كان القائد صالح العاروري أحد الأسماء المعروفة لدى المقاومة جيدا، كما كان معروفا جيدا لدى الكيان الصهيوني، حيث كان أحد أهم المطلوبين لمخابرات الاحتلال منذ فترة طويلة وحتى تم استهدافه مع مجموعة من رفاقه القساميين في بيروت.

واستشهد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، صالح العاروري، الثلاثاء الماضي، في عملية اغتيال إسرائيلية غادرة بعد استهداف مسيرة إسرائيلية مكتبًا تابعًا لحركة حماس، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، وكان استقبال الفلسطينيين والعرب والمسلمين لاستشهاد "العاروري" لافتا؛ حيث أشارت قطاعات واسعة إلى أن الشهيد نال ما تمنى خلال سنوات عمره التي لم تصل إلى الستين.

كما لفت الأنظار ثبات والدة وشقيقة الشهيد، حيث كان استقبالهما لخبر استشهاد "صالح" مؤثرا للغاية، حيث أكدتا أنه نال ما تمنى وأنه "صدق الله فصدقه"، وأن شعار "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" كان عقيدة لدى العاروري ورفاقه فضلا عن أنه الهتاف المفضل لكافة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين ينتمي الشهداء السبعة إليها.

وبعد ارتقاء العاروري بأيام كانت الذكرى الـ28 لرحيل رفيق دربه القائد المهندس يحيى عياش الذي سبقه إلى طريق الاستشهاد بعد أن كانا من أهم مؤسسي كتائب القسام والمؤثرين في مسيرتها.

ونعت حركة حماس صالح العاروري وقالت الحركة في بيان: "قائد أركان المقاومة في الضفة الغربية وغزة ومهندس طوفان الأقصى بالسابع من أُكتوبر - القائد الوطني الكبير الشيخ القسامي صالح العاروري شهيدًا"

 

من هو صالح العاروري؟

ولد العاروري (58 عامًا) في بلدة "عارورة" الواقعة التي تبعد نحو 20 كم عن مدينة "رام الله" بالضفة الغربية عام 1966.

كان والده الشيخ محمد سليمان رجلًا متدينًا يحفظ القرآن الكريم، وربى نجله على الأمر ذاته، تلقى الطفل «صالح» تعليمه في المراحل التأسيسية (ابتدائي، وإعدادي) في مدارس بلدته القديمة، أما في المرحلة الثانوية فكانت في رام الله، ومن ثم التحق بجامعة الخليل قسم العلوم الشرعية.. هناك كانت الخطوات أكثر ثباتًا.

والتحق بجماعة الإخوان المسلمين في سن مبكرة، حينها لم يكن هناك حركة حماس، وقاد عام 1985 "العمل الطلابي الإسلامي" في جامعة الخليل.

وبدأ صالح أولى خطواته تجاه العمل المنظم، في البداية كان يبدأ في جمع الكوادر من حوله وفي الجامعة كانت المساحة المتاحة للتحرك أكثر رحابة عن بلدته القديمة.

بدا واضحا منذ الوهلة الأولى، أن «العاروري» قارئ نهم، ومطلع يومي، إذ تشير تقارير الوكالات الدولية إلى أن «العاروري» شخصية شديدة الدقة ومحب للكتب، فكان مفوها صاحب حضور.

بعد تأسيس حركة "حماس" نهاية عام 1987 من قبل قادة جماعة الإخوان المسلمين، التحق العاروري بها.

مثلت جامعة الخليل فرصة ذهبية ليبدأ من هناك تكوين شخصيته واكتمالها، وتقديرا لجهوده في دعم التيار الإسلامي كان لقب «أمير» الكتلة الإسلامية خطوة على طريق العمل المنظم.

وحصل على درجة البكالوريوس في "الشريعة الإسلامية" من جامعة الخليل بالضفة الغربية.

وخلال الفترة الممتدة بين عامي (1990 ـ 1992)، اعتقل الجيش الإسرائيلي العاروري إداريًا (دون محاكمة) لفترات محدودة، على خلفية نشاطه بحركة "حماس".

