أعلن "عبدالفتاح السيسي" أن عام 2022 سيكون "عام المجتمع المدني"، في وقت ما يزال أعضاء أساسيون في المجتمع المدني يواجهون إجراءات منع السفر وتجميد الأصول التعسفية والتحقيقات الجنائية انتقاما من نشاطهم السلمي أو انتقادهم.


ودعا "السيسي" في مايو 2022 إلى حوار وطني، (للمرة الأولى منذ 2014) مع عناصر المعارضة السياسية في البلاد، لكنه بحسب تقارير حقوقية "لم يُسفِر الحوار عن أي سياسات ملموسة لتحسين وضع حقوق الإنسان في مصر".

وبحسب تقرير لموقع "هيومن رايتس ووتش"، استخدام منع السفر التعسفي لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي، بمن فيهم محامو حقوق الإنسان والصحفيون والناشطات النسويات والباحثون.

 

وقالت الموقع أن المنع غير المحدد زمنيا، والذي لا تعلنه السلطات عادة بشكل رسمي ولا تمنح طريقة واضحة للطعن فيه في المحكمة، شتت العائلات، وأضر بالمسيرات المهنية، وأوضع أذى بالصحة العقلية لمن يخضعون لها، بعد تجميد أصول المؤسسات المدنية، وعزلهم عن النظام المصرفي.


إخفاء وتعذيب


وكشف التقرير الذي رصد عاما كاملا من القمع والانتهاكات، أن "الشرطة" والأمن الوطني، واصلت إخفاء المعارضين قسرا في أماكن احتجاز غير رسمية، حيث يتعرض المحتجزون للتعذيب والإكراه على الاعتراف، فعوضا عن اعتقال 16 إعلاميا و393 انتهاكا في 2022، أخفت داخلية السيسي في 12 يناير 22،  حسام منوفي، بعد إنزاله من طائرة سودانية قادمة من الخرطوم إلى إسطنبول هبطت في الأقصر دون إعلان مسبق.

 

وأشارت إلى تقاعس السلطات عن التحقيق في حوادث التعذيب وسوء المعاملة، التي ظلت واسعة الانتشار، ففي مايو 2022، أحال "خالد ضياء" رئيس نيابة أمن الدولة العليا في مصر، إلى محاكمة جماعية مجموعة من المحتجزين ظهروا في مقطعَيْ فيديو مُسربَيْن، نشرتهما "الجارديان"، يُظهرانهم في قسم شرطة بالقاهرة مصابين بجروح بدا أنها نتيجة التعذيب. ولم يواجه الجناة المزعومون التابعون للشرطة أي تحقيق جاد.

 

وفي 10 أبريل، أبلغت الشرطة أسرة الباحث الاقتصادي "أيمن هدهود" بأنه توفي في الحجز بعد اختفائه قسرا في فبراير 2022.

 

وتقاعست السلطات المصرية عن إجراء تحقيق مستقل وفعال وشفاف في وفاة "هدهود" المشبوهة في الاحتجاز، وتجاهلت الأدلة المتزايدة على أن السلطات أخفته قسرا وعذبته وأساءت معاملته، وحرمته من تلقي الرعاية الصحية الكافية في الوقت المناسب.

 

وعن السجون والوفيات في الاحتجاز، قال التقرير إنها ظلت في وضع مزر، خاصة أنها "محمية من الإشراف أو الرقابة"، رغم حملات العلاقات العامة الحكومية التي تروّج لافتتاح سجون جديدة.

 

وفي فبراير 2022، رفض مسؤولو السجن عدة طلبات من المعارض البارز "صلاح سلطان" برؤية طبيب مستقل والحصول على الأدوية والمعدات الطبية الضرورية، ثم نقلته في سبتمبر 2022، من سجن العقرب سيئ السمعة إلى مجمع سجون بدر الجديد-يتعرض لأضواء المصابيح الفلورية 24 ساعة بلا انقطاع وكاميرات مراقبة داخل الزنازين- وواصلت احتجازه في الحبس الانفرادي، وقال ضابط إنه لن يغادر السجن إلا "جثة".

وحرما إدارة السجن، المدوّن والناشط السياسي المصري البريطاني "علاء عبدالفتاح" من التواصل مع الممثلين القنصليين وتلقي زيارات من محاميه، فأضطر إلى إنهاء إضرابه عن الطعام منتصف نوفمبر 2022، بعد أكثر من 100 يوم.


العنف الجنسي
وعن أسوأ ما في سجون السيسي، قالت تقارير حقوقية إن قوات الأمن وموظفي السجون يستخدمون عنفا جنسيا منهجيا لإهانة وتعذيب المحتجزين بمن فيهم الرجال، والنساء.

 

وأضافت أنه في سجون قطاع الأمن الوطني، قد يتعرض المحتجزون، الذين يكونون عادة ضحايا للاختفاء القسري، للاغتصاب، والتحرش، والصعق بالكهرباء على أعضائهم التناسلية، أو التهديد بالعنف الجنسي ضدهم أو ضد أقاربهم لانتزاع الاعترافات.

