قام مركز إنسان للدراسات الإعلاميه بإعداد ونشر دراسة حول الدراما المصرية وكيف استخدمها النظام المصري كسلاح  لتشويه ثورة يناير ٢٠١١  نعيد نشرها  مع رابط الدراسه على موقع المركز 

 

  

الثورة المضادة وتشوية ثورة يناير.. دراما التليفزيون نموذجا

الاثنين - 5 فبراير 2024 

 

 

  • دولة "يوليو" حرصت على إعادة تشكيل الشخصية المصرية و"تدجينها" من خلال الدراما التليفزيونية
  • الدراما التليفزيونية شكلت عنصرا مهما لتشكيل الهوية القومية المصرية منذ مطلع ستينيات القرن العشرين 
  • الإجهاز على ثورة يناير اعتمد على 3 مرتكزات: القبضة الأمنية والتشويه الإعلامي والأقليات المتساندة
  • هناك خط ممتد لتشويه الثورة في الأعمال الدرامية منذ 2011 سواء عن عمد أو بتوافق مع أجهزة الدولة 
  • 7 رسائل قدمتها دراما 2012 التليفزيونية أخطرها عزل الإسلاميين وتشويههم وامتداح "البلطجة"!
  • مسلسلات 2012 ركزت على فض علاقة الكتلة الحرجة للثورة بالشعب والترويج للمحاكمات القانونية 
  • دراما ما بعد 2013 ركزت على التشكيك في الثورة وتحسين صورة الأجهزة العسكرية وتخوين المعارضة

 

دراسة من إعداد- إمام الليثي:

مقدمة:

تخبرنا قوانين نيوتن للحركة أن "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه".. كذلك الثوارات عندما تقوم فهي تواجه برد فعل من أطراف الدولة التي خرجت عليها، فلكل ثورة ثورة مضادة، تأتي كرد فعل من جماعات المصالح التي تدافع عن سلطاتها التي قامت الثورة لتسلبها منها.

الصراع الحتمي ما بين الثورتين (الأصلية والمضادة) يحسم عادة لصالح الطرف الأكثر قدرة على امتلاك وتوجيه المؤسسات الفاعلة على أرض الصراع، فإذا لم تتمكن الثورة من إنشاء مؤسسات موازية وقوية تواجه الدولة العميقة في مجالي الأمن والإعلام فسيكون رد الفعل لصالح الثورة المضادة أكثر غلبة، وينتهي الأمر إلى فشل الثورة أو على الأقل هزيمتها إلى حين.

نجاح الثورة المضادة والسيطرة المؤسساتية للدولة العميقة ليست كافيه لاكتمال عملية الانتصار، فالثورة المضادة تعي ذلك جيدا وإلا لما قامت عليها ثورة من الأصل، فبعد النجاح الجزئي لابد من القضاء على روح الثورة، ومنعها من ميلاد جديد على المدى القريب.

بمعنى ادق لابد من تحصين "الدولة العميقة" من أي حراك ثوري محتمل، وهنا لابد من شيطنة الفكرة الثورية وقتل بذورها في النفوس.

وفي مصر، اعتمدت عملية الاجهاز على ثورة يناير على ثلاث مرتكزات أساسية تتمثل في:

أولا: القبضة الأمنية للجيش والشرطة، والتي استخدمت العنف المفرط في مواجهة الثوار منذ اليوم الأول لنجاح الثورة، وتمثل ذلك في محطات عده (محمد محمود- ماسبيرو- العباسية)، لتصل ذروتها في مجازر ( الحرس الجمهوري -المنصة- رابعة).

ثانيا: استخدام الاعلام في شيطنة الثورة ووصمها بكل نقيصة، من اتهامها بإثارة الفوضى الأمنية، واتهام الثوار بأنهم مجموع من العملاء المأجورين، الذين أرادوا الإجهاز على مؤسسات الدولة وتخريبها، إضافة إلى تصوير الجيش كحامي للثورة ومدافع عنها وعن الأمن القومي، و شيطنة الفصيل الذي مثل النواة الصلبة للحراك، وغيرها مما سناقشه في هذه الورقة.

ثالثا: استخدام الأقليات المتساندة،  لتقوم بدور الظهير الشعبي للثورة المضادة، ومنها: الطوائف الدينية الهامشية، والمجموعات الخارجة على القانون (البلطجية)، وقيادات الجيش الذين تحولوا من الولاء للوطن إلى "الولاء للجنرال"، عبر رحلة طويلة بدأت من "كامب ديفيد".

وقد خصصنا هذه الورقة لدراسة جزء من الجانب الإعلامي، الذي استخدمه عسكر مصر في شيطنة ثورة يناير، ممثلا في دراما المسلسلات التليفزيونية التي عرضت في شهر رمضان بدية من العام 2011 وحتى عام 2019.

ومن خلال الوصف والتحليل سنحاول الإجابة على عدة أسئلة من خلال عينة مختارة من المسلسلات، أذيعت عبر الحيز الزمني للدراسة:

  1. كيف قدمت الدراما التليفزيونية الثورة والثوار قبل انقلاب 3 يوليو وبعده؟
  2. كيف كانت صورة المؤسسات الأمنية في الدراما الرمضانية قبل انقلاب 3 يوليو وبعده؟
  3. بأي صورة قدمت الدراما الرمضانية أبناء الحركة الإسلامية عموما والإخوان المسلمين تحديدا؟
  4. هل هناك فروق بين صورة البلطجي والثائر في الدراما الرمضانية؟
  5. كيف تم تعظيم دور الأقليات في دراما رمضان؟
  6. إلى أي مدى عبرت الرسائل الاعلامية لهذه الدراما عن توجهات الثورة المضادة؟

 

ماهي الدراما التلفزيوينة وما هي مقوماتها؟

الدراما التليفزيونية هي فن العامة، لسهولة وصولها للجميع، وهي وسيلة من وسائل نقل التجارب الإنسانية، وتقديم الأفكار، وتسهم كذلك في الحكمة العملية وتقدم رؤية للحياة.

