عارضت الولايات المتحدة الأمريكية، الثلاثاء الماضي، مشروع قرار قدمته الجزائر، يدعو إلى وقف "فوري" لإطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية، على الرغم من تأييد 13 عضوًا من أصل 15، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت "الفيتو" وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت.

 

الفيتو الأمريكي حصن لأمان إسرائيل

وهذه المرة الثالثة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة "الفيتو" بمجلس الأمن منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، ضد مشاريع قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.

فبعد مرور 5 أيام على انطلاق الحرب، وتحديدًا في 12 أكتوبر، فشل مجلس الأمن في إصدار قرار بشأن وقف فوري لإطلاق النار، وفي 16 من ديسمبر، فشل المجلس في إصدار قرار بإرسال بعثة تقصي حقائق للتحقيق في دعاوي ارتكاب إسرائيل "جرائم حرب".

ومجلس الأمن يضم 15 دولة، منها خمس دائمة العضوية هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، و10 دول تنتخبها الجمعية العامة وفق التوزيع الجغرافي، وسنويا يتم تجديد نصف مقاعد الأعضاء المنتخبين.

و"الفيتو" صلاحية تعطى للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، تبطل من خلاله تنفيذ أي قرار يتعارض مع مصالحها، وقد استخدمته الولايات المتحدة 89 مرة، وفق تقارير أمريكية، كان منها 46 مرة من أجل إسرائيل.

ويعود استخدام أمريكا الفيتو لصالح إسرائيل أول مرة إلى عام 1972، وذلك في مشروع قرار يتضمن شكوى بشأن هجوم إسرائيل على لبنان، ثم توالى استخدامها للفيتو لدعم إسرائيل على مدى عقود.

 

أبرز قرارات الفيتو

3 عام 1976، كان أبرزها في 26 يونيو 1976، ضد مشروع قرار يؤكد حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في العودة والاستقلال الوطني والسيادة في فلسطين، طبقًا لميثاق الأمم المتحدة.

2 عام 1982، واحد منها كان في إبريل ضد مشروع قرار يدين، أشدّ الإدانة، أعمال التدنيس المروّعة، التي ارتُكبت من قبل (إسرائيل) داخل فناء الحرم الشريف.

في الثاني من أغسطس 1983، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد مشروع قرار يشجب بقوة بناء المستوطنات، ويعتبرها غير شرعية، ويدين الاعتداءات ضد السكان المدنيين، لا سيما قتل وجرح طلاب في جامعة الخليل في 26 يوليو 1983.

في الـ 13 سبتمبر 1985، كان الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار يدين الممارسات الإسرائيلية القمعية ضد الفلسطينيين، ويطالب إسرائيل أن توقف فورًا جميع تدابير القمع، بما فيها حظر التجول والاحتجاز الإداري والترحيل القسري، والإفراج عن جميع المحتجزين.

30 يناير 1986، اتخذت الولايات المتحدة الفيتو بحق مشروع قرار يشجب بقوة استمرار رفض إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) الامتثال لقرارات مجلس الأمن؛ ويعرب عن استيائه الشديد من الأعمال الاستفزازية التي انتهكت حرمة الحرم الشريف بالقدس.

عام 1988، استخدمت واشنطن ذات الحق مرتين، كان الأول في فبراير ، والثاني في إبريل، وكان كلاهما يتعلقان بحقوق الإنسان الفلسطيني.

3 مرات استخدم "الفيتو" الأمريكي في مجلس الأمن عام 1989، خلال فبراير ويونيو ونوفمبر، ولم تختلف تلك المشاريع في المضمون، لكن أبرزها كان الثاني، والذي أدان سياسة إسرائيل "القمعية"، وطالبها بالكف عن ترحيل الفلسطينيين.

31 مايو 1990، نقضت واشنطن مشروع قرار بإرسال لجنة دولية إلى الأراضي العربية المحتلة لتقصي الحقائق حول الممارسات القمعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني؛ وتقدم تقريرها إلى مجلس الأمن.

وبعد 5 أعوام، حضرت الفيتو الأمريكي مجددًا في مجلس الأمن، في شهر مايو 1995، ضد مشروع قرار يعتبر مصادرة الأراضي في القدس الشرقية إجراء باطل؛ ويطالب بإلغاء قرارات المصادرة؛ ويدعو إسرائيل إلى الامتناع عن مثل هذا الاجراء في المستقبل.

