طرحت حكومة الانقلاب عددًا من الشركات التي تمتلكها المؤسسة العسكرية للتداول في سوق الأموال المالية، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول أهم الأسباب لاتخاذ تلك الخطوة في هذا التوقيت، وعما إذا كانت تهدف إلى جذب الاستثمارات الخليجية المتوقفة.

وشرعت مصر في تنفيذ خطة لبيع عدد كبير من شركاتها العامة للمستثمرين الأجانب، ضمن عدة إجراءات أخرى، في محاولة لتدبير نحو 40 مليار دولار على مدى 4 سنوات، وذلك للوفاء بالتزاماتها الخارجية، وسد عجز سنوي في النقد الأجنبي قدره صندوق النقد بنحو 17 مليار دولار.

 

ما أهمية القرار بالنسبة للاقتصاد حاليًا؟

وفي تعليقه على دلالة توقيت القرار وأهميته، قال الخبير الاقتصادي، علاء عبدالحليم، لموقع "الحرة"، إن الأمر يعود لعام 2016 وقت اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار، إذ خرجت توصيات بضرورة إدراج أسهم كافة الشركات والمؤسسات المالية المملوكة للدولة، وأن تعمل بأنشطة مدنية في البورصة.

وأضاف أن إعلان طرح أسهم شركات يمتلكها الجيش بالبورصة ليس أمرًا جديدًا، إذ أنه في أواخر عام 2019 توالت تصريحات السيسي، حول إدراج بعض شركات المؤسسة العسكرية بسوق الأسهم، معتبرًا تدخل الجيش بشركاته في القطاع المدني "ضرورة لسد حاجات إستراتيجية أو لتخفيض الأسعار"، وفقًا لموقع "الحرة".

وتابع: "وتكررت بعد ذلك التصريحات من جانب مسؤولين رسميين حول استعدادات طرح شركات المؤسسة العسكرية بالبورصة، دون تحديد إطار زمني لذلك".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن الحكومة تحاول تسريع خطواتها من أجل إيجاد حلول سريعة لأزمة الاقتصاد الذي يمر حاليًا بفترة شديدة الحساسية، خاصة أن أسعار السلع مرتفعة بشدة، ولم يتبق سوى أقل من أسبوع على شهر رمضان.

ومن جانبه، رحب أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في القاهرة، سالم أبو بكر، بما وصفه بـ"تخارج الدولة أخيرًا من الاستثمار"، موضحًا أنه حتى لو كان الأمر يتم بشكل تدريجي، فإنه سيشجع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر".

وقال إن سعي الحكومة لطرح شركات الجيش يعتبر خطوة جيدة نحو تعزيز الإفصاح والشفافية، وهو ما سيجذب معه المستثمرين العرب والأجانب إلى جانب المصريين.

 

ما دور دول الخليج في القرار؟

أشارت "بلومبرج" إلى أن دول الخليج تريد أيضًا أن ترى اتخاذ مصر خطوات جادة بشأن الإصلاحات التي وعدت بها صندوق النقد الدولي لتأمين الحصول على حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار.

وتشمل التغييرات الرئيسة، بحسب الوكالة، الحد من مشاركة الدولة والجيش في الاقتصاد، وضمان مزيد من الشفافية حول الأوضاع المالية للشركات المملوكة للدولة والشركات غير المدرجة في البورصة.

وقال صندوق النقد الدولي، في يناير الماضي، إن "تأمين الحصول على التمويل الخليجي أمر ضروري بالنسبة لمصر لسد الفجوة التمويلية البالغة نحو 17 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة".

ومن المرجح أن يؤدي تأخير الحصول على التمويل لفترة طويلة إلى تعميق الأزمة الاقتصادية وزيادة الضغط على الجنيه، بحسب "بلومبرج".

وتحدث عبدالحليم عن أن دول الخليج أعلنت عبر العديد من المواقف أنها لن تقدم مساعدات مجانية لمصر، بل تسعى لتحقيق مكاسب ملموسة من الاستثمارات التي ستضخها في الاقتصاد المصري.

