يعيش أطفال غزة مأساة مروعة؛ راح ضحيتها عشرات الآلاف منهم بين شهيد وجريح، وربما استشهد عشرات الأطفال لعائلة واحدة تحت أنقاض البيوت المفجرة بنيران الجيش الصهيوني الذي لا يعرف التفريق بين صغير أو كبير أو رجل أو امرأة او مدني أو مقاوم.

وبينما يسعى بعض أطفال غزة في جمع الحطب لعائلاتهم كي يشعلوا من خلالها نارًا لإعداد طعامهم، أو تدفئة أجسادهم، فإذا بقذيفة صهيونية غادرة تطيح بأحلام شبعهم، وتحيل الجميع إلى شهداء حرقًا بنيران الجيش الإسرائيلي، وتصعد أرواحهم إلى الله تعالى شاكية ضعف المسلمين، واستسلام العرب للصهاينة، وخذلانهم أطفال فلسطين.

 

أجساد محترقة

بينهم أكثر من 7 آلاف طفل.. ارتفاع أعداد الشهداء جراء العدوان الإسرائيلي على  قطاع غزة - بوابة الشروق - نسخة الموبايل

منذ ساعات الصباح الأولى، خرج الطفل الفلسطيني محمد صالح (14 عاما)، من بيته في شمال قطاع غزة، محمّلًا بالأمل والعزيمة، للبحث عن الحطب لطهي الطعام، في ظل انعدام الغاز والكهرباء بالقطاع.

مهمة محمد كانت برفقة والده بسام صالح، وشقيقته منة، وأبناء عمه ميرال وشقيقها.

بدأوا مهمتهم اليومية وهم لا يعلمون أنها ستتحول إلى مأساة بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل الذي استهدفهم، محوّلًا أجسادهم الغضة إلى هدف مشتعل.

فبينما كانوا يحاولون البحث عن الحطب لإشعال النيران لطهي الطعام وسد جوعهم، جاءت قذيفة إسرائيلية غادرة، فقتلت والدهم بسام وأحرقت جسد محمد وشقيقته منة وأبناء ميرال وشقيقها، وفقًا لـ"الأناضول".

على أسرّة مستشفى كمال عدوان ببلدة بيت لاهيا شمال غزة، تستلقي أجساد الأطفال الرقيقة الذين أحرقتهم نيران إسرائيل دون أي ذنب سوى البحث عن حطب لإيقاد نار طهي الطعام بعد أن نال منهم الجوع.

 

إصابات وحروق

بين الحين والآخر، يتجلى أنين الأطفال من شدة الحروق التي مزقت أجسادهم والإصابات الأخرى التي تعرضوا لها.

وعلى وجوه أولئك الأطفال، تتجلى بوضوح الآثار المؤلمة لتلك الحروق القاسية العميقة، التي لم تسلم منها براءة وجوههم، بل تحولت إلى ندوب مظلمة تروي قصتهم بفعل الغارة الإسرائيلية.

بينما يواجه الأطفال ألمًا آخر، حيث يجدون أنفسهم في معركة جديدة لتعافيهم من الحروق والإصابات التي لحقت بهم، والتي تزداد تعقيدًا بسبب نقص الدواء والطعام الضروري المخصص لهم.

هذا المعركة تأتي في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل على شمال قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر الماضي، مما يجعل توفير الرعاية الطبية والمواد الغذائية الأساسية أمرًا صعبًا للغاية لجميع المرضى والسكان.

وصف الطفل صالح ظروفهم بأنهم كانوا يعيشون في بيت خالٍ من المياه والكهرباء والغاز، وكانت الحاجة ماسة لطهي الطعام لتجنب الجوع.

حيث كانوا يبحثون عن حطب في منطقتهم بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، لتوفير وسيلة لإشعال النيران وطهي الطعام في ظل ما تعانيه عائلته من ظروف صعبة.

 

رحلة الحطب

طوفان الأقصى: 900 شهيد في غزة من بينهم 260 طفلًا

وقال الطفل صالح: "كنا جالسين في المنزل، لا مياه، ولا كهرباء، ولا أي شيء، كل ما كنا نريده هو طهي الطعام لإشباع جوعنا".

وبينما يظهر على صوته التعب والإرهاق، أضاف صالح: "أمي ترغب في طهي الأرز، ولكن لم نجد حطبًا في المنزل، فذهبنا للبحث عنه في ظل عدم توفر غاز الطهي والكهرباء".

وتابع: "بقينا نتجول بحثًا عن الحطب، وفجأة سمعنا صوت طائرة وانفجار عنيف، لم نكن نعلم ماذا حدث، وفوجئنا بتفرقنا في كل اتجاه".

