يواصل آلاف المدنيين من الخرطوم الفرار تحت القصف، الخميس، فيما خلف القتال المستمر لليوم الخامس على التوالي بين قوات الدعم السريع والجيش 174 قتيلا مدنيا، وفقا للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان وأصيب أكثر من 1040 آخرين، فيما خرجت 39 مستشفى من أصل 59 في الخرطوم والمناطق القريبة من الاشتباكاتمن الخدمة. 

ويقطع آلاف السودانيين طريقهم وسط أزيز الرصاص ودوي القذائف، سيرا أو في مركبات، على الطرق التي تغطيها الجثث وهياكل المدرعات المتفحمة، خلال التراشق بين قوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، والجيش بقيادة الفريق أول، عبدالفتاح البرهان، الذي يقود البلاد منذ انقلابهما المشترك في 2021.

منذ السبت، دعا المجتمع الدولي إلى الحوار. لكن الرجلين اللذين يخوضان حرب "وجود" على ما يبدو وفق الخبراء، صما آذانهما حتى الآن أمام الدعوات لوقف إطلاق النار أو على الأقل لإعلان هدنة مؤقتة لإجلاء المدنيين من أخطر الأحياء.

وأشار الجانبان إلى اتفاقهما على وقف إطلاق النار اعتبارا من السادسة مساء بالتوقيت المحلي (1600 بتوقيت غرينتش)، الثلاثاء، لكن إطلاق النار لم يتوقف وأصدر كل منهما بيانا يتهم فيه الآخر بخرق الهدنة.

وعلى الرغم من المخاطر وبينما يشهد القتال أحيانا فترات هدوء قصيرة - الوقت للازم في أغلب الأحيان لإعادة شحن الذخيرة أو التنقل لبضعة شوارع - تمكنت مجموعات من العائلات من الخروج يوميا من العاصمة.

ظروف صعبة

ولم يعد البقاء ممكنا في الخرطوم منذ، السبت، مع انقطاع الكهرباء والمياه الجارية - الكهرباء والمياه لا تعودان سوى لبضع ساعات في بعض الأماكن - والرصاص الطائش الذي يخترق النوافذ وحتى الجدران.

وطلبت شركة توزيع الكهرباء من سكان الخرطوم ترشيد استهلاك الكهرباء وقالت إن الخوادم المسؤولة عمليات شراء الكهرباء عبر الإنترنت تعطلت.

وأضافت الشركة في بيان أن المنطقة التي توجد بها الخوادم شديدة الخطورة على المهندسين.

وأغلقت الشركات والمدارس أبوابها في العاصمة منذ بدء القتال، ووردت أنباء على نطاق واسع عن أعمال نهب واعتداء وتكونت طوابير طويلة أمام المخابز التي لا تزال تعمل.

وتنهمر أحيانا من السماء صواريخ لتحول مبنى أو مستشفى إلى كومة من الأنقاض.

وأحصت الأمم المتحدة، مساء الثلاثاء، ما يقرب من 200 قتيل وأكثر من 1800 جريح في حين يؤكد كل الأطباء أنها مجرد حصيلة مؤقتة؛ لأن ساحة المعركة خطيرة ولم يتم بعد جمع العديد من الجثث ولم يصل كثير من الجرحى لتلقي العلاج.

مستشفيات مغلقة

وأفاد أطباء بأن القتال تسبب بإغلاق سبعة مستشفيات في الخرطوم، بينما لم يعد بإمكان معظم المستشفيات الأخرى تقديم الرعاية أما بسبب نقص اللوازم الطبية والمعدات، أو لأن مقاتلين يحتلونها أو لأن الطاقم الطبي لم يتمكن من الوصول إليها تحت إطلاق النار.

أما مخزونات المواد الغذائية - وهي محدودة تقليديا في بلد يشهد في الأوقات العادية تضخما مرتفعا جدا - فهي تتلاشى إذ لم تدخل أي شاحنة مؤن إلى العاصمة منذ السبت.

وفي بلد يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة يعاني أكثر من ثلثهم من الجوع، يقول العاملون في المجال الإنساني والدبلوماسيون إنهم لم يعودوا قادرين على أداء عملهم بعد مقتل ثلاثة موظفين في برنامج الأغذية العالمي في دارفور غرب البلاد، فيما تندد الأمم المتحدة بنهب مخزونها ومنشآتها.

في هذه الظروف الخطيرة، يعيش السكان في حالة خوف من تعرض منازلهم أو عائلاتهم لهجوم.

فهم لم ينسوا المعارك والمداهمات وغيرها من الفظائع التي أدت إلى إصدار مذكرتي توقيف بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" و"الإبادة الجماعية "في دارفور بحق الرئيس السابق، عمر البشير، الذي خلعه الجيش في 2019. في ذلك الوقت، فوض سياسة الأرض المحروقة لرجل واحد هو حميدتي.

 

جثث على جانبي الطريق

وسار الآلاف من النساء والأطفال، الأربعاء، باتجاه المحافظات خارج الخرطوم، متقدمين بين الجثث التي بدأت تنبعث منها روائح قاتلة.

حتى الممثليات الدبلوماسية تحاول تنظيم نقل رعاياها. فهي لم تسلم من الهجمات إذ تعرضت قافلة دبلوماسية أميركية لإطلاق نار، الاثنين، وتعرض سفير الاتحاد الأوروبي "لاعتداء في مقر إقامته" بالخرطوم.