ممدوح الولي
خبير اقتصادي – رئيس نقابة الصحفيين الأسبق
رغم أن وزارة التخطيط قد أعلنت عن تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر، منذ الربع الثاني من العام الماضي إلى 3.3 في المئة واستمرار التراجع إلى 4.4 في المئة بالربع الثالث من العام، ثم إلى 3.9 في المئة بالربع الرابع من العام الماضي، واستمرار تلك النسبة خلال الربع الأول من العام الحالي كآخر بيانات متاحة، بالمقارنة بنسب نمو تخطت الثمانية في المئة في الفترات المقابلة.
أعلن جهاز الإحصاء التابع لنفس الوزارة أن معدل البطالة أخذ في التراجع المستمر، منذ الربع الثاني من العام الماضي وحتى الربع الثاني من العام الحالي، منخفضا من 7.4 في المئة إلى 7.2 في المئة ثم إلى 7.1 في المئة ثم إلى 7 في المئة خلال الفصول الأربعة، وهو أمر لا يتسق مطلقا مع معاناة القطاع الخاص من نقص العملات الأجنبية، وتقييد الاستيراد منذ الربع الأول من العام الماضي وحتى الآن.
وقد ترتب على ذلك نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج اللازمة للصناعة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الواردات المصرية في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 22 في المئة، رغم انخفاض الأسعار العالمية في العام الحالي عما كانت عليه في العام الماضي، مما يعني تناقص الكميات المستوردة من السلع، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الصادرات المصرية بنسبة 24 في المئة بالنصف الأول من العام الحالي.
80 في المئة من العمالة بالقطاع الخاص
وحسب بيانات العمالة بجهاز الإحصاء العام الماضي، فإن القطاع الخاص يستوعب 80 في المئة من المشتغلين في مصر، مقابل نسبة 20 في المئة يعملون لدى الحكومة والقطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، ولهذا فإن مسألة تراجع معدل البطالة وسط تلك الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري أمر أصبح مثار تندر المصريين، حيث يعاني قطاع التشييد والبناء الذي يستوعب حوالي 14 في المئة من عدد المشتغلين؛ من صعوبات في إصدار تراخيص البناء أدت إلى تراجع نشاطه، مما دفع بعض العاملين فيه للعمل كسائقي عربات توك توك.
وهو نفس المآل للكثيرين من الحرفيين الذين تركوا حرفهم بسبب ارتفاع أسعار الخامات للعمل كسائقي عربات توك توك، وها هي محافظة دمياط المشهورة بصناعة الأثاث قد تحولت كثير من ورشها إلى أنشطة أخرى غير إنتاجية، وأغلقت الكثير منها أبوابها، كما تسببت حالة التراجع في الأسواق لتفشى ظاهرة الحجز الإداري على أموال وممتلكات عشرات الآلاف من التجار ورجال الأعمال، لعدم استطاعتهم سداد ما عليهم من التزامات لجهات رسمية.
وها هو قطاع السيارات يعاني من تراجع شديد في المبيعات مما أدى لإغلاق العديد من معارض عرض السيارات، كما تعمل مصانع السيارات بعض الوقت لتأخر استيراد المكونات، حتى أصحاب محلات بيع الأجهزة الكهربائية والمنزلية تراجع نشاطهم لقلة المعروض من الأجهزة المستوردة.
كما زادت أسعار الفائدة في البنوك بنسبة 7 في المئة خلال ثلاث مرات، في النصفين الثاني من العام الماضي والأول من العام الحالي، اللذين انخفضت خلالهما المعدلات الرسمية للبطالة، حيث يؤدي رفع الفائدة لصعوبة اقتراض الشركات لإكمال دورة التشغيل، مما يؤثر على حاجتها للعمالة الموجودة بها.
33 شهرًا من الركود المستمر
والغريب أيضا أن وزارة التخطيط تنشر شهريا بيانات مؤشر مديري المشتريات، والذي يشير إلى حالة ركود في النشاط الاقتصادي مستمرة للشهر الثالث والثلاثين على التوالي، فكيف يتسق الركود مع تراجع البطالة؟ وكما يقول المثل العامي المصري أن "الكذب ملوش رجلين"، فها هي بيانات جهاز الإحصاء الحكومي المسؤول عن بيانات البطالة الفصلية، تشير إلى تراجع معدل البطالة بين الإناث خلال الفصول الثلاثة، من الفصل الربع من العام الماضي وحتى الربع الثاني من العام الحالي.