ولذلك اشترطت أن تخرج المؤسسة العسكرية من القطاع الخاص المصري، الذي يُرى أنه يواجه منافسة غير عادلة من جانب الشركات المملوكة للدولة، لا سيما تلك التابعة للجيش، مما يُعتبر تحديًا أمام الاستثمارات الأجنبية.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن السعودية تسعى لشراء "المصرف المتحد" في القاهرة. وبدأت قطر محادثات جادة، العام الماضي، لاستثمار نحو 2.5 مليار دولار لشراء حصص مملوكة للدولة في شركات من بينها "فودافون مصر"، أكبر مشغل لشبكات الهاتف المحمول في البلاد. كما وافق الصندوق السيادي الذي يقع مقره في أبوظبي القابضة ADQ، على صفقة بقيمة ملياري دولار شملت شراء نحو 18% من البنك التجاري الدولي، أكبر مصرف مدرج في مصر.

واتفق أبو بكر مع عبدالحليم في أن رغبة مصر في استمالة دول الخليج تقف وراء محاولة خروج الجيش من الاقتصاد، لكنه يرى أنها تظل خطوة صعبة في ظل سيطر الجيش على مفاصل الكم الأكبر من الاقتصاد.

وأشار إلى أن الأمر لا يتوقف على الخروج من الشركات بل كيفية إدارة هذا الخروج بما يكفل تحقيق الأرباح والأهداف المرجوة.

 

ما عوامل نجاح هذه الخطوة؟

اتفق خبيرا الاقتصاد على ضرورة وجود خطوات أخرى مصاحبة لقرار طرح شركات الجيش بالبورصة.

وبشأن توقعاته لمستقبل شركات الجيش حال إدراجها بالبورصة، أكد عبدالحليم أن نجاح الأمر سيتوقف على نسبة الأسهم المطروحة بسوق التداول.

وقال: "لو كانت نسبة الأسهم أقل من 25% من رأس مال الشركة، فكل ما سيحدث هو أنه سيتم توفير مزيد من السيولة لهذه الشركات، ولن يتغير كثيرًا في أسلوب إدارتها. أما إذا كانت النسبة فوق 50% فبذلك ستتحول شركات الجيش من شركات اكتتاب مغلق إلى شركات عامة مفتوحة، وستؤول ملكيتها إلى مكتتبين مما يعني تغيير طريقة وأسلوب الإدارة".

وبالنسبة لتأثير طرح تلك الشركات بالبورصة على حجم التداولات اليومية وثقة المستثمر الأجنبي بسوق المال المصري، أوضح عبدالحليم أن الأمر يتوقف على أسلوب إدارة البورصة نفسه.

وقال "إذا خضعت كافة الأسهم لمعايير الكشف والإفصاح وغيرها من آليات عمل البورصات العالمية، فسوف تزيد قوة البورصة، وسيزيد حجم التداول اليومي وكميته، وستنخفض إلى حد كبير الآليات الإدارية المستخدمة في التحكم بالتعاملات اليومية".

ومن جانبه، يرى أبو بكر أن تحقيق الغرض من طرح الشركات العامة "يتطلب خطوات أخرى، وأولها حوار مجتمعي تشارك فيه أطراف سوق المال المحلية، يضم الهيئة العامة للرقابة المالية وإدارة البورصة والشركات والمستثمرين والعاملين".

وأكد أن مصر أمامها "فرصة ذهبية لتحقيق الأهداف المرجوة. لكن الأمر لا يرتبط فقط بمدى أهمية الطروحات الحكومية، لكن لابد أن يتضمن كل تفاصيل التداول، وتحفيز الشركات على القيد وتشجيع المستثمرين".

 

علاج سلبيات السوق المصري

وقال إنه توجد "أزمات وسلبيات كثيرة في السوق المصري المحلي وعلاجها سيضمن تحقيق الأهداف من طرح الشركات العامة وشركات الجيش في سوق المال".

وطالب أبو بكر بضرورة "إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية، التي عاد العمل بها، في يناير الماضي، وهي أكثر القرارات التي أثرت سلبًا في البورصة منذ بداية العام الحالي".

 وتساءل أستاذ الاقتصاد "الخسائر تسيطر على البورصة المصرية، فما الأرباح التي سيدفعون عنها ضرائب؟". وقال: "لابد من تشجيع الشركات على القيد في البورصة من خلال منحها مزايا وحوافز ضريبية للشركات المقيدة".