وعلى حد تعبير أرسطو "الأشياء التي ننظر إليها بحد ذاتها نُسر بتأملها عندما نراها تقلد بأمانه ودقة"(1)، فنحن حين نشاهد الأعمال الدرامية لا نملك إلا التورط العاطفي بقدر ما، فالإنسان يطمع أن يكون أكثر من كيانه الفردي، فهو يريد أن يحوي العلم المحيط بداخله، ونحن  نشاهد ونعاني ونتوحد أحيانا مع البطل، نبكي أحيانا أو نضحك، نُسر أو نتوجس خيفة، فالدراما تمنحنا الحرية الشعورية التي لا نحصل عليها في الحياة الطبيعية (2).

وتقوم الدراما على عدة دعائم أساسية، كما يوردها الناقد (عدلي محمد رضا)، نقلا عن (مذكرات في قواعد الدراما والكتابة لفتحي زكي) وهي:

  • يجب أن تحمل الفكرة قيما إنسانية.
  • يجب أن تكون صادقة ولها حقيقة موضوعية بين الناس.
  • يجب أن تسعى لإثارة العواطف
  • بجب ـأن تكون مركزة وواضحة بالنسبة للجمهور(3)

وما من عمل درامي إلا وتسبقه فكرة، وله رسالة اجتماعية أو سياسية تقوم على تتبع معاناة الناس ورصدها، وإصلاح خللها، أو التبشير بها من وجهة نظر صانع العمل، انطلاقا من مجموعة القيم الحاكمة له، والإيديولوجية التي ينتهجها، أو تلك التي ينتهجها من يموّل العمل أو يتحكم في إنتاجه.

ومنذ إنشاء التليفزيون المصري عام 1960 وعت الدولة المصرية جيدا دور الدراما التليفزيونية في بث الرسائل الخاصة بالترويج للدولة والحكم، من خلال إعادة تشكيل الشخصية المصرية، ومحاولة تكوين سلوك شخصي وجماعي داعم لاستمرارية الدولة وترسيخ القيم والمفاهيم الخاصة برؤية الدولة والمجتمع (4).

نشأة الدراما الرمضانية في مصر وأهدافها

للدراما الرمضانية خصوصية لدى المشاهد العربي عموما، والمصري خصوصا، فالتليفزيون المصري مع بداياته، وتحديدا في رمضان  عام 1961، تنبه إلى تجربة الدراما الإذاعية وارتباط المستمعين بها، فراح يستنسخ التجربة في أول موسم رمضاني يمر على افتتاح التليفزيون، وقدم مسلسلا وحيدا في ذلك العام وهو (عذراء قريش)، ليتوالى بعدها الإنتاج الدرامي  التليفزيوني  ويتنوع.

منذ ذلك التاريخ، شكلت الدراما التليفزيونية عنصرا من عناصر تشكيل الهوية القومية المصرية، وارتبطت المسلسلات في فترة الستينيات والسبعينيات بالأجندة القومية والتنموية للدولة في عهد عبد الناصر.

ولم يتغير الأمر كثيرا حتى بداية التسعينيات حينما بدأت الحكومة تتبنى منظومة الخصخصة وتتحول تماما إلى الرأسمالية وإصلاح السوق، فدخلت الشركات الخاصة على خط الإنتاج الدرامي التليفزيوني، والاعتماد على شراء المساحات الإعلانية؛ لعرض بضاعتها، ومن ثم تحررت الدراما التليفزيونية قليلا من قبضة الدولة، وتحقق بعض الوعي المشروط الذي ظل يضغط على دولة مبارك حتى انفجرت ثورة يناير.

دراما رمضان ما بعد ثورة يناير 2011

تمثل الدراما أحد أهم أشكال الإعلام الترفيهي، وتستمد أهميتها من الشريحة المجتمعية العريضة التي تخاطبها، فالغالبية العظمى من الجماهير لا تعنيها الثرثرات السياسية ولا تستهويها الأخبار وإن تابعتها، فهي تتابعها متابعة هامشية، لكنها تنجذب إلى الدراما بعناصرها الفنية من حبكة وصورة بصرية.

الثقل النسبي لتلك لشريحة، التي تتعامل مع الدراما باعتبارها متنفسا ترفيهيا لها، وقدرتها على تغيير موازيين القوى في المجتمع، يجعل منها هدفا تنافسيا من أجل الاستحواذ عليها وخلق صلة بينها وبين صانع القرار السياسي؛ مما ينعكس على خريطة الإنتاج الدرامي.

لذا لا يمكننا فهم وتحديد اتجاهات الدراما، أثناء ثورة يناير في مصر وبعدها، دون دراسة السياق الذي أُنتحت فيه، وما تمثله من اتجاهات تعتبر الثمرة النهائية للعديد من العوامل المؤثرة بها والمشكلة لها في الوقت ذاته، وذلك لخصوصية المرحلة التاريخية التي رافقت انطلاق الثورة ومن ثم احتواءها بثورة مضادة والانقلب عليها.

مما سبق، يمكننا تقسيم الدراما التليفزيونية المنتجة في شهر رمضان بعد قيام ثورة يناير وتخلي مبارك عن السلطة لصالح المجلس العسكري إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى رمضان (1432 هـ- 2011م)، والمرحلة الثانية رمضان (1433هـ- 2012م)، وهما مرحلتان رغم تقاربهما إلا أن أوجه الشبه بينهما قليلة، فأول رمضان بعد ثورة يناير اتسم بحالة من الترقب فضلا عن قصر المدة بين رمضان وبين ما بدا ظاهريا نجاح جزئي للثورة، أما مرحلة الوصول إلى رمضان 2012 فكانت قوى الثورة المضادة بدأت تجمع قوتها، فيما بدت انحيازات مجموعات من الفنانين والعاملين في الحقل الإعلامي للمجلس العسكري  واضحة، مع توقعات فوز "الإخوان المسلمين" بالرئاسة، في ظل تأييد أغلبية شعبية لهم، وان اتسمت المرحلتان بخاصية مشتركة، وهي محاولة المنتجين وصناع الدراما عدم التورط لمسافة كبيرة مع أي من أطراف الصراع السياسي.

ثم جاءت المرحلة الثالثة، والتي بدأت مع رمضان (1434 هـ- 2013م) واستمرت بعدها دون توقف. وتعد هي المرحلة الأكثر فاعلية في محاولة الإجهاز على ثورة يناير؛ بتشويه كل ما يتعلق بها، وتحويلها إلى كابوس، منذ ما قبل تحرك السيسي بالانقلاب.