وأشار إلى أن القصف الإسرائيلي أدى إلى فقدانه للوعي، وعندما استعاد وعيه، وجد نفسه مغطى بالحطام وشعر بآلام الحروق التي تنتشر في جسمه.

وأوضح أن تلك الغارة أسفرت عن استشهاد والده وإصابتهم جميعًا بحروق شديدة وكسور وإصابات أخرى.

وقال: "كنا نبحث عن الحطب لكي نطهو الطعام ونحاول البقاء على قيد الحياة".

بدورها، تقول السيدة الفلسطينية الأربعينية، وهي والدة الجريحة ميرال محمد صالح، وزوجة عم محمد: "قام أطفالنا بالخروج من المنزل للبحث عن حطب من أجل طهي الطعام في ظل نقص الغاز والكهرباء".

وأضافت: "عندما خرجوا، لم يكونوا قد تناولوا الطعام لفترة، فما ذنب هؤلاء الأطفال في ما يحدث لهم".

 

علاج عاجل

الطبيبة المشرفة على علاج الأطفال راوية طنبورة، قالت: "يعاني الأطفال من حروق في أجسادهم بشكل شامل، ويحتاجون رعاية طبية عاجلة".

وذكرت طنبورة: "بعضهم يعاني من كسور في أيديهم تمنعهم من الحركة، وبحاجة ماسة لعمليات جراحية، ونحتاج إلى نقل الحالات إلى مستشفيات أخرى لتلقي العلاج اللازم".

وأضافت: "الطفلة ميرال تعاني من ثقب في الأمعاء، ومنذ وصولها إلى المستشفى، تم منعها من تناول الطعام والشراب لأن حالتها قد تزداد سوءًا إذا تناولت الطعام".

وتابعت: "نحن بحاجة ماسة لعلاجات وأدوية لعلاج الحروق التي تغطي جسد الأطفال، ولكن معظم هذه الأدوية غير متوفرة هنا، وتزيد المشكلة تأزمًا بسبب نقص الوقود والكهرباء، مما يعيق عملية العلاج والإسعاف".

ولفتت إلى أن "سوء التغذية للأطفال يزيد من سوء وضعهم، ويؤخر عملية تعافيهم".

ودعت الطبيبة الفلسطينية إلى "توفير العلاج بأسرع ما يمكن للأطفال في المستشفى، وكذلك لباقي المرضى".

 

كلهم رحلوا

منذ 7 أكتوبر.. 3000 طفل شهيد في غزة جراء القصف الإسرائيلي - الخليج الجديد

الشقيقات الصغيرات لجين ولانا وميس، لم يكنَّ في عداد الأطفال الشهداء ولا في قوائم الناجين من مذبحة مخيم الشاطئ في الثاني عشر من أكتوبر، سادس أيام العدوان.

وكانت أمهن تبحث عنهن قبل أن تصل إلى إجابات صادمة تفيد باستشهادهن جميعًا في في مأساة تدمي القلب وتدع العين.

كما أثبتت صور الأطفال سيلين وإيلين ومحمود ومحمد، أنهم استشهدوا جميعًا في الرابع عشر من أكتوبر، ما يفيد بأن "إيلين كانت تحب الرسم وكانت تحلم بالسفر وتود اقتناء لعبة ليغو".

إيلين قُتلت وإخوتها من دون رحمة بينما كانوا يبكون خائفين من أصوات القصف. وأُخرجت الصغيرة من حضن أمها أشلاء.

يقول أحد أفراد العائلة في رسالته: "عذرًا لم أكن في وعيي ولم أستوعب غياب الصغار والكبار، غاب الجد والجدة وأختي وزوجها وأولادها، كلهم رحلوا، كلهم رحلوا".

وبعدما انتهت الرسالة وردت الصور تباعًا مع الأسماء والأعمار، ليستعاد صخب رقصات إيلين وأغنيات شقيقتها سيلين.

بدورها، رثت الأم الغزية مرام ابنتها يمنى ذات الخمسة أشهر، فقالت إنها اختارت اسمها بعناية وأحبته كثيرًا، واستذكرت أن صغيرتها كانت قد بدأت بتناول قطع الكعك والحليب، لتنهي منشورها بدعاء إلى الله بأنه يجزها في مصيبتها خيرًا، واصفة يمنى بأنها "عصفورة شهيدة". وفي اليوم التاسع من العدوان، استهدف القصف مرام أم يمنى.

والفاجعة تجر الفاجعة؛ فبعد أقل من عشرة أيام على بدء العدوان، بلغ عدد الشهداء قرابة 3000 شهيد منهم 853 طفلًا، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

في مستشفى الأهلي المعمداني وحده، استشهد أكثر من 500 فلسطيني، بعدما احتموا في المكان هربًا من وحشية آلة الحرب الإسرائيلية.