وتعرضت السجينات بشكل خاص للعنف الجنسي في السجون، حيث يعتدي الحراس عليهن عادة أثناء إجراء "تفتيش تجاويف الجسد".

 

المحاكمات غير العادلة
وانتقدت "رايتس ووتش"، حرمان المصريين من المحاكمات العادلة والإجراءات الواجبة، وذلك من قبل محاكم أمن الدولة طوارئ استثنائية ولا تخضع للاستئناف.


وقال التقرير إن القضاة والمدعون العامون بشكل روتيني يبقون آلاف المحتجزين رهن الحبس الاحتياطي دون تقديم أدلة، ما دفع ناشطين مصريين لتنظيم إضراب عن الطعام يومي 10 و11 فبراير 2022، احتجاجا على حبسهم الاحتياطي لأجل غير مسمى.

 

وعندما أصدر القضاة أوامر بالإفراج عنهم، قامت النيابة العامة بـ"تدويرهم"، عبر إضافتهم إلى قضايا جديدة، للالتفاف على حد السنتين للحبس الاحتياطي وفق القانون المصري.


ولفت تقرير "رايتس ووتش" في هذا الإطار اعتقال مذيعتين في أبريل 2022، هما؛ المذيعة التلفزيونية "هالة فهمي"، والصحفية "صفاء الكوربيجي"، ردا فيما يبدو على انتقادهما لـ"الهيئة الوطنية للإعلام" وأنهما ما تزالان رهن الحبس الاحتياطي.


واستدعت النيابة في سبتمبر 2022، ثلاثة صحفيات من موقع "مدى مصر" المستقل، وكذلك رئيسة التحرير، واتهمتهن بـ"نشر أخبار كاذبة" بشأن مقالة إخبارية عن حزب "مستقبل وطن" الموالي للحكومة ويتمتع بأغلبية في البرلمان..


الجيش وسيناء

واهتم التقرير يما أعلنه السيسي في أبريل 2022، من أن العمليات العسكرية الجارية في شمال سيناء، والتي يشارك فيها الجيش بشكل أساسي ضد جماعة "ولاية سيناء" المسلحة المتطرفة المحلية والتابعة لـ "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش")، تقترب من نهايتها، قائلا بأن "المشكلة قد انتهت".

 

واستدرك التقرير أنه في يوليو وأغسطس 2022، أظهرت فيديوهات وصور تداولتها على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات تُمثّل ميليشيات تابعة للجيش 3 عمليات إعدام غير قانونية لرجال مُقَيَّدين أو جرحى محتجزين في شمال سيناء.

 

وتبينت "رايتس ووتش" صحة هذه المقاطع وأن عناصر من الميليشيات (صحوات القبائل المحلية) والجيش نفسه كانوا مسؤولين عن عمليات القتل.

 

كما سمحت الحكومة، حسب التقرير، لبعض العائلات بالعودة إلى أراضيها في أواخر 2021 وأوائل 2022. وشنّ الجيش المصري حملة هدم موسّعة شملت تدمير أكثر من 12300 مبنى من 2013 إلى يوليو 2020 دون الوفاء بالتزاماته الحقوقية المتعلقة بالإخلاء القسري.

 

وافتقرت العديد من عمليات الهدم إلى أدلة على ضرورة عسكرية "حتمية"، ما يجعلها على الأرجح جرائم حرب، كما أنه ما تزال مئات العائلات دون تعويض، وفق "رايتس ووتش".


اللاجئين والمساندة الدولية

ولفت التقرير إلى أن قمع اللاجئين والانتهاكات ضدهم يأتيان رغم أن مصر طرف في "اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951"، و"اتفاقية الاتحاد الأفريقي للاجئين لعام1969"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984"، التي تحظر الإعادة القسرية، ولكن في ديسمبر 2021 ويناير 2022، احتجزت "الشرطة المصرية" تعسفيا ما لا يقل عن 30 لاجئا وطالب لجوء سودانيين خلال مداهمات، وأخضعت بعضهم للعمل البدني القسري والضرب. احتُجز اللاجئون وطالبو اللجوء المحتجزون في غرف مكتظة وحُرموا من الطعام والرعاية الطبية الكافية.


وفي مارس 2022، رحّلت السلطات 31 إريتريا، بينهم 8 أطفال، بعد احتجازهم في ظروف سيئة ومنعهم من التواصل مع "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" لتقديم طلبات لجوء، وفقا لـ"منصة اللاجئين في مصر".


وانتقد التقرير استمرار عدة دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا في تصدير الأسلحة إلى مصر، رغم السجل الحقوقي للبلاد.

 

وانتقدت "رايتس ووتش" كذلك حضور "السيسي" في فبراير 2022، القمة الأوروبية الأفريقية التي نظمها الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في بروكسل، لافتة إلى أنه "بالكاد تلقى انتقادات علنية من القادة الأوروبيين".

 

وأشار التقرير إلى أنه في سبتمبر 2022، قدمت منظمتان غير حكوميتين شكاوى في فرنسا لحث السلطات القضائية على التحقيق في تورّط فرنسا المزعوم في عملية عسكرية مصرية سرية على الحدود الليبية على أساس أنها تنطوي على أعمال ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.