أكد مشروع قرار لمجلس الأمن أن المستوطنات غير قانونية، وتشكل عقبة كأداء أمام عملية السلام؛ وطالب إسرائيل بوقف أنشطتها الاستيطانية، لكن الولايات المتحدة أفشلته بالفيتو في 7 مارس 1997.

في 27 مارس 2001، حضر الفيتو الأمريكي مرة أخرى إلى جانب إسرائيل، وذلك ضد مشروع قرار يؤكد أن عليها أن تتقيد بدقة باتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب؛ ويدعو إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والاستفزاز والعقاب الجماعي، وإلى إعادة الحالة إلى الأوضاع والترتيبات التي كانت موجودة قبل سبتمبر 2000.

14 ديسمبر 2001، اتخذت الولايات المتحدة "حق النقض" ضد مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف جميع أعمال العنف والاستفزاز والتدمير فورًا، وعودة المواقع والترتيبات لما قبل أيلول 2000؛ ويدين جميع الأعمال التي تستهدف المدنيين، ويدعو إلى استئناف المفاوضات بين الجانبين.

وفي 20 ديسمبر 2002، استخدمت واشنطن الفيتو ضد قرار قدمته سوريا لمجلس الأمن يتضمن إدانة لإسرائيل بسبب مقتل ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة العاملين في الأراضي الفلسطينية بنيران قوات الاحتلال وهم بريطاني وفلسطينيان.

عام 2003، استخدمت واشنطن الفيتو مرتين، واحدة في سبتمبر، والثانية في اكتوبر، كانت بالمرة الأولى ضد مشروع يطالب إسرائيل بمنع أعمال الترحيل، والكف عن تهديد سلامة الرئيس الفلسطيني المنتخب ياسر عرفات، فيما طالب الثاني بوقف وإلغاء الجدار العازل الذي تبنيه (إسرائيل)، ويعتبره غير قانوني.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد واصلت الولايات المتحدة استخدام "الفيتو" تجاه العديد من مشاريع القوانين التي كانت تهدف من ورائها إلى دعم إسرائيل على حساب فلسطين وشعبها، وكان ذلك خلال الأعوام 2004، و2006، و2011، و2014، و2017، و2018.

 

محاولة إدماج تصطدم بمواقف شعبية

"الانحياز" الأمريكي وفق ما يراه البعض، حوّل "الطفل المدلل" لواشنطن بالمنطقة إلى "ابن عاق"، فرغم كل ما تقوم به من أجلها، إلا أنها لم تسلم هي الأخرى من انتقادات القيادات في تل أبيب، وصل حدّها بأن أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، رفضه بأن تتحكم الإدارة الأميركية في القرارات الإسرائيلية.

المتابع لما تقوم به واشنطن تجاه تل أبيب، يدرك تمامًا بأن هناك تيارات سياسية في الولايات المتحدة، تقوم من خلال نفوذها وصلاحياتها، بالضغط على صناع القرار، لتوفير درع دبلوماسي يحمي انتهاكات إسرائيل.

وتعود علاقات تل أبيب وواشنطن إلى عام 1948، وكانت الأخيرة من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وقامت بدعمها في جميع الحروب التي قامت بها، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.

وبلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة لإسرائيل فيما بين عامي 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار، فيما تشير بيانات "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" بأنها وصلت إلى 260 مليار دولار.

وتحرص الولايات المتحدة على إصدار "المبررات" وتوفير "الغطاء السياسي" لإسرائيل في اعتداءاتها، سواء داخل فلسطين أم خارجها، وتطور الأمر في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى حد فرض عقوبات سياسية واقتصادية على الدول التي تصوت ضد تل أبيب.

لم تكتفِ بذلك، بل سعت إلى توفير المناخ السياسي الآمن لإسرائيل، وكانت الراعي الأساسي في عقد العديد من اتفاقيات التطبيع بينها وبين دول عربية، بدءًا من اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979، ثم وادي عربة مع الأردن عام 1994، وصولا إلى الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وما زالت تحاول مع السعودية.

وعلى الرغم من كل تلك الخطوات التي تسعى واشنطن فيها إلى إدماج إسرائيل داخل المنطقة العربية، وتحويلها إلى قوة إقليمية، إلا أنها ما زالت تصطدم بمواقف الشعوب الرافضة للتطبيع، خاصة في ظل استمرار انتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني، والاعتداء المتواصل على قبلة المسلمين الأولى، المسجد الأقصى.