عادل الأنصاري

منذ بداية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023م وما تمخض عنه من توغل المقاومة في غلاف غزة، ووقع المفاجأة على الاحتلال الصهيوني كان – ومازال- صارما ومرعبا خاصة بعد ارتفاع معدلات التصفية لجنود الاحتلال داخل حصونهم ومعسكراتهم.

والحقيقة أن هول المفاجأة لم يكن منذ البداية مرتبطا فقط بقوة التخطيط وقدرة المقاومة على تحقيق أهداف ظلت الآلة العسكرية والسياسية لدى الكيان المحتل عاجزة عن التعامل معها على مدار ساعات قبل أن تفيق من الصدمة وتبحث عن سبل التعامل والمواجهة، إذ كان النجاح الاستخباري للمقاومة سابقا لنجاحها في ميدان المعركة.

فالصدمة التي تعرضت لها الآلة السياسية والاستخبارية كانت أكبر بكثير من الورطة التي وقعت فيها الآلة العسكرية الصهيونية، ولم يكن مرد ذلك إلى أزمات داخلية وتصدعات في المكون السياسي والاجتماعي أو العسكري داخل الكيان فحسب ولكن كانت هناك أسباب أخرى أحدثت تغيرا واسعا في المشهد السياسي للمنطقة كلها ولمستقبل القضية الفلسطينية برمته.

فقد كان لمعركة المعلومات أثرها البالغ في هذا الاتجاه، حيث توفرت معلومات استخبارية جازمة لدى المقاومة تؤكد وجود تحركات عسكرية وشيكة تستهدف تدشين ما يعرف بصفقة القرن وذلك من خلال توجيه ضربة عنيفة للمقاومة بعد أن ظنوا أنها في حالة استرخاء وهدوء، ومن ثم تحريك جماهير غزة صوب الجنوب ثم صوب رفح المصرية، وذلك لتحقيق هدفين

•  الأول هو الانفراد بالقسام وباقي فصائل المقاومة والتي تتمركز على خط المواجهة مع العدو بعيدا عن الظهير الشعبي الذي يتم التخطيط لتحريكه صوب الجنوب، وبالتالي تحقيق هدف استراتيجي للاحتلال وهو القضاء الكامل على المقاومة واستئصالها.

•  الثاني هو إزاحة سكان غزة أو غالبهم إلى النطاق المصري حيث يتم تسكينهم في الأماكن التي قامت سلطة الانقلاب في مصر بإخلاء أهل سيناء منها، وبالتالي إعادة تموضع قوات الاحتلال مرة أخرى في القطاع، بما يسمح لها بمواجهة أي تحرك عسكري متوقع من الجيوب المتبقية من المقاومة حال وجودها.

ومن الواضح أن مخطط تنفيذ الصفقة المشبوهة تم إعداده على مهل من جانب أطراف إقليمية ودولية منذ أكثر من عشر سنوات، سعت حثيثا لتمريره بخطوات محسوبة، وذلك عبر مجموعة من الإجراءات التي تمت خلال تلك السنوات الماضية ومن ذلك:

•  عمليات الإخلاء الممنهج التي قامت بها سلطة الانقلاب في مصر لسكان منطقة رفح والشيخ زويد وتوسيع مجال الإخلاء ليصل إلى خمسة كيلومترات.

•  الإغلاق الكامل لمنطقة الحدود بين مصر وفلسطين تحت دعاوى مكافحة الإرهاب وتصفية المجموعات المسلحة في سيناء.

•  الإغراق الممنهج لمصر في الديون، وذلك بهدف إحداث حالة من الضغط على الأجهزة الأمنية المصرية الممانعة للصفقة المشبوهة، وكذلك إحداث حالة من الضغط الشعبي، بما يدفع الأجهزة الأمنية الممانعة وجموع الشعب لقبول الصفقة تحت وطأة الأزمات الاقتصادية وتزايد الدين الخارجي بنسب غير مسبوقة تخطت حاجز 135 مليار دولار مما جعل مصر قريبة من الدخول إلى مرحلة الإفلاس، وبما يسوق لفكرة إسقاط الديون مقابل فتح سيناء للنزوح الفلسطيني وتنفيذ الصفقة المشبوهة.

•  توفير الغطاء التمويلي للصفقة وذلك من خلال استعداد بعض الدول النفطية ومعها المجتمع الدولي لإسقاط الديون المصرية مقابل توفير مناخ مواتٍ ومؤيد لتنفيذ الصفقة خاصة على المستوى الشعبي المصري وعلى مستوى الأجهزة التي يمكن أن ترفض الفكرة.