وبعد الانقلاب، أجرت "الثورة المضادة" تغييرا هيكليا للإعلام ومؤسساته، في خطوة أولى لترتيب الأوراق واحتواء السوق الإعلامي بكل مكوناته، فبدأ ت بالهيكلة الإدارية والقانونية كمرحلة أولى في 2014، ثم في المرحلة الثانية عام 2016 بسطت الدولة يدها على الإعلام كليا، وصولا إلى مستوى الاحتكار المادي لكل وسائل الإعلام ورأس المال المتحكم فيها (5) .

حدث ذلك عبر تأسيس رجل الأعمال القريب من المخابرات، أحمد ابو هشيمة، شركة "إعلام المصريين"، وسيطرته خلال عام -بما ضخه من أموال- على سوق الإعلام المصري وشركات الإنتاج، لينسحب فجأة ويبيع أصوله لصالح شركة "إيجل كابيتال" التي تملكها المخابرات المصرية وترأسها وزيرة الاستثمار السابقة، داليا خورشيد، لتستحوذ "إيجل كابيتال" على 60% من شركة إعلام المصريين(6).

وسنتناول كل مرحلة من المراحل الثلاث من خلال اختيار عينات من المنتج الدرامي، وتناولها بالوصف والتحليل لكل مفردات الصورة التليفزيونية ومكونات العمل؛ لقياس أثر اللغة البصرية ودلالاتها، بحيث تحقق هذه العينات عدة شروط أساسية:

  • أن تكون ذات صلة بالمرحلة التي تندرج تحتها.
  • أن تكون حققت نسب مشاهدت عالية .
  • مراعاة التنوع في العينات المختارة من حيث الأهداف الدرامية.

مسلسلات رمضان  (1432 هـ- 2011م):

ألقى تكليف مبارك للمجلس العسكري بإدارة شؤن البلاد وخروجه من المشهد السياسي، في 11 فبراير 2011،  بظلال من الشك لدى العاملين في مجال الإنتاج  الدرامي التليفزيوني لعام 2011، ومع ذلك اقتربت بعض المسلسلات من ثورة يناير بدرجات متفاوتة، وإن اقتصر هذا الاقتراب في معظمه على انتقاد الأجهزة الأمنية للدولة، وإعادة تدوير القضايا الاجتماعية، ومن بينها العلاقة بين المسلمين والأقباط، وفساد رجال الأعمال.

"المواطن إكس" تبني لفكرة الثورة البيضاء:

لقطات من مسلسل "المواطن إكس"

أنتج مسلسل "المواطن إكس" في عام 2011 وعرض في رمضان من نفس العام، وجاء كأحد أهم الأعمال التي عبرت عن ثورة يناير، وكان الأكثر متابعة و الأكثر تشخيصا وجرأة في تناول الأسباب المؤدية للثورة، من خلال تناوله لقصة تشابه قصة (خالد سعيد)، أيقونة ثورة يناير. وتميز العمل، بالمعايير الدرامية والفنية، بعدة عوامل جعلت منه الأعلى مشاهدة ومن بينها:

أولا: اختيار للفكرة:

اختار صناع العمل فكرة إنسانية متعددة المحاور ومتشابكة، حيث يضعك المسلسل منذ المشهد الأول أمام حادث على الطريق الصحراوي بين السويس والقاهرة، يروح ضحيته الشاب أحمد قاسم (الممثل يوسف الشريف) وشهرته (إكس)، لتبدأ بعدها القصة بعرض أحداث ما قبل وفاته بطريقة الفلاش باك (الاسترجاع للحدث)، حيث تظهر تشابك علاقات البطل بأهله وأصدقائه وكل المؤثرين في حياته، وتدور التحقيقات حول وفاته لمحاولة معرفة من قتله، وإن كان بريئا ام متهما يستحق القتل.

سرعان ما يتحول مقتل الشاب إلى قضية رأي عام، وتظهر من خلال التحقيقات العلاقة بين الشاب وأصدقائه الثلاثة االقريبين منه وأسرار حياتهم، وتورط رجل أعمال كبير في الحادث ودور الشرطة في الموضوع، والتغير في سلوكيات الشباب المصري في السنوات العشر التي سبقت الثورة، وتغير نمط معيشتهم الذي نرى من خلاله حجم السلوكيات الغربية لدى الشباب.

ثانيا: الجرأة في الطرح:

المسلسل كان ثورة في طريقة الطرح التي اتسمت بالجرأة، وأيضا كان ثورة في اعتماده على أبطال لم يصلوا وقتها بعد لحالة النجومية، وهم: يوسف الشريف، وعمرو يوسف ومحمود عبد المغني.

ثالثا: اسلوب التصوير:

كما كان المسلسل ثورة في نوعية الكاميرا التي استخدمت للتصوير، فقد اعتمد مخرجا العمل (محمد بكير وعثمان ابو لبن ) على كاميرا 5D والتي لم يكن مطروحا وقتها استخدامها في الأعمال الدرامية، حيث كانت تستخدم في الأفلام الوثائقية والإعلانات، وبالتالي مكنت فريق العمل من تقديم أحجام لقطات وزوايا مختلفة عن تلك التي عهدناها.

يقول كاتب العمل، محمد نايل: إن الثورة خدمت المواطن "إكس"، وإنه كتب العمل قبل ثورة يناير وكان من المفترض أن ينتهي عند الحلقة 29، ولكنه أضاف الحلقة 30 بعد قيام الثورة، وأضاف أيضا بعض الجمل مثل (بكره يقولوا طارق وأحمد تمويل من الخارج )، و ذكر أمن الدولة صراحة، وهتافات الثورة ومشاهدها.(7)

على المستوى الدرامي والفني، استطاع "المواطن إكس" أن يقدم رسالة ثورية ظاهرة تمحورت حول نقد النظام السابق واتهامه بأسباب تدهور الأوضاع في البلد، وتعزيز فكرة ضرورة الثورة عليه.

بالنهاية، كانت الرسالة (نظام فاسد يستحق الإطاحة به)، ولكن ... لم تتوقف الرسالة هنا فقد ألحقت برسالة ثانية هي الأخطر، وجاءت في  الحلقة الأخيرة التي أضافها صناع العمل (الاطاحة به ومحاكمته محاكمة عادلة أمام قاض بالقانون) .

