قال تقرير نشرته نيوزويك الأمريكية مساء الأربعاء الماضي “إن القرن الذي شهد سيطرة الولايات المتحدة، بدأ في الانتهاء من منطقة الشرق الأوسط”، وهو التعبير نفسه الذي اختارته المطبوعة لعنونة التقرير، الذي أعده توم أوكونور، نائب رئيس التحرير، المختص بالشؤون الدولية والأمن القومي.


أوكونور بدأ تقريره مشيرًا إلى تصريحات وردت مرات عدة في وثائق ومراسلات صينية مؤخرًا جاء فيها، أن عبارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين عند لقائه في موسكو مؤخرًا عندما قال “هناك تغييرات كبرى لم نشهد مثلها خلال قرن من الزمن”، لم تكن مجرد عبارة دعائية، بل أقرب لتكون حقيقة معبرة عن تغير كبير في النظام الدولي.


ويضيف الصحفي أن هذا الأمر واضح بشدة في منطقة الشرق الأوسط، الذي كرست الولايات المتحدة الكثير من موارده، لصياغة نظام القرن الحادي والعشرين، لكن قبل نحو شهرين نجحت الصين في الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، لتسحب بيجين دور الوسيط الذي استحوذت عليه واشنطن لعقود، بين دول المنطقة.


ويقول “ليس لدينا أي علاقات دبلوماسية مع طهران، بينما علاقاتنا مع الرياض أصبحت مشوبة بالتوتر”.


كما ينقل أوكونور عن الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد، تشايس فريمان قوله “نحن نتبجح ثم نهدد ثم نتوعد، ثم نفرض العقوبات، ثم نرسل الجنود، ونبدأ بالقصف”، مضيفًا “نحن لا نمارس أبدًا فن الإقناع”، ويعتبر فريمان الذي صاحب الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في زيارته للصين عام 1972، وعمل سفيرًا في بيجين لمدة طويلة، أن “لحظة التوهج الدبلوماسي لواشنطن قد ولت منذ فترة طويلة، وأصبحت قدرتها على الضغط أضعف، ومع ذلك نتعامل مع العالم كما لو كنا لا نزال نمتلك القوة التي لا يمكن مواجهتها، كما توهمنا في نهاية الحرب الباردة”.


ويشير الصحفي إلى ما يقول الخبير الصيني البارز، هوندا فان، إن بلاده ولوقت طويل كانت تتمركز في الموقع الذي يوفر لها ميزة تغيير موقفها دون خسائر، وكانت توطد علاقاتها بالكثير من الدول من منطلق المنفعة المتبادلة والاحترام، مضيفًا أنه “لم تثر الصين أي نزاعات مع أي دولة أخرى لعقود، ما يجعل أعداءها أقل ما يمكن، ويسمح لها بالعمل في بيئة دولية مواتية”.


ويضيف التقرير أن الصين تعد الشريك التجاري الأكبر لأكثر من 130 دولة حول العالم، كما وسعت علاقاتها التجارية والدبلوماسية، مع الكثير من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتبنت استراتيجية الحزام والطريق، لتطوير مشروعات البنية التحتية في نحو 150 دولة.


ويؤكد أوكونور أن العلاقات مع دول الشرق الأوسط تعد أمر شديد الأهمية للصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، وبالتالي تسعى السعودية وإيران معًا للحصول على علاقات تجارية أفضل معها، علاوة على الانضمام لدول البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وهي الأمور التي قد تدعم الصين في مواجهة أي عقوبات من جانب الولايات المتحدة، مثلما حدث مع روسيا، بعد غزوها الأراضي الأوكرانية.


ويعرج التقرير على العلاقة بين الدولار الأمريكي والنفط، التي كانت في قلب العلاقات بين واشنطن والرياض، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وصمدت أمام الكثير من العواصف، لكن عوامل عدة سببت صدعًا بين الولايات المتحدة، والسعودية.


ويواصل التقرير، أنه رغم ذلك انضمت العديد من الدول في الشرق الأوسط للولايات المتحدة في انتقاد الصين بسبب تعاملها مع المسلمين الإيغور، ما سمح لواشنطن بإنهاء “حروبها الأبدية” والتركيز على التحديات الصينية، لكن الشرق الأوسط بقي منقسمًا بسبب الخلاف حول الجهة التي يجب التحالف معها.


وينقل التقرير عن المستشار السابق لوزير الطاقة السعودي، محمد الصبان قوله لنيوزويك إن “الولايات المتحدة مستمرة في الظن أنها القطب الأوحد في العالم، وهذا أمر غير حقيقي، فالعالم أصبح متعدد الأقطاب”.


ويختم التقرير برأي آخر لسفير أمريكي لدى الاتحاد السوفيتي السابق، جاك ماتلوك، الذي يرى أن الولايات المتحدة قسمت العالم بين دول ديمقراطية، وأخرى سلطوية، لا يفضل التعاون معها، وهو الأمر الذي وتّر علاقاتها الدولية، وجعلها تصبح أضعف من أي وقت سابق، على صعيد التواصل والتأثير في الساحة الدولية.