على الرغم من قساوة الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، ومرارة الفقد للأطفال والنساء والرجال والآباء والأمهات، وآلام الجراحات، وصعوبة الإصابات، وشظف العيش وقلة الطعام وندرة المياه – إلا أن أهالي غزة يواصلون حفظ القرآن الكريم في مخيمات النزوح، تحت تهديد القصف وحرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال الصهيوني ضدهم.

تتجول بين الخيام فتسمع أصواتًا خاشعة لمجموعة من الفتيات الفلسطينيات يتلون آيات من القرآن الكريم أمام معلمتهن، في خيمة مخصصة لتحفيظ وتعليم القرآن داخل أحد مراكز إيواء النازحين في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة.

 

حفظ القرآن تحت تهديد القصف

غزة.. نازحون يقيمون خياما وحلقات لتحفيظ القرآن في رفح (شاهد) _الجزيرة مباشر

وتثبت مراكز تحفيظ القرآن من داخل المخيمات ومراكز الإيواء بمدينة رفح التي يتواجد فيها أكبر عدد من النازحين مقارنة ببقية مدن القطاع، أن العزيمة الفلسطينية مصنوعة من شيء آخر، وأن إرادة التحرير من الاحتلال تبدأ من عمق الإيمان واستقامة النفس وطهارة القلب قبل أن تكون بالجهاد والسلاح.

وفي كل مركز إيواء خصص متطوعون فلسطينيون خيمة أو غرفة لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم، باتت تشهد إقبالًا كبيرًا من جميع الأعمار وخاصة الأطفال والنساء.

وفي "مدرسة القدس" التي تؤوي آلاف النازحين، تجمع المعلمة انتصار العرابيد، عشرات الأطفال يوميًا في حلقات لتحفيظ القرآن وتوضيح أحكام تلاوته، في محاولة لتعويض هؤلاء الأطفال عن توقف التعليم منذ بداية الحرب.

تقول العرابيد: "نزحنا من بلدة جباليا شمال قطاع غزة، ومتواجدون هنا في هذه المدرسة منذ أسابيع طويلة، ولاحظت فراغًا كبيرًا لدى الأطفال والنساء".

وتضيف: "فكرت في افتتاح حلقات لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم، ووجدت ترحيبًا كبيرًا بالفكرة من النازحين والمسؤولين عن مركز الإيواء"، وفقًا لـ"الأناضول".

بدأت المعلمة بتحفيظ النساء في البداية ونجحت في استقطاب 80 امرأة كانت تجمعهم في 5 حلقات يوميًا بعد صلاة العشاء ولمدة ساعة أو ساعتين، وأجرت اختبارات لهن، وعدد كبير منهن نجح في حفظ من 5 إلى 15 جزءًا من القرآن الكريم، كما تقول المعلمة الفلسطينية.

وفي مرحلة ثانية توجهت المعلمة لتحفيظ الأطفال من الذكور والإناث، وانضم إلى حلقاتها عشرات ومنهم من أتم حفظ 5 أجزاء من القرآن، وبعضهم كان يحفظ 15 جزءًا ونجح في تثبيت حفظهم خلال الأسابيع الماضية.

وتقول: "نريد أن نوصل رسالة للجميع أنه رغم تدمير الاحتلال الإسرائيلي للمساجد إلا أن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم علمنا أنه أي مكان في أرضنا هو طاهر وعبارة عن مسجد، وسنواصل من خلال هذه الأرض تحفيظ القرآن الكريم وتعليمه".

وتتابع: "سوف نكمل حتى لو قُصفت مدارسنا وقصفت مساجدنا وقصفت بيوتنا، أي دار يمكن أن نعود لنحفظ فيها القرآن. لن يوقفنا شيء عن تعليم القرآن أو تعليم حرف لولد من أولادنا".

 

70 مركز تحفيظٍ في المخيمات

خيام النازحين في غزة تتحول إلى حلقات لحفظ القرآن الكريم - قناة الرافدين

وفي زاوية خيمة تحفيظ القرآن، كان الطفل محمود صيام (7 سنوات) يجتهد لينتهي من حفظ سورة "النبأ" من الجزء الثلاثين في القرآن الكريم لينتهي بذلك من حفظ الجزء كاملًا بعد أسبوع من التحاقه بمركز التحفيظ.

ويقول صيام: "نحاول أن نملأ وقت فراغنا بحفظ القرآن الكريم، فنحن لا نذهب إلى المدرسة منذ 3 أشهر".

ويضيف: "انتهيت من حفظ الجزء الأخير من القرآن كاملًا، وسأبدأ غدا بحفظ الجزء التاسع والعشرين، أتمنى أن أنتهي من حفظ القرآن كاملًا في أسرع وقت".

من جانبه، يقول عبد المعطي الأخرس، رئيس دار الاتقان لتحفيظ القرآن، بمدينة رفح، إن مؤسسته أنشأت 70 مركز تحفيظ في المخيمات ومراكز الإيواء بالمدينة.

ويضيف الأخرس: "قمنا بإنشاء هذه المراكز بعد أيام قليلة من وصول النازحين إلى مدينة رفح".

ويشير إلى أن هذه المراكز لقيت إقبالًا كبيرًا من النازحين وباتت تضم الآلاف من الطلبة من جميع الأعمار الأطفال والكبار والنساء.

ويتابع الأخرس: "الجميع هنا متمسك بحفظ وتعلم القرآن الكريم والجميع يدرك أن التمسك بالقرآن هو طريق للنجاة من هذه المعاناة والمأساة التي يعيشها شعبنا".

ومنذ 7 أكتوبر 2023 يشن الجيش الإسرائيلي حربًا مدمرة على غزة خلّفت حتى اليوم السبت 24 ألفًا و927 شهيدًا، و62 ألفًا و388 مصابًا. وتسببت بنزوح أكثر من 85 بالمئة (نحو 1.9 مليون شخص) من سكان القطاع، بحسب السلطات الفلسطينية والأمم المتحدة.