•  السعي الحثيث للضغط على حركة حماس بالتهدئة وتضييع الوقت من خلال اتفاقات أمنية غير مباشرة عبر الوسيط المصري الذي يسعى لضمان حالة من الهدوء العسكري لدى المقاومة بما يسمح بتمهيد الظروف لتنفيذ الصفقة في ظل مناخ موات وهادئ.

 

الطوفان والتحرك الاستباقي

وقد كان للتحرك الاستباقي لطوفان الأقصى وبهذه القوة الهادرة التي أذهلت الاحتلال ومن ورائه من خطط لصفقة القرن، دور بارز في التحرك لاتخاذ خطوات على الأرض لإجهاض هذه المحاولة والتمهيد لإسقاط الصفقة المشبوهة وذلك لعدة أسباب:

•  حالة الاستنفار العسكري للمقاومة والتي حدثت عقب النجاح الباهر الذي ظهر في طوفان الأقصى وهو ما كان من شأنه أن يضيق الخناق على محاولات تنفيذ الصفقة، على عكس ما كان مخططا له أن يتم في ظل حالة من الركود والسكون العسكري لدى القسام.

•  النجاحات التي حققها القسام في الطوفان استنفرت الظهير الشعبي الفلسطيني للمقاومة سواء داخل غزة أو الضفة أو الداخل الفلسطيني، مما صنع وعيا جماهيريا بخطورة الموقف ومن ثم أكسبت المقاومة حالة من التأييد الاستثنائي بعد أن أدرك الفلسطينيون وجود نقلة نوعية في حروب التحرير مع الاحتلال، وهو ما يعرقل بطبيعة الحال إجراءات تنفيذ الصفقة في ظل حالة الاستنفار الشعبي.

•  حالة التأييد الشعبي الواسعة للظهير العربي والإسلامي للمقاومة والتي شهدت نموا ملحوظا بعد الطوفان في غالب الدول العربية والإسلامية بل وفي عدد كبير من بلدان العالم بما جعل القضية حية وواضحة لدى الشعوب، وهو ما يصعب معه اتخاذ خطوات لتنفيذ الصفقة المشبوهة، والتي كان مخططا لها أن تتم في ظل هدوء عسكري من طرف المقاومة وصمت شعبي فلسطيني وعربي وإسلامي.

النزوح شمالا بديلا عن الجنوب

وقد كان لاستباق المقاومة لمحاولات تنفيذ المخطط من خلال "طوفان الأقصى" دور فاعل في توجيه الأنظار إلى الشمال بديلا عن الجنوب، حيث نجحت المقاومة في اختراق الحدود المصنوعة على غلاف غزة ووجهت هجوما ضاريا على المستوطنات المتاخمة للقطاع مما أدى إلى إخلاء ما يقرب من نصف مليون مستوطن منها، ومن ثم باتت مخاوف الاحتلال متزايدة من عمليات نزوح المقاومة وتوغلها في عمق الغلاف، وفتح ثغرات واسعة على الجبهة الشمالية للقطاع، بعد أن كانت غزة وحدها هي ساحة القتال الوحيدة.

واليوم وبعد أن قدمت المقاومة ما تملك بهذه العملية الاستباقية والاستخبارية هل المنطقة ما زالت بمأمن عن تنفيذ الصفقة المشبوهة؟ وهل تراجعت الجهود الإقليمية والدولية بعيدا عن مستهدفاتها؟ وهل أرجأت قوات الاحتلال التفكير في الصفقة؟، أم أنها تسعى لاستدراك ما يمكن استدراكه وتحاول الالتفاف على الطوفان من خلال ضربات جوية مركزة على القطاع مدعومة بتأييد لوجستي وسياسي أمريكي وترقب عربي رسمي لما يمكن أن تؤول له الأحداث؟

 

•  الحقيقة أن دور الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم الحر في نشر الوعي بالقضية بات هو العامل الحاسم في هذه المعركة، بعد أن نجحت المقاومة في معركة المعلومات، ونجحت في إحداث حالة نجاح باهرة في معركة السابع من أكتوبر وما بعدها، وأصبح مصير المعركة بل ومصير المنطقة اليوم وغدا معلقا بيد الشعوب العربية والإسلامية وقواها الحية التي يتوجب عليها أن تقوم بأدوار فاعلة في إسناد القضية تتناسب مع حساسية الموقف وخطورته.