السؤال هنا: من الذي أقحم هذه الرسالة؟، ومن الذي طلب تعزيز أكبر خطيئة وقع بها الثوار برسالة درامية، وهي عدم هدم النظام ومحاكمة اتباعة محاكمة ثورية حتى صرنا نشاهد سرير مبارك المتنقل وبقاءه في مستشفى القوات المسلحة يعالج على نفقة الدولة، ثم تبرئته فيما بعد؟

خاتم سليمان: "ثورتكم عبثية":

لقطات من مسلسل "خاتم سليمان"

أنتج مسلسل "خاتم سليمان" عام 2011 وتم عرضه في أول رمضان 1432هـ/ أغسطس 2011م، وتدور قصته حول الدكتور سليمان العريني، الجراح الكبير والشهير، ولكنه ذو شخصية بسيطة عفوية، مما يحعله واقعا تحت ضغوط شديدة و يعرضه لمفارقة درامية خطيرة تغير مجرى حياته.

العجز والقهر والاحتياج لمعجزة أو تدخل ميتافيزيقي يأتي من قوة أكبر قد تكون الخاتم السحري الأسطوري، الذي تراه المخيلة الشعبية المصرية حلا لجميع المشاكل (خاتم سليمان) هي الرسالة المسيطرة من البداية للنهاية في هذا المسلسل، الذي تناول فساد القطاع الطبي من خلال شخصية الدكتور سليمان الذي تقدره الدوائر الطبية العالمية، والذي استطاع بموهبته الطبية أن ينشيء مستشفى استثماريا شهيرا، وإلى جواره عددا من المستشفيات الخيرية التي تعالج المرضي المحتاجين مجانا.

من خلال سليمان، نشاهد الفجوة بين الطبقات في المجتمع المصري ويتم إلقاء الضوء على شرائح متعددة منه (عشوائية/ شعبية/ أرستقراطية) وطبيعة العلاقة بين هذه الطبقات، وكم احتقار الطبقات الأعلى في المجتمع للطبقت الأدنى .

يدور الصراع بين نقاء سليمان وبساطته وبين شخصية زوجته المتسلطة، والتي تمثل رمزا متكاملا للفساد المالي في الدولة، بسيطرتها إدريا على مستشفى الدكتور سليمان، وفسادها البرلماني بانتمائها للحزب الحاكم وتزوير الانتخابات، فضلا عن  متاجرتها في أعضاء المرضى وتحويلهم إلى حقول تجارب للعلماء الغربيين، تحت حماية النظام وأمن الدولة.

 بسبب فساد "شهيناز"، زوجة سليمان،  يتم تلفيق تهمة الاتجار في الأعضاء البشرية له والزج به في السجن، لتأتي ثورة يناير ويجد نفسه خارج السجن بعد اقتحامه، ليواجه شهيناز في مشهد يلخص تماما رسالة المسلسل بعد ثلاثين حلقة من عرض منظومة الفساد والأسباب المؤدية للثورة عليها، فالثورة -وفقا لتلك الرسالة- ثورة عبثية لم تكتمل لأنها لم تسقط النظام وأصابته فقط إصابة غير قاتلة.

تشويه ممنهج ام مجرد استشراف؟

السؤال الذي لن نستطيع الإجابة عليه بسهولة هو: من أعطى اذن التجرؤ على الثورة مبكرا وفي أشهرها الأولى؟ وهل كانت  دراما 2011 التليفزيونية تمرر رسائلها بعيدا عما يتم تدبيره في الخفاء من قوى الثورة المضادة؟.

ما رصدناه يشير إلى أن هناك خط امتد من البداية للتشويه، سواء كان ذلك عن عمد وتوافق مع بعض النافذين في إدارة الدولة وقتها، أو كان بدافع ذاتي ورؤية استشرافية لصناع الدراما لما ستؤول إليه الأحداث؛ فمن بين 23 عملا دراميا تم إنتاجها في 2011،  تطرق 5 أعمال بصورة موسعة إلى الثورة وتناولتها من منظور واحد، وهو منظور الأسباب المؤدية لقيامها، وهي: (المواطن إكس، وخاتم سليمان، وآدم، ومسلسل "صفحات شبابية" الذي جاء في جزئين: الأول بعنوان "إيد واحدة" والثاني بعنوان "شباب الفيس بوك")، ورغم ذلك رصدنا في معظم هذه الأعمال رسائل سلبية عن الثورة .

ولم تكن الرسائل المباشرة هي فقط ما تم تقديمه من خلال المسلسلات السابقة، لكن كانت هناك أيضا رسائل مبكرة لتشويه التيار الإسلامي من خلال عرض مسلسل "الريان"، والربط بين فساد الدولة المباركية وفساد "مجموعة الريان للاستثمار"، إحدى كبريات شركات توظيف الأموال في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، وربط ما حدث برموز العمل الإسلامي؛ لينشأ لدى المشاهد ارتباط شرطي بين مبارك والإسلاميين يضعهم جميعا في سلة واحدة، وهو ما قامت عليه  الدعاية ضد سنة الحكم التي تولى فيها الدكتور محمد مرسي رئاسة الدولة، ثم بروزة مصطلح "الفاشية العسكرية والفاشية الدينية".

رمضان 2012 .. "البلطجي" بطل شعبي:

لقطات من مسلسلي طرف ثالث و العراف

لقطات من مسلسلي "الهروب" و "العراف"

رغم الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد منذ إزاحة رأس النظام، حسني مبارك ، شهد الإنتاج الدرامي المصري في العام 2012 انتعاشة وزيادة عن العام 2011، فقد ارتفع الإنتاج إلى 39 مسلسلا في 2012، بعد أن كان 23 فقط في العام السابق.

ويبدو أن مرجع الأمر لزيادة عدد القنوات المصرية الخاصة التي تم افتتاحها في ذلك العام، الذي شهد ضخا للأموال الخليجية (الإماراتية والسعودية تحديدا) في سوق الإعلام والإنتاج الدرامي، وظهور فئات تتبع رجال أعمال محسوبين على هاتين الدولتين.