وفي السجن، تعرف العاروري على كل من «عادل عوض الله، وإبراهيم حامد».. اللذين كانا أصحاب مناصب قيادية داخل حركة حماس، وبعد الإفراج عنهم يصبحون أبرز قادة التنظيم العسكري لـ«حماس»، وضموا إليهم الشاب العشريني «صالح العاروري».. ليبدأ بعدها فصلًا جديدًا في حياته.

 

تأسيس كتائب القسام في الضفة

بدأ العمل بسرية تامة بعد خروجه من السجن، واتفق مع «عوض الله وحامد» على البدء فورًا في بناء تنظيم عسكري في الضفة، في ذلك الوقت كان عمل المقاومة صاحب الحضور الأقوى.

ويعتبر العاروري من مؤسسي كتائب "عز الدين القسام"، الجناح المسلح لحركة "حماس"، حيث بدأ في الفترة الممتدة بين عامي (1991 ـ 1992) بتأسيس النواة الأولى للجهاز العسكري للحركة في الضفة الغربية.

وفي عام 1992، أعاد الجيش الإسرائيلي اعتقال العاروري، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائب القسام بالضفة.

وأفرج عن العاروري عام 2007، لكن إسرائيل أعادت اعتقاله بعد ثلاثة أشهر لمدة 3 سنوات (حتى عام 2010)، حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراج عنه وإبعاده خارج فلسطين.

تم ترحيله آنذاك إلى سوريا واستقر فيها ثلاث سنوات، قبل أن يغادرها ليستقر الآن في لبنان.

عقب الإفراج عنه عام 2010، تم اختيار العاروري عضوًا في المكتب السياسي للحركة.

وكان العاروري أحد أعضاء الفريق المفاوض من حركة "حماس" لإتمام صفقة تبادل الأسرى عام 2011 مع إسرائيل بوساطة مصرية، التي أطلقت عليها حركته اسم "وفاء الأحرار"، وتم بموجبها الإفراج عن جلعاد شاليط (جندي إسرائيلي كان أسيرًا لديها)، مقابل الإفراج عن 1027 معتقلًا فلسطينيًا من السجون الإسرائيلية.

وفي التاسع من أكتوبر عام 2017، أعلنت حركة "حماس" انتخاب "العاروري" نائبًا لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، إسماعيل هنية، خلال انعقاد مجلس شورى للحركة.

وظلّ الشيخ صالح العاروري (رحمه الله) يؤكد بعد العدوان الصهيوني الغاشم على غزة على أنه لا يوجد مفاوضات حول أسرى العدوّ، وأنّ الموقف الرسمي والنهائي لحركة حماس والمقاومة أنه لا تبادل حتى انتهاء العدوان الصهيوني الإرهابي بشكل كامل ونهائي.

وظلّ رحمه الله شامخًا بوجه الاحتلال، وكان رده عندما هدد نتنياهو وعصابته باغتياله، أن ظهر العاروري مرتدياً الزي العسكري وأمامه بندقيته، في ردٍ بليغ على كل محاولات الاغتيال.

وذكر الإعلام الإسرائيلي أنّ “ظهور صالح العاروري بلباس البدلة العسكرية يريد القول من خلالها إنّه يدير الحرب، وإنّه واحد من مقاتلي المقاومة ومستعد لأن يموت شهيداً”.

 

تمنى الشهادة فنالها

اتهمته الاستخبارات الإسرائيلية، بالتخطيط لقتل ثلاثة إسرائيليين بالضفة الغربية المحتلة خلال صيف 2014، وهي العملية التي وصفها العاروري بـ"العمل البطولي".

