شهدت مصر والإمارات هذا الأسبوع، توقيع اتفاقية تمويل بقيمة 500 مليون دولار لخمس سنوات، لتمويل شراء القمح عالي الجودة للسوق المحلية.

وبينما لم يذكر مسؤولو البلدين أية تفاصيل بشأن سعر الفائدة المستحق على التمويل، أو فترة السماح، إلا أنها تشكل متنفسًا لحكومة الانقلاب التي تعاني من تذبذب وفرة النقد الأجنبي.

اتفاقية التمويل جرت بين مكتب أبوظبي للصادرات التابع لصندوق أبوظبي للتنمية (حكومي)، ووزارتي التعاون الدولي، والمالية، والهيئة العامة للسلع التموينية في مصر.

 

معاناة بسبب تذبذب وفرة النقد الأجنبي

وعانت مصر خلال الشهور الماضية من تأخير طلبيات شراء القمح بسبب تذبذب وفرة النقد الأجنبي، وسط ارتفاع كبير في الطلب على الدولار محليا، بسبب خطوات للبنك المركزي بخفض سعر الجنيه منذ مارس 2022.

وهذه الاتفاقية ليست الأولى التي توقعها مصر هذا العام لشراء القمح، ففي يونيو الماضي، وقعت مصر اتفاقية قرض بقيمة 700 مليون دولار، لشراء الحبوب مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، وفقًا لـ"الأناضول".

وفي مارس الماضي، كشف وزير المالية محمد معيط في تصريحات صحفية، أن حكومة بلاده أجلت تسليم شحنة حبوب بسبب عدم توفر النقد الأجنبي.

وفي اتفاقية منفصلة العام الماضي، وقعت وزارة التعاون الدولي مع المؤسسة الدولية الإسلامية، اتفاقية إطارية لتمويل التجارة بشأن توريد السلع الأساسية بحد ائتماني قدره 6 مليارات دولار.

ولم تشهد مصر أية أزمات كبيرة في إمدادات القمح هذا العام، بسبب شح وفرة النقد الأجنبي، إلا أن بوادر أزمة وقعت في مارس الماضي، مع تأخر تسلم شحنة، بحسب تصريحات معيط.

 

فوائد القمح | Just Food

 

"ما الشروط والمقابل؟"

مصر التي كان يطلق عليها لقب سلة غلال العالم القديم، تستهلك نحو 25 مليون طن قمح سنويا، تنتج منه أراضي الدلتا والوادي حوالي 12 مليون طن يكفي البلاد 6 شهور، وتستورد الباقي من 16 منشأ أهمها: روسيا، وأوكرانيا، ورومانيا، وأستراليا، وفرنسا، وليتوانيا، وكندا، والصين.

وفي قراءتها لأهمية هذا الاتفاق ومدى قدرته على تأمين حاجة مصر مدة 5 سنوات من القمح، وعدم الضغط على رصيد البلاد من العملات الصعبة، قالت الأكاديمية المصرية الدكتورة علياء المهدي: "أفضل الاعتماد على أنفسنا وليس على غيرنا في توفير غذائنا".

أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، وفي حديثها لـ"عربي21"، تساءلت قائلة: "في الحقيقة لا أعرف لماذا لم تكتف مصر ذاتيًا من القمح؟.. ولا أعرف ما المقابل الذي ستدفعه مصر للإمارات لتوفير القمح".

 

"أزمات خارجية"

ويأتي اتفاق حكومة الانقلاب والصندوق الإماراتي في ظل حاجة البلاد الشديدة لتأمين احتياجاتها من القمح في ظل أزمات عالمية وأخرى محلية.

تتمثل الأولى في الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022، بين أكبر مصدري الحبوب بالعالم، ما أثر على أسعار القمح وتوافره وغيره من السلع.

ثاني الأزمات الدولية خروج موسكو من اتفاقية تصدير الحبوب مع كييف، في 17 يوليو الماضي، ما يمنع أوكرانيا من توصيل محاصيلها إلى البلدان المستوردة ومنها مصر، التي لم تكن ضمن 6 دول إفريقية تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصدير الحبوب إليها مجانًا.