بعض الغعلاميين ذهبوا يبحثون عن ما تبقى من أثر الصغار وأيامهم في صفحات المدارس ورياض الأطفال، مستعيدين أغانيهم وصياحهم. كما بحثوا عن درجاتهم المدرسية وفرح الآباء والأمهات بنجاح أطفالهم، وتتبّع أحلامهم.

من بين أولئك الأطفال سما المقيد، التي صفق زملاؤها قبل الحرب لنباهتها. لكنها تركت ابتسامتها وخجلها ورحلت مع إخوتها. عمر حلاسة ذو الثمانية أعوام استشهد أيضًا، ولم يعد يشارك أصدقاءه اللعب، وفقًا لـ"العربي".

 

"كانت هناك حياة"

ثم بعد أسبوعين من العدوان، ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 4000 بحسب وزارة الصحة. وعزّت المعلومات وصعب التوثيق بعد قطع الاتصالات والإنترنت.

حينها، أعلنت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل في أسبوعين ما لا يقل عن 1661 طفلًا. وكان منهم 120 طفلًا استشهدوا جميعًا في يوم واحد فقط.

تقول فاطمة أبو عبيد في رثائها لبنات أخيها "كانت هناك حياة". وتضيف: "أنا عمة الأطفال، كلهم ماتوا كلهم استشهدوا ولم يبق منهم سوى بعض الذكريات".

وتتابع: "هذه صورهم وأسماؤهم وحكاياتهم. لم يبق في البيت سوى صدى أصواتهم والموت".

وبعد يوم من غياب العمة الثكلى، وردت رسالة قصيرة منها تقول: "وأنا إن استشهدت من سيعرفني ومن سيذكرنا ومن سيعطيك صورتي".

وأبرزت صور أبناء العائلة وبناتها عدد الأطفال الشهداء: غزل أبو عبيد (12 عامًا)، وندى أبو عبيد (6 أعوام)، ومنة الله أبو عبيد (3 أعوام)، وإلين أبو عودة (عامان)، وياسمين أبو عودة (11 عامًا)، وخالد أبو عبيد (12 عامًا)، ومحمد أبو عودة (16 عامًا).

 

إحصاءات صادمة

اغتالت إسرائيل توائمه بدم بارد.. مأساة رجل انتظر 16 عامًا ليصبح أبًا |  التلفزيون العربي

وقالت منظمة "أنقذوا الأطفال" إن مجموع من قتلتهم إسرائيل من الأطفال في 24 يومًا فقط هو أكبر من مجموع الأطفال الذين سقطوا سنويًا في 20 منطقة صراع في العالم منذ العام 2019.

من بين هؤلاء يوسف، الذي رثته أمه بأنه طفل جميل ذو سبع سنوات وشعره "كيرلي"، ووعدته بأن تطبخ له قلاية بندورة، لكنه رحل دون أن يأكلها.

وهناك أيضًا حبيبة عبد القادر (9 أعوام)، التي كانت تحب المدرسة، وبكت في إحدى الصور بسبب نهاية العام الدراسي.

وقد رثاها المعلم عبد القادر أبو قاسم، قائلًا: "خبرك يا حبيبة صدمني. لا يمكنني أن أصدقه حتى الآن. رحمك الله يا أجمل طلابي".

وتلك ريم "روح الروح" كما يصفها جدها الشيخ خالد، الذي حرّكت كلماته قلوبًا في أنحاء العالم. تركته حفيدته مع الذكريات على شكل حلق علّقه نيشانًا قريبًا من القلب، وعمد بعد أن رحلت روحه إلى تقديم المواساة وتخفيف آلام آخرين خطفت آلة الحرب أحباءهم.

وفي عائلة الدرة، يشاء العدوان أن يفتح الجرح من جديد جيلًا وراء جيل. فجمال والد محمد الدرة، الطفل الذي اغتالته إسرائيل أمام أعين العالم قبل 23 عامًا وانتفاضتين وأربع حروب، جلس محاطًا بجثامين إخوته وأبنائهم، إحداهم أريان الدرة (12 عامًا).

وبعد أكثر من شهر على بدء العدوان، أعلنت وزارة الصحة في القطاع أن عدد الشهداء من الأطفال بلغ 4500 طفل شهيد.

ومع ذلك لم تكتف آلة القتل الإسرائيلية، وكل صباح يأتي بوداع جديد، ويبقى من كتبت له الحياة رغم القصف الأملَ من بين ركام الموت.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلًا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".