وفي أحد لقاءاته المصورة، قال العاروري: "الحمد لله، نحن أناس مؤمنون، ونعتبر أن الشهادة ولقاء الله هو الفوز العظيم الذي نتمنى أن تُختم لنا به الحياة".

 https://twitter.com/adham922/status/1742229652951765037

وفي لقاء آخر قال: " “احنا بحركة حماس كلنا مشاريع شهادة من الشيخ أحمد ياسين ونازل، وأنا حاس حالي عايش عمر زيادة وتجاوزت العمر الافتراضي فيا مرحبا بالشهادة ومحمد الضيف كل يوم بيحاولوا يغتالوه وإن شاء الله راح يدخل القدس”.. بهذه الكلمات التي رددها في لقاءاته الأخير كان يستشرف الشيخ صالح العاروري رحمه الله قرب نيله لأمنيته بالشهادة في سبيل الله.

العاروري كان قد رد مسبقًا على استئناف عمليات الاغتيال لقادة “حماس”، قائلاً إن هذه الخطوة قد تثير “حربًا إقليمية”، مضيفًا “إذا وصلنا إلى حد المواجهة الشاملة، فسوف تهزم إسرائيل هزيمة غير مسبوقة في تاريخها، ونحن واثقون بذلك”.

مبتكرًا مصطلح “حرب شاملة في عدة ساحات” و“توحيد الساحات” الذي ولد مع معركة “سيف القدس” عام 2021، ثم جولة القصف الصاروخي الذي نفذته المقاومة من عدة ساحات: غزة، لبنان، سوريا، ردًا على جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى.

وأخر ما توصل إليه الاحتلال هو أن “الجيش” الإسرائيلي بات عاجزًا عن تفكيك “مثلث التعقيد”، المتمثل بلبنان والضفة الغربية وغزة، والذي حاكه العاروري. وهو ما أكده المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال رونين منليس، لقناة “كان” الإسرائيلية، في أن “يد العاروري، على الأقل في الأشهر الأخيرة، يبدو أنها هي العليا”.

غياب العاروري خسارة كبيرة، ربما على ساحة الضفة الغربية، لكنه لن يوقف المقاومة بالضفة، فقد شهدت المقاومة اغتيال عشرات القادة على مدى السنوات الطويلة، وكانت دائمًا تفرخ قادة جديد يواصلون مسيرة النضال، كانت مقاومة ولادة.

كان العاروري يرد على التهديدات الإسرائيلية بالاغتيال، بعبارة: “عمري الافتراضي انتهى”، ويبدو أن عمره انتهى، وسيبعث رحيله برسائل ساخنة متعلقة باحتمالية اشتعال حرب شاملة على عدة جبهات.

 

مكافأة أمريكية

وأعلنت واشنطن عام 2018 رصد مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه، وعن مسؤولين آخرين في حزب الله.

وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، رصد “مكافأة” قدرها 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن “العاروري”، والقياديين في حزب الله اللبنانية خليل يوسف حرب، وهيثم علي طبطبائي.

وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي للأمن الدبلوماسي آنذاك، مايكل إيفانوف، إن العاروري “يعيش بحرية في لبنان، ويعمل أيضًا مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ويجمع الأموال لتنفيذ عمليات لمصلحة حماس وقيادة عمليات أدت إلى مقتل إسرائيليين يحملون جنسية أمريكية”.

وأدرجت “وزارة الخزانة” الأمريكية العاروري ضمن قوائم الإرهاب لديها عام 2015.

في 21 أكتوبر، تمت مداهمة منزل عارورة حيث اعتقلت القوات الإسرائيلية حوالي عشرين شخصًا، من بينهم شقيق صالح العاروري وتسعة من أبناء أخيه.

في 25 أكتوبر، أفادت قناة المنار التلفزيونية التابعة لحزب الله عن لقاء بين حسن نصر الله، وزعيم حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، وصالح العاروري.

في 31 أكتوبر، هدم الجيش الإسرائيلي بالمتفجرات منزل العاروري الواقع في عارورة، بالضفة الغربية المحتلة.

وعقب الاغتيال الغادر للعاروري وصف عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عزت الرشق، العملية بـ"عملية اغتيال جبانة ينفذها الاحتلال الصهيوني ضد قيادات ورموز شعبنا الفلسطيني".

وأكد الرشق، أن اغتيال العاروري "لن ينال من استمرار المقاومة".