أما ثالث الأزمات العالمية، فيتمثل في احتمال تضاعف أزمة إتاحة السلع الغذائية عالميًا بفعل تفاقم التأثير الضار لموجة "النينيو" شديدة الحرارة على المحاصيل الزراعية، وبالتالي ضعف الإنتاج وارتفاع أسعارها وتضرر الدول الفقيرة وبينها مصر.

ورابعا، يأتي قرار الهند بحظر صادرات الأرز الأبيض، في زيادة الضغوط على أسواق القمح والأرز المحلية في الأشهر المقبلة، بحسب ما قالت المحللة الأولى في "ستاندرد أند بورز غلوبال" ياسمين غوزي، في منشور على لينكد إن.

 

"أزمات داخلية"

وتتمثل الأزمات الداخلية، في عجز القاهرة عن توفير العملات الصعبة لاستيراد السلع الإستراتيجية كالقمح والذرة والزيوت والأرز والوقود، بالتزامن مع تراجع قيمة عملتها المحلية لأكثر من النصف منذ ربيع العام الماضي، بجانب تفاقم ضغوط خدمة ديون خارجية تعدت الـ165 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2023.

وفي مايو الماضي، أكدت وكالة "رويترز"، على لسان مسؤولين حكوميين وتجار ومستوردين أن حكومة الانقلاب ثاني أكبر مستورد للقمح بالعالم قررت تأجيل سداد ثمن وارداتها من القمح منذ ديسمبر الماضي، بفعل أزمة شح الدولار.

وأشارت الوكالة الإنجليزية إلى وجود شحنات قمح ما زالت بالسفن والموانئ المصرية تحتاج لدفع ثمنها بالعملة الأمريكية، وأنه بفعل أزمة شح الدولار هناك 11 شحنة لم تدفع القاهرة ثمنها، بجانب الحاجة لفتح خطابات اعتماد لـ8 شحنات أخرى.

وتواصل حكومة الانقلاب في الشهور الأخيرة تقديم طلباتها لمؤسسات التمويل الدولية للحصول على تمويل لشحنات القمح وبينها البنك الدولي، والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة.

 

في مناقصة دولية.. تونس اشترت نحو 200 ألف طن من القمح

 

نوع من الدين الخارجي

ويعتقد الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد النبي عبد المطلب، أن هذا الاتفاق له تبعاته وسلبياته القادمة والمحتملة؛ كأن يزيد حجم الديون الخارجية وبالتالي خدمة الدين. وأكد عبد المطلب، أن الاتفاق بالفعل يزيد من حجم الديون، برغم رؤيته بأنه نوع من المساعدة والتيسيرات المقدمة لمصر.

وقال إنه "في النهاية نوع من أنواع الدين، ومن المؤكد أن يتبعه رسوم وفوائد، وهي أمور غير واضحة حتى الآن، لكنه يزيد رصيد وأعباء الدين على مصر".

وفي تقديره لأسباب عجز مصر عن الاكتفاء من القمح كسلعة لأكثر من 105 ملايين مواطن رغم إعلانها عن مشروعات زراعية عملاقة مثل استصلاح 1.5 مليون فدان، والدلتا الجديدة، وغيرها، أكد الخبير الاقتصادي أن "الاكتفاء الذاتي من القمح موضوع كبير وفيه جزء من مسؤولية السلطة عبر التاريخ".

وأضاف: "ربما من عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1956- 1970)، حيث أبدت أمريكا وكندا وفقًا للقانون الأمريكي (رقم 480) والخاص بفائض الأغذية استعدادهما لتقديم القمح لمصر بالمجان لعشرات السنين مقابل عدم التوسع بزراعته، ما يعني أن المسألة بالنسبة لهم حياة أو موت برغم العداء بين الأمريكان ونظام ناصر".

وأكد عبد المطلب، أنه "حتى هذه اللحظة هناك أصحاب مصالح وبعض النافذين عبر العصور في مصر والعديد من الدول بينهم ترابط مصالح يبررون عدم الرغبة في الاكتفاء الذاتي من القمح وزيادة المساحة المحصولية المزروعة بدعوى أن تكلفة إنتاجه أعلى من تكلفة استيراده".

وأعرب عن أسفه من أن "مسألة الاكتفاء الذاتي من القمح غير مطروحة على الإطلاق، وتثار في أوقات الأزمة ومع انتهائها يتم دفن الحديث وغلق الملف".