في خطوة مفاجئة، لكنها متوقعة من قضاء الانقلاب، قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر، السبت الماضي، برفض الطعن المقدم من المحامي خالد علي بشأن عدم دستورية قانون تنظيم الطعن على عقود الدولة رقم 32 لسنة 2014، الصادر من الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور؛ لتؤكد المحكمة بذلك دستورية القانون، وإقرارها بعدم قبول الدعاوى التي ترفع أمام المحاكم، بخصوص بطلان قرارات وعقود بيع وخصخصة الشركات والأصول المملوكة للدولة.

وجاء الحكم مخالفًا لما أوصت به هيئة مفوضي المحكمة الدستورية في تقريرها، بعدم دستوريته استنادا إلى كونه “لم يحز على موافقة أغلبية ثلثي مجلس النواب، المقدرة بـ397 عضوًا، وحاز على 374 صوتا فقط بالمخالفة للمادة 121 من الدستور، رغم تعلقه بتنظيم الحق في التقاضي، وتعلقه بسلطة المحاكم على الدعاوى المنظورة أمامها”.

وزعمت المحكمة، في حيثياتها، توافر حالة الضرورة الداعية لإصدار القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة، وأن تحديد المشرع أصحاب الصفة والمصلحة في الطعن عليها لا يخالف أحكام الدستور.

وفي خطوة للضحك والتمويه على عقول العامة والبسطاء، ادّعت المحكمة أن "القانون لم يصادر حق التقاضي، أو يقيده، بل جاء تنظيمًا لهذا الحق من خلال تحديد الفئات أصحاب الحق في الطعن على عقود الدولة؛ حاصرًا إياهم في من لهم حقوق شخصية أو عينية على الأموال محل التعاقد، وأطراف تلك العقود، من دون غيرهم".

 

 

قطع الطريق أمام دعاوي الخصخصة أو البيع

وترافق قرار المحكمة الدستورية مع إصدار الحكومة ما يُعرف بـ"وثيقة سياسة ملكية الدولة"، التي صدق عليها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي مؤخرًا؛ بغرض تسهيل إجراءات طرح مجموعة واسعة من الشركات والأصول المملوكات للدولة للبيع أمام مستثمري الخليج، ضمن خطة حكومية للانسحاب من قطاعات اقتصادية محددة، من أجل جذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار على مدى 4 سنوات للحد من عجز الموازنة، وسداد أعباء الديون الخارجية المستحقة على البلاد، وفقًا لـ"العربي الجديد".

ويعني هذا الحكم أن بيع ممتلكات مصر أصبح مباحًا، كما يتيح إغلاق الطريق لرفع الدعاوى أمام محكمة القضاء الإداري لبطلان خصخصة أو بيع حصص من شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، وغيرها من الشركات المملوكة للدولة كليًا أو جزئيًا؛ معتبرة أن طعون المواطنين في العقود التي تبرمها الدولة مع الغير من "دعاوى الحسبة"، بغض النظر عما قد يشوبها من عوار أو فساد.

 

 

تحصين عقود البيع المشبوهة والفاسدة

وكتب الصحفي المختص بالشؤون القانونية محمد بصل: الأثر المباشر الذي سيترتب على هذا الحكم هو أن تقضي جميع المحاكم بـ”عدم قبول” جميع دعاوى بطلان الخصخصة وبيع الأسهم للمستثمرين، والقائمة أمامها حاليًا، أيا كان توقيت رفع هذه الدعاوى.

ووصف المغردون على مواقع التواصل الاجتماعي القرارَ بأنه مصادرة للمجال العام، وتحصين لقرارات السلطة التنفيذية التي من المفترض أن تخضع بالأساس لرقابة الشعب، كونه المالك الحقيقي لممتلكات الدولة وصاحب المصلحة المباشرة في الحفاظ عليها.

وتساءل عصام طارق: " هو مش المفروض انا كمواطن أعتبر من أصحاب المصلحة المباشرة ومن حقي الاعتراض على ما أراه فساد او إهدار مال".

واتهم رئيس تحرير صحيفة المصرين، جمال سلطان، رؤساء المحاكم ببيع ضميرهم وبيع الوطن، فقال: "محكمة عدلي منصور وحنفي جبالي، وخَلَفهم ممن باعوا الضمير وباعوا أرض الوطن وقبضوا الثمن، والمعروفة باسم المحكمة الدستورية تقرر اليوم تحصين عقود البيع المشبوهة والفاسدة التي تبرمها السلطة مع أي جهة خارجية أو داخلية من أي طعن، والله لو محكمة احتلال ما كانت لتحكم على المصريين بذلك".

وخلال مشاركته في برنامج المسائية على قناة "الجزيرة مباشر"، أبدى سلطان دهشته من خوف الدولة المصرية من لجوء المواطنين أو القانونيين إلى “القضاء المصري” للطعن على بعض العقود التي تبرمها الحكومة طالما أن الأمور تسير بشكل قانوني ومن دون مخالفات.

وأكد سلطان أن التجربة التاريخية تثبت أنه لولا الطعون أمام القضاء على بعض العقود التي أبرمتها الدولة حين بدأت ظاهرة بيع شركات القطاع العام مثل (عمر أفندي، شبين الكوم أو أراضي شركة مدينتي وغيرها) لما تم اكتشاف حجم الفساد بمليارات الجنيهات في عمليات البيع، والتي مثلت عملية نهب منظم لمقدرات الشعب المصري.

وشدد سلطان على أن الشعب المصري هو المالك الحقيقي لمقدرات الدولة وهو صاحب المصلحة الأولى في الرقابة على أعمال الدولة وتعاقداتها لتحصين ثروته من السرقة والفساد.

جدير بالذكر أن حكومة الانقلاب تسعى لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، عبر طرح عدد من الشركات الحكومية للاكتتاب في البورصة، في محاولة للسيطرة على الأزمة التي تعانيها البلاد، في ظل نقص حاد للعملة الأجنبية.

وقامت حكومة الانقلاب بطرح العديد من الحصص المملوكة لها للبيع، من ضمنها حصص في البنك التجاري الدولي، وشركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة فوري.