"كم هي الأمور غريبة بعد عقد من سحق انتفاضات الربيع العربي: الدول التي سحقته (الربيع العربي) منشغلة في صنع السلام مع الدول التي دعمته". هكذا تساءل الصحفي "ديفيد هيرست" في مستهل مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" مستنكرًا الانتكاسة الديكتاتورية التي تعيشها بلدان الربيع العربي، وخاصة تونس. 
وتابع: "السعودية، كبير ممولي الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013، على خلاف مع القاهرة، ويشارك البلدان في حرب إعلامية شاملة".
 قامت الإمارات بإلغاء حظر قناة الجزيرة والمواقع الأخرى التي تمولها قطر. وتستجيب الجزيرة بجعل محتواها مناسبًا لأبو ظبي ودبي. وتحصل تركيا على ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الاستثمارات الإماراتية و 5 مليارات دولار من السعودية.
وأضاف "هيرست": "لكن أغرب ما في الأمر أن تونس، التي لم تكن منذ عقد مضى بمثابة شرارة لثورة قارية فحسب، بل كانت أيضًا منارة للانتقال السلمي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، يديرها ديكتاتور صغير - مقارنة بـ"الحبيب بورقيبة" و"زين العابدين بن علي".
وانقلبت تونس رأسًا على عقب. وكل شيء مثلته الدولة الصغيرة قبل عقد من الزمان قد انقلب اليوم. وفي ذلك الوقت، كان يتفاخر جيشها بأنه لم يتدخل في السياسة أو الأعمال التجارية.
والآن أصبح للجيش وزيرين في الحكومة - في الصحة والزراعة - ويحصل على مساحات شاسعة من الأراضي.
ويرى "هيرست"، أنه إذا كان "تركي الحمد"، الكاتب السعودي المقرب من ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، قد حدد هيمنة الجيش المصري على اقتصاد الدولة كأحد العوامل وراء الانهيار الاقتصادي للبلاد، فإن الجنرالات في تونس يسيرون على خطى إخوانهم المصريين مثل القوارض التي تتجه نحو حافة الجرف.

قبل عقد، كان لدى تونس حكومة ائتلافية وأحزاب سياسية تنازلت عن السلطة طواعية. وكان هناك دستور يضمن الفصل الأساسي للسلطات بين الحكومة والبرلمان والمحاكم. وكان لرؤساء الوزراء صلاحيات لا يملكها الرؤساء. وكانت هناك انتخابات منتظمة بمشاركة الناخبين التي أكدت النتيجة. 
اليوم، يدير تونس رجل واحد "قيس سعيد"، الرئيس الذي يتمتع بسلطة لا حدود لها وشرعية معدومة.
ووُلد برلمان تونسي على أنه مؤسسة تعترف بالسلطة المطلقة لرئيس الدولة دون سيطرة على السلطة التنفيذية.
ويقول "هيرست": "وُلد ميتًا".
واستطرد: "من الواضح جدًا لماذا فشل مشروع "سعيد". هناك نقص في الأساسيات مثل القهوة والسكر والحليب على الرفوف. وهناك تأخيرات متكررة في رواتب القطاع العام لأن الدولة مفلسة بشكل أساسي. وتوقفت المفاوضات بشأن خطة الإنقاذ الخاصة بصندوق النقد الدولي البالغة 1.9 مليار دولار". وبزعم "سعيد"، أن سبب الفوضى يعود إلى الفساد. 
ويقول "أحمد نجيب الشابي"، رئيس جبهة الإنقاذ الوطني، لموقع "ميدل إيست آي": "تستند سلطة السيد "سعيد" على نظرية المؤامرة".
لا شك أن دوامة تونس ساعدتها معارضة غير قادرة على الاتحاد. ولم يكن حزب النهضة، أكبر حزب في تونس، مدعومًا من الأحزاب العلمانية والليبرالية في المظاهرات الأولية خارج أبواب البرلمان المغلقة. وحتى اليوم، ما زالت جبهة الإنقاذ الوطني والنقابات تشن حملات منفصلة و"حوارات وطنية" منفصلة.
وقال "هيرست" ساخرًا: "لكن يدفعهم إلى أحضان بعضهم البعض رئيس يستجيب لكل تحد بموجة من الاعتقالات".
السمة المميزة الوحيدة للأشخاص الذين احتجزهم "سعيد" هي أنهم ينتمون إلى مختلف ألوان الطيف السياسي.
وأشار "هيرست" إلى أنه مع تعمق ديكتاتورية "سعيد"، تقترب خيوط المعارضة المتصدعة، ولو بمقدار شبر واحد في كل مرة. الاعتدال، والتسوية، والقدرة على تجسير الانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة - السمات ذاتها التي ميزت تجربة تونس مع الديمقراطية - كلها عوامل سامة لرئاسة "سعيد".
وقال في ختام مقاله: "السؤال الوحيد الآن هو ما إذا كان التونسيون سيسمحون لأنفسهم بأن يصبحوا عبيدًا مرة أخرى لطاغية جالس في قصر في قرطاج".

https://www.middleeasteye.net/opinion/tunisia-kais-saied-democracy-can-be-saved