خلص تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الامريكية إلى أن مصر (السيسي) ربما تفكر في غزو شامل للسودان في محاولة لمساعدة البرهان في محاربة قوات الدعم السريع، وهو ما من شأنه أن يضمن حماية الاستثمارات السعودية في السودان وكذلك توسيع نفوذ الرياض في إفريقيا.


وأكد التقرير أن عبدالفتاح السيسي، ساعد الجيش السوداني، وخاصة الدعم الجوي، في محاولته لاستعادة السيطرة الكاملة على الدولة.


وقال الباحث طلال محمد في تقريره الذي نشرته المجلة الامريكية الأشهر، إن تحول السودان إلى منطقة نفوذ تابعة للسعودية أو الإمارات من شأنه أن يغير ميزان القوى في الخليج ويصعد التوترات بين الرياض وأبو ظبي.

 

وأوضح أنه "بالنسبة للرياض، من شأن انتصار الجيش السوداني أن يعزز مكانتها كقائد في العالمين العربي والإسلامي، وبالنسبة للإمارات فإن أي مكاسب لقوات الدعم السريع تخلق نفوذًا لإضعاف قبضة الرياض على الشرق الأوسط، وهو ما سيكون بمثابة فوز لأبو ظبي".


وأظهرت التقرير أن الذهب السوداني يخرج بالأطنان من البلاد العامرة إلى الإمارات عبر شركة الجنيد التي يرأسها شقيق حميدتي ولذلك قامت بتأجيج الصراع ودعمت حميدتي بالسلاح.


ورجح أن تكون نتيجة الحرب ليست بهذا الوضوح والحسم لأي منهما، وعلى غرار ليبيا، من المرجح أن ينقسم السودان أكثر، ربما على أسس عرقية وقبلية.


الشهر الثالث

الجنرالان المتنافسان، للشهر الثالث على التوالي، قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، انتهكا عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار، ويواصلان بحسب التقرير الصراع على السلطة، بالوكالة عن السعودية والإمارات، بما يقود إلى ليبيا جديدة.

وأوضح أن فرص انتصار قوات الدعم السريع على الجيش السوداني ضئيلة، حسبما يرى محمد، مرجحا تأسيس البرهان وحميدتي مناطق سيطرة متنافسة في السودان، تحاكي الوضع في ليبيا.

 

وأكد التقرير أن الصراع بين البرهان وحميدتي ليس مجرد نزاع داخلي، لأن السودان جسر يربط الشرق الأوسط وأفريقيا، وموارده الطبيعية الوفيرة تعني أن معركة الخرطوم اتخذت بعدًا إقليميًا.


وأشار الباحث في دراسات الشرق الأوسط، طلال محمد إلى أن السعودية تدعم البرهان، وتدعم الإمارات العربية المتحدة حميدتي، وبالنظر إلى الشرعية الدولية للبرهان.


وأنه بمثل سيناريو ليبيا، ستكون قوات الدعم السريع شوكة في خاصرة البرهان، ما يمنح الإمارات نفوذاً إضافياً في مستقبل السودان، ويساعد على ترسيخ أبو ظبي كقوة بارزة ناشئة في الخليج.

 

تاريخ التحالفات والصراعات
 

وفي جانب تاريخي من التقرير، أشار طلال محمد إلى بدأ بروز التنافس بين أبو ظبي والرياض عام 2009، عندما اختلفا حول مكان تحديد موقع البنك المركزي المقترح لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي كان من شأنه تعزيز اقتصاد خليجي أكثر توحيدًا وعملة مشتركة.

 

حيث وافق المجلس على أن تستضيف الإمارات البنك، لتنسحب الرياض من الخطة في اللحظة الأخيرة دون تفسير.

 

أما التوترات فطفت على السطح، على خلفية حرب اليمن، حيث دعمت الرياض الحكومة المعترف بها دولياً للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بينما اختارت أبو ظبي دعم المجلس الانتقالي الجنوبي.

 

وأعطى ذلك الإمارات السيطرة على العديد من الموانئ والجزر اليمنية، وبالتالي الوصول إلى مضيق باب المندب والقرن الأفريقي.

 

وفي عام 2019، اندلعت اشتباكات عنيفة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات هادي في محاولة للسيطرة على مدينة عدن الساحلية.

 

وأضاف أن التنافس السعودي الإماراتي في اليمن لم يقتصر على الموانئ، إذ خططت الرياض لإنشاء خط أنابيب ينقل النفط السعودي إلى ميناء نشطون اليمني على الحدود مع عمان، وهو ما كان سيقلل من خطر أي تهديدات إيرانية بتجاوز مضيق هرمز.

 

ويقوض المشروع مكانة الإمارات الرئيسية في نقل النفط والغاز، ويمنح السعودية مزيدًا من السيطرة داخل منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك".


