأول بالفنادق القريبة من الحرمين الشريفين (الدولار = نحو 47.5 جنيهاً). تنظم شركات مصرية وسعودية رحلات خاصة تصل كلفتها إلى مليون جنيه للفرد، تشمل الإقامة بنزل فندقية في منطقة المشاعر بمنى وفنادق مطلة على باحة الحرم المكي مباشرة.