لخصت الطبيبة إيمان حسين، رحلة معاناة المصريين مع قصة انحدار الجنيه منذ عشر سنوات بقولها: إن التعويم "هيزود المعاناة على المواطنين. كان يُفضّل إن الخطوة دي تتأخر شوية، الدولة لو ماوفرتش دولار هتفضل نفس المشكلة، ده مُسَكّن مؤقت وهنرجع لسعرين للدولار تاني".

وبعد انتظار نحو عام كامل إثر فشل حكومة الانقلاب في توفيق أوضاعها وتنفيذ شروط صندوق النقد، نفّذ البنك المركزي المصري عملية تحريك كامل لسعر صرف الجنيه (التعويم الحر)، الأربعاء، لتحدد قوى العرض والطلب داخل الأسواق المحلية، أسعار بيع وشراء الجنيه.

في مؤتمر صحفي له، الأربعاء، أكد محافظ البنك المركزي حسن عبدالله، أن البنك ترك سعر صرف العملة المحلية "الجنيه" تحدده قوى العرض والطلب في الأسواق.

ويعني ذلك، أن أسعار الصرف أصبحت خاضعة للعرض والطلب على العملة المحلية في الأسواق، لكن عبدالله أكد أن البنك سيتدخل فورًا عند أية تحركات غير منطقية.

بذلك، أصبح الدولار الأمريكي يُباع في السوق المصرية خلال التعاملات المبكرة، الخميس، 49.5 جنيها، مقارنة مع 50 جنيهًا بعد إعلان تحريك سعر الصرف الأربعاء، و31 جنيهًا قبيل قرار البنك المركزي.

 

تسلسل زمني

نستطيع القول إن رحلة خفض مصر قيمة عملتها جرت أكثر من مرة في تاريخها استجابةً لأزمات، أو في محاولة للتسوية بين العرض والطلب، من أجل تحسين الأداء الاقتصادي وزيادة احتياطاتها من العملات الأجنبية، وهو ما أثّر في الوقت ذاته على مستويات معيشة المواطنين.

بالعودة إلى 10 سنوات مضت، كان سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق يبلغ 6.8 جنيهات، مقارنة مع 5.8 جنيهات قبيل ثورة يناير 2011، التي تسببت بالإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، وفقًا لـ"الأناضول".

2014، كان العام الذي تولى فيه قائد الانقلاب الحالي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، وبالتحديد منذ 3 يونيو 2014، حينها كان يباع الدولار بـ 6.9 جنيهات.

في تلك الفترة واجهت مصر تحديات مرتبطة بترقب المستثمرين الأجانب استقرار السوق المصرية، وتباطؤ السياحة الوافدة، واتجاه الدولة إلى الاقتراض لتلبية الطلب المتزايد على النقد الأجنبي.

وواصل الجنيه التراجع التدريجي والبطيء في السوق الرسمية خلال 2015 و2016، وهو العام الذي نشطت فيه السوق الموازية لسعر الصرف، حين بلغ الدولار 22 جنيهًا مقارنة مع 8.8 جنيهات في السوق الرسمية.

في نوفمبر 2016، توصلت مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي، يرافقه قرض مالي بقيمة 12 مليار دولار.

واشترط الصندوق للتوقيع على اتفاق القرض والإصلاح الاقتصادي، تنفيذ تعويم للجنيه، وهو ما تم 3 نوفمبر 2016، دفع إلى تراجع الجنيه إلى متوسط 17 أمام الدولار.

بعد شهور قليلة من التعويم، قضت الحكومة والبنك المركزي على السوق الموازية، وأصبح هناك سعر واحد للجنيه في الأسواق حتى مارس 2022، بلغ 16 جنيهًا.

وفي الفترة بين 2017 - 2022، نجحت الحكومة بإدارة سوق الصرف في إحدى أكثر الفترات صعوبة على الاقتصاد المحلي خلال الألفية الحالية، تمثلت بتفشي جائحة كورونا.

مع انتشار الفيروس وغلق العالم أبوابه وتعليق صناعة السياحة وهبوط الاستثمار الأجنبي على مستوى العالم، كانت الحكومة والبنك المركزي يقودان مهمة توفير النقد الأجنبي لتلبية النفقات، بصدارة الاقتراض من الخارج.

بالمتوسط، تشير بيانات البنك المركزي أن مداخيل الدولة من النقد الأجنبي، تبلغ قرابة 100 مليار دولار، معظمها يأتي من السياحة الوافدة، وتحويلات العمالة بالخارج، وعوائد الصادرات ورسوم الملاحة عبر قناة السويس.

في المقابل، تتجاوز النفقات السنوية بالنقد الأجنبي قرابة 130 مليار دولار، معظمها يتجه لدفع فاتورة الواردات، وسداد ديون دولية وفوائد أقساط الديون المستحقة.

في الربع الأخير 2021، واجهت مصر زيادات متتالية على أسعار المستهلك، مدفوعة بزيادات أسعار الوقود، والغذاء العالمي بالتزامن مع استمرار أزمة تذبذب سلاسل الإمدادات بعد جائحة كورونا.

وكانت النقطة المفصلية الأصعب، اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، وارتفاع التضخم العالمي لمستويات قياسية بصدارة أسعار النفط والمشتقات والحبوب وأسعار الغذاء.

مع اندلاع الحرب، تخارجت استثمارات أجنبية من مصر بأكثر من 20 مليار دولار وفق وزارة المالية، بينما تضاعفت كلفة الواردات الشهرية من السلع من 5.5 مليارات دولار شهريًا إلى 9.5 مليارات بسبب التضخم.

 

السوق الموازية السوداء

اضطر البنك المركزي إلى تنفيذ تحريك في سعر الصرف، مع ظهور السوق الموازية للجنيه، والدخول في مباحثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.

في مارس 2022 بلغ الدولار في السوق المصرية 18.9 جنيهًا من 16 جنيهًا سابقًا، تبعه تحريك ثان وثالث في سعر الصرف خلال النصف الثاني 2022، ليبلغ سعر صرف الدولار 31 جنيهًا.

في ديسمبر 2022، أعلنت مصر التوصل لاتفاق قرض مالي بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، ضمن برنامج إصلاحات اقتصادية.

ومنذ ذلك التاريخ، استقر سعر صرف الدولار عند 31 جنيهًا، لكنه شهد ازدهارًا أكبر في السوق الموازية، والتي بلغت فيها أسعار الصرف 40 ثم 50 ثم 60 وصولًا إلى 70 جنيهًا حتى منتصف فبراير الماضي.

ازدهار السوق الموازية، تزامن مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومعها تراجعت مداخيل مصر من النقد الأجنبي.

يعود تراجع المداخيل، بسبب هبوط صناعة السياحة، وتراجع قيمة رسوم عبور قناة السويس بنسبة 50 بالمئة، مطلع العام الجاري، بسبب هجمات جماعة الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، العابرة للبحر الأحمر.

ومنذ الشهر الأول للحرب على غزة، أكد صندوق النقد أنه سيتحرك لمساعدة مصر لمواجهة أزمتها النقدية والمالية، وهو ما توج أمس الأربعاء بتوقيع اتفاق قرض مالي جديد بدل المُوقَّع في ديسمبر 2022 البالغ 3 مليارات دولار.

يبلغ القرض الجديد للصندوق 8 مليارات دولار، ويأتي إعلانه بعد ساعات من رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أسعار، وتنفيذ تحريك كامل لسعر صرف الجنيه.