الغريب أن عدد المسلسلات، التي تناولت او اقتربت من ثورة يناير لم يزد على 6  مسلسلات في ذلك العام، الذي شهد انتخابات رئاسية في شهر يونيو حقق فيها التيار الاسلامي استحقاقا انتخابيا كبيرا بفوز مرشحه الدكتور محمد مرسي؛ ليصبح أول رئيس ينتخبه المصريون منذ نشأة الدولة المصرية، وهو أمر يدعو لمزيد من التساؤلات حول الجهة التي توجه دفة الإنتاج في مصر، وأيضا حول قناعة العاملين في الحقل الفني وسوق الدراما بأهمية دعم الثورة والتعبير عنها.

لم يمثل حجم الإنتاج الدرامي، الذي تناول ثورة يناير بعد عام من قيامها، أكثر من 15.38%، وهو أمر يثير الدهشة، ومع ذلك فرسائل هذه المسلسلات تركزت حول مجموعة مفاهيم لا تصب في صالح الثورة أو الثوار، وهي:

1- الثورة لم تغير غير الوجوه.

2- الإسلاميون عموما، والإخوان خصوصا، مجموعات تسعى لمصالحها وتستغل المواطن البسيط واحتياجاته، تماما مثل الدولة القمعية التي ثرنا عليها.

3- التأسيس لفكرة الفصل بين الشعب والحركة الإسلامية، التي وصلت ذروتها بعد ذلك بأغنية "انتوا شعب واحنا شعب"، فالإسلامي في دارما رمضان لم يصل حتى لدرجة المثقف العلماني أو الشيوعي، أو حتى الملحد المنفصل عن الواقع والملتحم بالجماهير.

4- الإسلاميون لم يشاركوا بالثورة بجدية وإن ظهروا في الصورة ليركبوا موجتها مصالحيا.

5- الملتزم دينيا منغلق وغبي، يحمل مجموعة من التعليمات الشرعية يسميها فقه، لا تتناسب والمجتمع، ودائما ما يتصرف بحمق إذ أراد مساعدة الناس، فهو لايستطيع حتى إدارة نفسه ليدير الدولة .

6- البلطجي "دنجوان" ورومانسي وشهم وحامي مصالح الغلابة.

7- الحالة الوحيدة التي يُمدح فيها من يتبع تيارا أو حركة إسلامية، أو يحمل فكرا إسلاميا، حين يتوب ويتطهر من رجس "الإسلاموية" (كما يراها العلمانيون) ويعود لصف الجماهير.

لذلك شاهدنا مسلسل مثل "باب الخلق"، وهو أحد المسلسلات الستة التي اقتربت على استحياء من الثورة، يقدم لنا الإسلامي التائب عن فكرته، وكأن فكرة الانتماء لرؤية ما تحمل مشروعا إسلاميا لابد من التراجع عنها، بل والمعاناة من ملاحقة الدولة البوليسية التي تشك في توبة الشخص المتدين ومن الجماعة التى ينتمي لها.

لم تكتف دراما رمضان 2012 بالترويج للنقاط السبع السابقة، ولكنها في هذا العام بدأت في تجهيز لاعب جديد سيدخل ضمن مجموعات الأقليات المتساندة، بعدما كان مجرد فرد في تنظيم أمني أدخلته الدولة ضمن أجهزتها القمعية في عصر حبيب العادلي، وجعلت منه ومن أمثاله وحدة أشبه ما تكون بوحدة المستعربين في الجيش الصهيوني، وهو "البلطجي".

ظهور البلطجي على شاشة دراما 2012 كان لافتا، فمازال ميدان التحرير شاهدا على موقعة الجمل التي استخدم فيها البلطجية لفض الميدان، ولكن دراما رمضان أرادت تحويل الأنظار عن الصورة السلبية، وإيقاع الجماهير في عشق البلطجي، فحولته  إلى "البطل الدنجوان" معشوق النساء، الذي يحمل قيما خاصة تجمع ما بين الرومانسية والشهامة.

نستطيع تلخيص الرسالة الدرامية في عام 2012 في جملتين:

- البلطجي من الشعب وله أخطاؤه التي نغفرها له، فهو ضحية فساد الكبار والمجتمع، والبلطجي من داخله شخص صالح.

- الإسلاميون ليسوا من نسيج الشعب ولا يحملون قيمه، وهم فاسدون مهما تظاهروا بالصلاح.

"طرف ثالث" يقدم البلطجي كضحية!

أنتج مسلسل طرف ثالث عام 2012 وتم عرضه يوم 1 رمضان سنة 1433 هـ، الموافق 20 يوليو 2012، بعد شهر أو أقل تقريبا من إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، والتي أقرت بأحقية مرشح الإخوان المسلمين، الدكتور محمد مرسي، برئاسه مصر.

تبدأ أحداث المسلسل باندلاع ثورة يناير، ويناقش المرحلة الانتقالية بعيون ثلاثة أصدقاء يتم استغلالهم في أعمال البلطجة من قبل شخصية نافذة (الجنرال) في دولة مبارك، لم يؤثر قيام الثورة على قوتهم، فهم أداة الانتقام التي يطلقها على أعداء النظام، الذي لم يفقد غير رأسه، فنراهم في كل الأحداث التي تلت الثورة وهم ينفذون مهام للجنرال في مجلس الوزراء ومحمد محمود ..الخ

الرسالة في هذا المسلسل كانت الأخطر، إذ حاولت إيجاد تصالح بين البلطجي والمجتمع، فالثلاثي الذي كان أداة قمع الجنرال سيكتشف فجأة أنهم استغلوا من قبل الجنرال وسيقومون بمواجهته والتصدي له حتى لا يلتهمهم ويلتهم الجميع، في إشارة الى امكانية التلاحم الشعبي بين البلطجي والشعب لإنهاء النظام.

