أحمد حسن الشرقاوي

صحفي ومستشار إعلامي

الساعة الآن تجاوزت الثالثة بعد منتصف الليل بتوقيت شرق أمريكا، ولا أستطيع النوم بسبب حادثة مديرية أمن الإسماعيلية التي تحمل رمزية تاريخية مهمة، فهي المكان الذي شهد ما يعرف في التاريخ المصري الحديث باسم (موقعة الإسماعيلية).

وقعت تلك المعركة في 25 يناير من العام 1952، وراح ضحيتها 50 شهيدًا و80 جريحًا من رجال الشرطة المصرية بعد أن رفضوا تسليم أسلحتهم وإخلاء مبني المحافظة والانسحاب الى القاهرة بناء على إنذار من قوات الاحتلال البريطاني.

بدأت المعركة صباح يوم الجمعة عندما استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة «البريجادير إكسهام» ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذاراً بتسليم قوات الشرطة المصرية أسلحتها للقوات البريطانية، والرحيل عن منطقة القناة بالكامل والانسحاب إلى القاهرة.

رفضت المحافظة الإنذار البريطاني وأبلغته إلى السيد فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية في هذا الوقت، والذي طلب الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، الأمر الذي جعل «إكسهام» وقواته يقومان بمحاصرة المدينة وتقسيمها إلى حي العرب وحي الإفرنج، ووضع سلك شائك بين المنطقتين.

لم يكن هذا هو السبب الوحيد لرد الفعل البريطاني، حيث كانت هناك أسباب أخرى مثل إلغاء معاهدة 1936 في 8 أكتوبر من العام 1951 مما تسبب في إغضاب بريطانيا التي تحتل بلادنا لتشعل الحرب ضد المصريين، وتحكم الإغلاق على مدن القناة التي تعتبرها مركزاً رئيساً لمعسكرات قواتها.

بدأت المجزرة الوحشية في تمام الساعة السابعة صباحاً بعدما انطلقت مدافع الميدان الثقيلة ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة.

تسبب القصف المدفعي البريطاني في حدوث مجزرة بشعة شهدت عليها أرض المدينة الباسلة بعد أن سالت الدماء كالأنهار، ليأمر الجنرال «إكسهام» بوقف القصف المدفعي وإمهال رجال الشرطة المحاصرين مهلة قصيرة للاستسلام وترك أسلحتهم وإلا سيستأنف الضرب بقوة.

وهنا قام النقيب مصطفى رفعت، بالصراخ في وجه الجنرال البريطاني بكل شجاعة قائلاً: «لن تتسلمونا إلا جثثًا هامدة»، لتستأنف قوات بريطانيا قصفها الوحشي على مبنى المحافظة وتدكه دكاً حتى تحول إلى أنقاض فوق جثامين الشهداء، وتنتهي المعركة بدخول القوات البريطانية بعد نفاد ذخيرة المحاصرين.

وقد تم اعتبار هذا اليوم عيدًا لمحافظة الإسماعيلية وعيدًا للشرطة، تزامن مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011م، ويعتبره قطاع كبير من المصريين من الأعياد المصرية المهمة في التاريخ الحديث.

وبمناسبة وقوع حريق وصف بأنه غامض ومفاجيء وهائل فجر الاثنين 2 أكتوبر من العام 2023، استرجعت تلك الأحداث التاريخية، وقلتُ في نفسي:

1- هذا المكان لديه رمزية تاريخية، فلماذا يحرقونه؟

2- منطقة القاهرة التاريخية والجبانات ذات رمزية تاريخية للعاصمة المصرية.. فلماذا يهدمونها؟ّ!!

3- هل قوات الاحتلال الجديدة تستهدف تجريدنا من كل ما لديه رمزية تاريخية في بلادنا؟ّ!!

وتوصلت إلى ما هو أهم: قلت يا جدعان ده كده يبقى فيه خطر على أهرامات الجيزة.. ولا إيه رأيكم؟!!