برسالة من سجنه بمرور عام على اعتقاله بسجون المنقلب قيس سعيد، قال رئيس حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي الشيخ راشد الغنوشي، مهاجما سعيد: "هو استكثر السلطة على القضاء وعلى البرلمان واعتبرهما وظيفة وجعل كل السلطة بيده".

وتقليلا من حجمه وتفاديا للاحتجاج القانوني، لم يذكر اسم قيس سعيد قائلا: "هو شخص أعطيناه أصواتنا – أغلى ما يملكه أي حزب، لنجد أنفسنا أمام منهجين: الديمقراطية وحكم الفرد الذي امتد من الصادق باي إلى بورقيبة وبن علي وانقطع بعد الثورة ليعود بعد الانقلاب".

وأكد الغنوشي أن "حركة النهضة أول من أعلن أنه (ترتيبات قيس سعيد واقصائه المعارضين) انقلاب، وذلك دليل على أن فكرة الحرية تعمقت ولا مساومة عليها مهما كان الثمن والتضحيات. وأن التقاء عديد العائلات السياسية على اعتباره انقلابا يؤكد أن لا ديمقراطية في ظل رفض أي فكر سياسي، والنهضة أبرز عنوان للتأكيد على الحرية من عدمها، وأن الحرية لا تتجزأ كما المبادئ، إما كل أو لا".

وفي مكاشفة من أوضح الشيخ الثمانيني "الغنوشي"، "نحن لا نندم على ما قررناه ولكن نندم فقط على منحنا الثقة لمن عاد بالبلاد إلى الوراء، إلى حكم الفرد".

السؤال الأول
وعن سياق مراجعات المواقف، أشار الغنوشي إلى محورين وجدهما بعد أن طرح على نفسه سؤالين: "هل كان ضروريا إلقاء ذلك الخطاب في المسامرة؟ أم كان بالإمكان تجنب ما حدث؟ وماذا أنجزت خلال هذه السنة؟".


وأردف، عن السؤال الأول، "..انتهيت فيه إلى الجواب التالي: ما حدث لم يكن حدثا عرضيا، وخطابي تلك الليلة كان مناسبا لما حدث في بلادنا ذات 25/7/2021 وهو الانقلاب الذي يعبر عن "سلطة الفرد" والحكم المطلق الانقلاب هو تجسيد لحكم الفرد بما يتضمنه من بيان رقم 1 وحل المؤسسات الدستورية وإصدار مراسيم".

سنقاومه سلميا

وبين أجابته على هذا المسار أعلن التزامه بسلمية المواجهة، قائلا: "لم يكن خطؤنا أننا كنا سباقين في الإعلان أن ما حدث انقلاب وأننا سنقاومه سلميا في إطار القانون ودستور 2014. خطؤنا كان في اختيار شخص غير مناسب سنة 2019. ولو كانت الثورة كتابا لما وجدنا له فيه سطرا".

وأكد أن "إعلاننا أنه انقلاب لم نتأخر فيه، ونقلنا الصورة للشعب وللعالم بألوانها الطبيعية. تناقضنا مع هذا المسار هو تناقض له أسس وليس تناقضا عرضيا يمكن تغطيته بكلمات في مسامرة".


وتابع بأن "الدليل على أننا سلكنا الطريق الصحيح هو التحاق أغلب العائلات السياسية والحقوقية. وما تشكُّل جبهة الخلاص إلا تعبير عن أن هذا الخط صحيح، إنه خط اللقاء لرفض الحكم الفردي".

السؤال الثاني

وعن السؤال الثاني والمتعلق بتلافي البلاء فقال: "انتهيت فيه إلى الجواب التالي: إن المطلوب من السجين السياسي هو الصمود لأن الناس يدخلون السجن متحمسين من أجل أفكارهم، غير أن السجن كسار للعزائم. لذلك فإن كثيرا من التنظيمات كسرها السجن فتنتقل إلى التقييم ونقد الذات، ثم بعد ذلك يجلدون ذواتهم ويوجهون أصابع الاتهام لأنفسهم بعد أن كانوا قد دخلوا السجن لأنهم وجهوها إلى السلطة".

وعن المنجز بحق السؤال الثاني، أشار إلى الصمود والمقاومة، قائلا: "الحمد لله أن كل المساجين السياسيين صامدون لم يتعذر منهم أحد، ثابتون على موقفهم في اعتباره انقلابا وثورة مضادة سنقاومها جميعنا بقيم الديمقراطية والسلمية والمحافظة على جوهر المعارضة".

سجني خلوة

واستعرض المفكر الغنوشي عنصرين في تجربة السجن والتي سبق أن مر بها شخصيا مرات في ظل حكم طواغيت تونس ويتعلقان باستمرار البقاء والآخر التأمل والخلوة.

وأكمل، "واجب السجين السياسي الثاني هو الحفاظ على صحته ونحن نحاول قدر الإمكان فعل ذلك. السجن مصادرة للإنسانية حتى إن كل الأنبياء لم يُهدَّدوا من أجل أفكارهم بالسجن إلا فرعون فقد هدد بالسجن لأنه يعي وهو فرعون المتجبر أن السجن هو أكثر المؤسسات التي اخترعها الإنسان توحشا لأنها تسلب الحرية والله خلق الإنسان حرا".

وأضاف، "إن السجن فرصة للتأمل أيضا والكتابة والمطالعة، وقد طالعت خلال هذه السنة موسوعة ابن أبي الضياف وكتاب السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي، ومجلدات بيرم الخامس وتاريخ الفلسفة الغربية وعددا آخر من العناوين في الدين والفلسفة والسير، كما أني أعدت قراءة كتب من ذلك مقدمة ابن خلدون وأعمال محمد الطاهر بن عاشور (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام) ومقاصد الشريعة، وأليس الصبح بقريب، وآفاق إسلامية للفاضل بن عاشور، وموسوعة أحمد أمين، وغيرها من الكتب".

وتابع: "السجن في مجمله خير لأن أمر المؤمن كله خير. نحن اخترنا الحرية ودخلنا السجن دفاعا عنها وهو ضريبة الحرية. هناك اليوم من يتهم المقاومة الفلسطينية بأنها تتحمل وزر عشرات الآلاف ممن ارتقوا شهداء وكأن الشعوب التي تحررت من العبودية لم تدفع الثمن الذي يليق بحريتها من دماء وأموال. فمن يخطب الحسناء لا يغله مهرها".

ثورة الحرية

وعن ثمن الحرية، استحضر الغنوشي ذكرى ما قدمته تونس قائلا: "تونس العزيزة احتفلت منذ أيام بعيد الشهداء، 9 أبريل، الذي ارتقى فيه الشهداء من أجل برلمان تونسي يعبر عن إرادة الشعب، تونس دفعت شهداء بلا عددٍ من قتلوا في إضراب 78 وثورة الخبز وحرب الجلاء، لا نعلم عددهم وهو عدد كبير بالتأكيد، تونس دفعت بلا عدد من الشهداء من أجل الحرية".

وأضاف، "ثورة الحرية والكرامة هي تعميد لدماء الشهداء وكل شعب يأخذ من الحرية بقدر المهر الذي دفعه".