السابق على رضا البيت الأبيض

وخارج الشرق الأوسط، قال الباحث إن واشنطن أيضًا أصبحت مكانًا رئيسيًا للمنافسة السعودية الإماراتية، إذ أدى صعود بن سلمان للسلطة إلى تجمد العلاقة بين الرياض وصناع القرار الأمريكيين في السنوات الأخيرة، ما أعطى الإمارات فرصة ذهبية لتحل محل الرياض كحليف عسكري خليجي مفضل لواشنطن.

 

وقال التقرير إن مكانة أبو ظبي تعززت عندما وقعت على اتفاقيات إبراهيم التي ترعاها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020، واختارت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، توريد طائرتها المقاتلة الأكثر تقدمًا، F-35، إلى الإمارات، على الرغم من أن إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، أوقفت البيع مؤقتًا للمراجعة. وإذا تمت الصفقة، ستكون الإمارات أول دولة عربية تسمح واشنطن ببيعها تلك الطائرات.


وفي السنوات الأخيرة، وسعت السعودية والإمارات العربية المتحدة من المنافسة بينهما لتشمل إفريقيا - وخاصة السودان الغني بالموارد والموقع الاستراتيجي.

 

ولعبت دول الخليج دورًا مهمًا في السودان منذ الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير، حيث قامت أبو ظبي والرياض على الفور بتمويل المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى السلطة، بما قيمته 3 مليارات دولار، وكانت المصالح السعودية والإماراتية في السودان متوافقة بشكل عام، وكلاهما ساعد في لعب دور في التحول الديمقراطي قصير الأمد في البلاد.

 

وانتزعت الدولتان تنازلات من الخرطوم، إذ قدم السودان دعمًا عسكريًا للسعودية في اليمن، وتوسطت الإمارات في انضمام الخرطوم إلى اتفاقات إبراهيم.

 

استثمارات بالسودان

واستثمرت السعودية والإمارات لفترة طويلة في الاقتصاد السوداني، واعتبارًا من عام 2018، استثمرت أبوظبي بشكل تراكمي 7.6 مليار دولار في الدولة.

 

ومنذ سقوط البشير، أضافت الإمارات استثمارات أخرى بقيمة 6 مليارات دولار تشمل مشروعات زراعية وميناء على البحر الأحمر.

 

وفي أكتوبر 2022، أعلنت الرياض أنها ستستثمر ما يصل إلى 24 مليار دولار في قطاعات الاقتصاد السوداني بما في ذلك البنية التحتية والتعدين والزراعة.

 

وفي السودان، تعاونت الإمارات مع روسيا في دعم حميدتي لأن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا نشطين في جنوب اليمن منذ عام 2015 وفي عام 2019 توسعت إلى ليبيا لدعم الجنرال خليفة حفتر، بينما تعاونت السعودية مع مصر في دعم البرهان.

 

وأكد طلال محمد حرص أبو ظبي على الصمت بشأن تحالفها مع قوات الدعم السريع، موضحا أن التقارير تشير إلى أن حميدتي تصرف كحارس للمصالح الإماراتية في السودان، عبر حراسة مناجم الذهب التي تسيطر عليها مجموعة المرتزقة الروسية "فاجنر"، إذ يتم شحن الذهب من هذه المناجم إلى الإمارات في طريقه إلى روسيا، وتعزز ذلك بغزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، عندما أصبحت موسكو أكثر اعتمادًا على الذهب والموارد المالية الأخرى للتخفيف من تأثير العقوبات الغربية.


وتقاتل الإمارات من أجل الذهب، وعملت السعودية بلا كلل لتصنيف نفسها كصانع سلام إنساني في السودان، ورعت محادثات وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة في مدينة جدة، وقدمت المساعدة للشعب السوداني داخل وخارج البلاد، وساعدت في إجلاء عديد المدنيين من الخرطوم.

 

محور الشر

ودعم محور الشر الذي يضم الرياض وأبوظبي الانقلاب في مصر عبر عبد الفتاح السيسي وكذلك قام كل من محمد بن زايد ومحمد بن سلمان بالتدخل العسكري في دولة اليمن حيث تشريد ملايين من الشعب العربي الشقيق وفرضا حصار على  البقية حتى ماتوا جوعاً.


ورغم المعلن من اتفاقهم، على أهداف محددة في المنطقة العربية، لكن في الأونة الأخيرة طفت على السطح خلافات في عدد الملفات والتي أظهرتها الأحداث الملتهبة التي يمر بها الشرق الأوسط.


وبين هذا وذاك فهناك بلد تضيع وشعب يموت ويهجر ويفقد كل شئ بسبب مصالح محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.