وذكرت البيانات أن عدد المشتغلات قد بلغ 4.514 مليون مشتغلة في منتصف العام الحالي، بينما كان عدد المشتغلات قد بلغ 4.634 مليون مشتغلة عام 2007 أي منذ 16 عاما، زاد خلالها عدد النساء بشكل كبير، بل إن نسبة المشتغلات إلى إجمالي قوة العمل كانت عام 2007 نحو 21.3 في المئة، بينما تراجعت النسبة منتصف العام الحالي إلى 15.7 في المئة، وكان عدد المشتغلات قد تخطى الخمسة ملايين مشتغلة خلال سنوات ما بعد عام 2015 لكنه تراجع حاليا.
أمر آخر تشير إليه بيانات العمالة الرسمية في العام الماضي، والتي أشارت إلى أن عدد المشتغلين البالغ 27.9 مليون شخص، قد توزع ما بين: 73.7 في المئة يعملون عملا دائما، و18.4 في المئة يعملون عملا متقطعا، و6.8 في المئة يعملون أعمال مؤقتة، و1.1 في المئة يعملون أعمالا موسمية، أي أن هناك 26 في المئة يعملون أعمالا غير دائمة يصل عددهم إلى 7.334 مليون شخص، لكن البيانات الرسمية تعتبر كل هؤلاء مشتغلين!
العمل ساعة بالأسبوع يُخرج من البطالة
تلك الأرقام المصرية تصبح مصر المتخمة بالمشاكل الاقتصادية، والعاجزة حتى الآن عن إجراء المراجعة الأولى لخبراء صندوق النقد الدولي أو تحديد موعد لها، والتي كان مقررًا لها شهر مارس الماضي، يقل معدل البطالة بها عن جنوب إفريقيا البالغ 32.6 في المئة والأردن 21.9 في المئة وجورجيا 16.7 في المئة، وأقل من معدل بطالة العراق والجزائر والمغرب، وكذلك أقل من معدل بطالة إسبانيا البالغ 11.6 في المئة، وكذلك أقل من معدل بطالة كل من اليونان وتركيا والهند والبرازيل وإيطاليا وفرنسا!
ويكمن السر في ذلك في تعريف جهاز الإحصاء للمشتغلين، حيث أنهم الأفراد البالغة أعمارهم 15 سنة فأكثر، والذين يزاولون أعمالاً في أي من الأنشطة الاقتصادية لبعض الوقت، وحدد ذلك الوقت بساعة على الأقل في الأسبوع سواء داخل المنشآت أو خارجها.
كما اعتبر آخرين في حكم المشتغلين وهم الأفراد المرتبطون بعمل، ولم يتمكنوا من ممارسته بسبب المرض أو الإصابة أو الإجازة الاعتيادية أو في منحة تدريبية أو دراسية، أو لنزاع عمالي أو لعدم انتظام العمل بالمنشأة لأسباب مؤقتة، أو لأسباب ترجع إلى طبيعة العمل ببعض الأنشطة.
وهكذا تعتبر الحكومة المصرية أن معدل البطالة حاليا يبلغ 7 في المئة، وينخفض معدل البطالة بين الذكور إلى 4.8 في المئة، كما يصل معدل البطالة في الريف إلى 4.6 في المئة، رغم الشكوى العامة من نقص فرص العمل، ولعل قبول الكثيرين مسألة الدورة التدريبية لمدة ستة أشهر بالكلية الحربية مرتدين زيا عسكريا خلالها، كشرط للقبول للترشح للعمل بوزارة التربية والتعليم، أحد الشواهد على قلة فرص العمل.
وبتلك الأرقام المصرية تصبح مصر المتخمة بالمشاكل الاقتصادية، والعاجزة حتى الآن عن إجراء المراجعة الأولى لخبراء صندوق النقد الدولي أو تحديد موعد لها، والتي كان مقررًا لها شهر مارس الماضي، يقل معدل البطالة بها عن جنوب إفريقيا البالغ 32.6 في المئة والأردن 21.9 في المئة وجورجيا 16.7 في المئة، وأقل من معدل بطالة العراق والجزائر والمغرب، وكذلك أقل من معدل بطالة إسبانيا البالغ 11.6 في المئة، وكذلك أقل من معدل بطالة كل من اليونان وتركيا والهند والبرازيل وإيطاليا وفرنسا!