"الهروب".. لا فرق بين الإسلاميين والنظام:

لقطات من مسلسل "الهروب"

أما مسلسل "الهروب"، الذي تم عرضه أيضا في أول رمضان 1433 هـ، 20 يوليو 2012م، فكان مخصصا للهجوم على طرفين أساسيين: الإخوان ودولة مبارك بأجهزتها الأمنية، من خلال شخصية الشاب محمود عبد الناصر (الممثل كريم عبد العزيز)، الذي حرم من أبسط حقوق المواطنة بسبب نشاطات والده السياسية بين العمال، والسعي كمناضل يساري خلف حقوقهم. يحرم محمود عبد الناصر من حقه في التعيين كمعيد بقسم الميكانيكا بكلية الهندسة، وبسبب نشاطات أخوه المنتمي لحركة 6 أبريل يصبح هو والأخ تحت المراقبة والرصد من مباحث أمن الدولة، ويتم اعتقاله أكثر من مرة للاشتباه.

يحاول محمود التأقلم مع الوضع الذي حشرته الظروف فيه، وملاحقات الأمن غير العادلة، وينتقل إلى الاسكندرية ليعمل في إحدى ورش الميكانيكا، ليقع حادث كنيسة القديسين ويجد نفسه متهما بتفجيرها، ويتم اعتقاله في سجن وادي النطرون شديد الحراسة، وهناك يلتقي بالدكتور (عضو إحدى الجماعات الإسلامية)، وتتوالى الأحداث حتى الهجوم على السجن، ويهرب مع هربوا ويقوم بملاحقة الضابط الذي لفق له التهم.

كانت رسائل المسلسل الأساسية هي: احتقار الإسلاميين عموما، بكل تياراتهم وجمعهم جميعا في سلة واحدة واعتبارهم امتداد واحد للعنف والانتهازية والطائفية والانغلاق التنظيمي، حتى فيما بينهم وبين بعضهم، وأنهم لا يقدمون مصلحة لأحد إلا بمقابل، بل وتعاونهم مع الأنظمة السابقة لتظل مكاسبهم المادية والمعنوية مستمرة.

تلك الرسائل جاءت موازية في المسلسل لفضح فساد النظام الأمني وإظهار عدم عدالة الدولة المباركية في معاملة المواطنين وحرمانهم من أبسط حقوقهم، وجعلهم متهمين طول الوقت.

ومع ذلك أنهى المسلسل رسالته بنفس نغمة مسلسلات 2011 وهى الملاحقة القانونية لا الثورية للفاسدين من جهاز أمن الدولة .

الخلاصة أن 6 مسلسلات تناولت الثورة من إجمالي 39 أنتجت في 2012 وهي (الهروب/ طرف ثالث/ البلطجي/ باب الخلق/ بالأمر المباشر/ هرم الست رئيسة) لم تخرج عن تناول الأسباب المؤدية للثورة والعلاقة بين المواطن والدولة وفساد النظام بكل مكوناته السياسية والأمنية وغيرها، وتركزت رسالتها في محورين:

  1. فض العلاقة الحميمة التي كادت تنشأ بين نواة الكتلة الحرجة والشعب، بتشويه التيار الإسلامي، وفي القلب منه الإخوان المسلمون، حتى لا يحدث هذا التلاحم مرة أخرى بقيام ثورة جديدة أو يتلاقى الثوار في حراك يهدد مخطط المجلس العسكري.
  2. الإبقاء على فكرة المحاكمات القانونية لأعضاء ومؤسسات النظام السابق، وهو هدف مرحلي سينتهي بانقلاب يوليو 2013.

المرحلة الأخيرة.. 2013 وما بعدها:

شهدت مصر منذ 2013 مناخا سياسيا شديد التعقيد، مما انعكس بطبيعة الحال على الأفق السياسي المسموح به لحرية الأفكار والتعبيرعن الرأي، مقارنة بالانفتاح في الفترة ما بين 2011 إلى 2013.. وهناك العديد من المؤشرات على طبيعة السياق السياسي الذي تشهده مصر في السنوات الأخيرة لا مجال لتفصيله هنا (8).

أغلق السيسي منذ اليوم الأول الباب على أية فرصة لاستكمال مسار يناير في تغيير الأوضاع في مصر، وأعلنها صراحة فيما بعد بكل وضوح، حين قال: "احذروا الكلام اللي كان اتعمل من 7 أو 8 سنين موش هيتكرر تاني" (9).

 تلك الرؤية، التي عبر عنها السيسي صراحة، تبنتها أذرع الثورة المضادة منذ اليوم الأول للانقلاب، وسعت باستخدام قوتها الناعمة من إنتاج اعلامي متكامل، وفي القلب منه الإنتاج الدرامي، لتشويه ثورة يناير وتحميلها كل المشكلات التى عانى منها المصريون خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها وحتى مشكلات ما قبل الثورة.

وبدت الدراما السياسية وكأنها ورثت الموعد السنوي للدفاع عن بقاء الانقلاب، ومع كل عمل فني كان الجدل هو سيد الموقف، بعدما وقعت كل الأعمال تماما في أسر النظام وكرست وجهة نظره بشيطنة الثورة وكل خصوم النظام.

 ونستطيع تلخيص الرسائل التي حملتها دراما رمضان منذ 2013 وما بعدها في عدة نقاط:

  • التخوين والتشكيك في الثورة ورموزها.
  • تحسين صورة الأجهزة الأمنية (جيش / شرطة/ مخابرات / أمن دولة).
  • تبرير العنف من قبل رجال الأمن والقتل خارج إطار القانون بدعوى الحفاظ على الوطن والأمن القومي.
  • الترويج لفكرة أن جماعات العنف وتنظيم داعش كانوا في خدمة "الإخوان" للاستيلاء على الدولة.
  • نفي الوطنية عن كل من شارك في معارضة الانقلاب، أو رفض 30 يونيو، وتخوينه.
  • تعزيز إشاعة أن الثورة خطط لها أطراف خارجية ومنظمات مشبوهة مرتبطة بمخابرات معادية
  • اعتبار أن ما حدث في 30 يونيو ثورة ضد الإخوان وتصحيح للأوضاع
  • الترويج لـتظاهرات 30 يونيو باعتبارها "ثورة" حررت الشعب من الحكم الديني الثيوقراطي وأنها أنقذت البلاد من الغرق.
  • تعديل شعار "الجيش والشعب إيد واحدة" إلى "الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة" .

ومع دخول الشهر الكريم منذ عام 1432هـ/ 2013م، لم تخل سنة من السنين من وجود عدد من الأعمال الدرامية التي تضمنت الرسائل السابقة وترويجها بين الجمهور، وسنحاول هنا أن نتخير الأكثر شهرة منها:

"العراف" نصاب مرشح لرئاسة الدولة بعد الثورة!:

لقطات من مسلسل "العراف"

باقتباس حرفي من الفيلم الأجنبي "أمسك بي إن استطعت"، جاء مسلسل "العراف"، الذي تم إنتاجه عام 2013، وعرض في الأول من رمضان 1434هـ، الموافق التاسع من يوليو 2013م؛ ليشوه الثورة والعملية الديمقراطية باستحقاقاتها الانتخابية، ويشير إلى وجود أياد خارجية قامت بفض السجون، متهما الفلسطينين من غزة تحديدا.

"العراف" (عادل إمام) نصاب محترف منتحل للعديد من الشخصيات، فهو رجل أعمال ومحام وطبيب مشهور وسفير وسياسي، ولكن لا أحد  يعرف شخصيته الحقيقية، والوحيد الذي يعرفه هو اللواء  سامح سيف الدين (حسين فهمي) الذي قبض عليه من قبل، وقد عاد لملاحقته من جديد ومطاردته في جميع المحافظات.

وعندما يعلم العراف بعودة اللواء سيف يتوقف عن النصب ويحاول أن يجمع أولاده  الذين أنجبهم في المحافظات المختلفة من زيجات مختلفة، ليتم القبض عليه ويحكم بالسجن سبع سنوات، إلا أنه يخرج بعد اقتحام السجون في يناير 2011، ليظهر بعدها في إحدى الفضائيات يرشح نفسه للرئاسة وتتوالى الأحداث، في إشارة واضحة الى جماعة الإخوان والرئيس مرسي.

حمل المسلسل عدة رسائل ضمنية، فالعراف الذي سيركب الثورة ويكون مرشحا رئاسيا لها، لن يقدر على إيقافه سوى شخص وحيد هو رجل الأمن، الذي كان يلاحقة وسيظل يلاحقه حتى بعد أن يترشح للرئاسة وبعد الثورة، وهي رسالة ضمنية أن القوة الأمنية ومؤسسات الدولة القمعية هي ضمانة الاستقرار في مواجهة الجميع (ثوار ومنحرفين)،  فليس للشعب من يحمية غير "سامح سيف الدين".

 وهنا تجدر ملاحظة أن المسلسل عرض أثناء اعتصام ميدان رابعة في القاهرة، وسخونة الأحداث، وجاءت حلقته الأولى قبل إعلان السيسي رسميا عن الانقلاب، ومع ذلك سخر المسلسل من مرشحي الرئاسة، وجعل من "النصاب" أحد المرشحين بناء على مطالب الجماهير ورغبتهم (في إشارة إلى ما اعتبره السيسي سقطة الشعب بالسعي لتغليب مرشح الإخوان الذي خرج من السجن بعد اقتحامه على شفيق مرشح الجيش).

لم ينس المسلسل، كغيره من مسلسلات تلك الفترة، أن يشير إلى وجود عناصر خارجية ساهمت في ثورة يناير، وأن هذه العناصر هي من قامت باقتحام السجون، ففي الحلقة التي يهرب فيها العراف من السجن نشاهد من يرتدون الكوفية الفلسطينية ويقتحمون السجون ويهربون المساجين.

"هجمة مرتدة".. توجيه دفة العداء إلى أبناء الثورة:

لقطات من مسلسل هجمة مرتدة

حتى وقت قريب كان المتعارف عليه، فى ثقافتنا المرئية، وذاكرتنا الدرامية، أن مسلسلات «الاستخبارات» هى تلك المأخوذة عن ملفات المخابرات العامة المصرية، فى صراعها الطويل مع «الموساد» الصهيوني، ويُطلق عليها، فى الغالب، مسلسلات «الجاسوسية».

ولكن مسلسل "هجمة مرتدة"، الذي تم إنتاجه عام 2021 كان له رأي آخر، فالعدو وفق منظومة الانقلاب لم يعد "إسرائيل"، ولكن أولئك الذين قاموا بالثورة، فهم -وفق ما جادت به قريحة المؤلف  (باهر دويدار)، وما روجه بالتعاون مع جهاز المخابرات المصرية- مجموعة من الخونة فاقدي الانتماء للوطن باحثين عن المال، تعاونوا مع أجهزة مخابرت دولية من أجل إشاعة الفوضى وإسقاط الدولة، ولكن المخابرات كجهاز وطني قوي استطاع كشفهم.

تصدر تتر المسلسل لافتة من ملفات المخابرات العامة المصرية، لتعود بالمشاهد إلى نوستالجيا الصراع المصري الصهيوني ومسلسلات (جمعة الشوان، و رأفت الهجان و الحفار) وغيرها؛ ليتحفز المشاهد عاطفيا ويتوحد مع البطل المخابراتي وينفر ويصارع داخليا عدو الوطن.

لم يخل المسلسل بالطبع من ظهور ما لجهاز الأمن الخارجي الصهيوني (الموساد) في الخلفية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الأعداء غير الواضحين، ويدور الصراع خارج مصر، فالعملية تتم على الحدود السورية العراقية، أما الخونة فهم أعضاء منطمات حقوقية وإغاثية واشخاص تقابلهم في طريقك يوميا في الجامعة والمقهى.. الجميع متآمرون يعملون في شبكة ممتدة لإسقاط مصر؛ بحجة الثورة على الأوضاع .

 المسلسل يقدم وجبة دسمة من تصدير "فوبيا الثورة"، والتحذير من الاقتراب من أي طرح للتغيير، فوفقا لمسار الأحداث أنت مراقب من كل أجهزة المخابرات العالمية، حتى لو كنت شخصا عاديا، فأنت مثير لاهتمام شخص ما يريد أن يجندك، قد يكون صديقك أو رئيسك في العمل.. الكل يراقبك والكل يسعى إليك، وليس لك إلا حضن الوطن وعليك إبلاغ أجهزته الأمنية لتصبح في أمان.

تأخذنا أحداث المسلسل إلى عام 2007، انطلاقا من العراق الذي مر على احتلاله أربعة أعوام وأصبح مرتعا لأجهزة المخابرت الدولية، والجماعات الإرهابية، يلتقي هناك سيف (الممثل أحمد عز)، عميل المخابرات المصرية المزروع في العراق قبل الغزو، مع زميلين آخرين مهمتهما جمع المعلومات عن الجماعات الإرهابية هناك.

وعبر عنوان فرعي ولقطة عامة، ينتقل سيف إلى إحدى دول شرق أوربا (دون تحديد اسمها) ليلتقي بدينا (هند صبري) التي تعمل في منظمة غير حكومية، وهي أيضا عميلة للمخابرات تتابع نشاط المنطمة المشبوهة، وتحاول أن تكسب ثقة من يقومون عليها.

دلالات اختيار نقطتتي البداية من (العراق ودولة أوربية شرقية) هي تأهيل المشاهد لفكرة المؤامرة، فالعراق يثير في النفوس الرعب من الاحتلال الأمريكي والفوضى وجماعات العنف والتفجيرات، أما دولة شرق أوربا فهي إشارة إلى صربيا وتدريب شباب الثورة على الاحتجاج السلمي هناك..هكذا تتهيأ نفوس المشاهدين تماما لتلقي فكرة المؤامرة المؤدية لثورة يناير.

لقد جمع كاتب السيناريو كل الروايات "التخوينية" للثورة -بتفاصيلها- في إطار درامي، وأضاف إليها "بهارا" من ملفات المخابرات المصرية، ليقنعنا أننا أمام رواية جهاز سيادي يحمل له المصريون صورة ذهنية جيدة معززة بالثقة فيما يخرج منه، وليضعنا أمام رواية أن الثورة مؤامرة لتنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة وإخضاع مصر لحكم الإخوان المسلمين برعاية الغرب.

وما دامت المخابرات ارتضت أن تضع اسمها كصاحبة نشر للملف، نستطيع القول إن هذه رواية رسمية من الدولة، ومباشرة أيضا، للرأي العام، وهي رسالة مطلوب أن تصل للجماهير، وهذا يزيد من التأكيد على محاربة الدولة بكل أجهزتها لمحاولة استعادة الثورة مرة أخرى في نفوس المصريين وجعلها مجرد مؤامرة.

النتائج:

بعد هذا العرض لأهم مضامين الدراما الرمضانية منذ الثورة وحتى الآن يمكننا استخلاص النتائج التالية:

تشويه ثورة يناير في الدراما التليفزيونية الرمضانية  بدأ منذ العام 2011، سواء كان ذلك بتعاون بين المجلس العسكري وجهات الإنتاج الخاصة، أو كان لغياب جهات إنتاجية تتبنى الفكر الثوري.

بدأ التشوية متدرجا ومرحليا في 2011 باتهام الثورة بالعبثية وعدم القدرة على الاستمرار ثم إنتاج مسلسلات تهاجم بعض المحسوبين على التيار الاسلامي تمهيدا لتشويهه في مرحلة تالية.

كان عام 2012 أكثر جرأة في تشويه الثورة وتشويه النواة الصلبة في كتلتها الحرجة، بل والترويج لدور البلطجي كحامي حمى الثورة والمدافع عن الشعب، وجعله بديلا للإخوان، والسعي خلال تلك الفترة لفض العلاقة بين الشعب وبين الإخوان تحديدا بتشويههم حتى لا يعود الميدان الثوري ويلتحم مرة أخرى .

خلال العامين 2011 و2012، ونظرا لضبابية ما يمكن أن يحدث على الأرض والخوف على رموز النظام السابق من التحول لمحاكمتهم ثوريا، كان الترويج وبشده لفكرة اللجوء للقانون لمحاربة الفاسدين ممن تسببوا في الحال الذي وصلت إليه البلاد.

مع اتساع الاحتجاجات ضد الثورة واقتراب الانقلاب على الدكتور محمد مرسي، ونجاح الانقلاب في اعتقاله، اشتد سعار الهجوم على ثورة يناير، وبدأت مرحلة تخوين الثوار واعتبار أن الثورة مؤامرة للتمكين لحكم الإخوان، وعادت نغمة تحسين الصورة الذهنية للشرطة ولأمن الدولة ولكل الأجهزة العسكرية المصرية.

اشتدت موجة الهجوم على الثورة منذ العام 2016 بعد تأميم الحياة الثقافية والإعلامية والسيطرة الكاملة للدولة على الفن والإنتاج الدرامي والسينمائي.

المصادر:

  1. سيزا قاسم، القاريء والنص (العلامة والدلالة) –القاهرة المجلس الاعلى للثقافة 2002
  2. ستيفين ميلفيل –بيل ريدينجز (الرؤية والنصية)  ترجمة سيد عبد الأهل، القاهر الهيئة العامة للكتاب .
  3. خالد البغدادي –اتجاهات النقد في فنون ما بعد الحداثة- القاهرة-الهيئة المصرية للكتاب 2008.
  4. فريد الزاهي، العين والمرآة (الصورة والحداثة البصرية)،المغرب، منشورات وزارة الثقافة 2005.
  5. عماد ناصف –إعلام المرأة الحديدية قرأة في صفقة بيع إعلام المصريين ،مركز رؤيا للدراسات 22 سبتمبر 2017 متاح عبر الرابط “إعلام “المرأة الحديدية” ..قراءة في صفقة بيع “إعلام المصريين – رؤيا للبحوث والدراسات (ruyaa.cc).
  6. نفس المصدر السابق
  7.   محسن حسنسي  - اسرة المواطن اكس لم نقدم قصة خالد سعيد – المصري اليوم 3-9-2011 – متاح رابط بالفيديو.. أسرة «المواطن إكس»: لم نقدم قصة «خالد سعيد» وفزنا بشهادة الجمهور والن  قاد (almasryalyoum.com).
  8. سيف لدين عبد الفتاح بجديد الدين ام تأميم وتبديد المواطنة –عربي 21 -26-ديسمبر 2021 متاح رابط تجديد للدين أم تأميم وتبديد؟!.. المواطنة من جديد (70) ... (arabi21.com)
  9.  السيسي : «اللي حصل من 7 سنين مش هيتكرر تاني.. احذروا» (youtube.com)

 

 رابط. الدراسة  على موقع  مركز إنسان 

https://www.insan-center.org/الثورة-المضادة-وتشوية-ثورة-يناير