فرض البنك المركزي منذ الربع الأول من عام 2022 مزيدًا من القيود للحصول على الدولار، نتيجة شح المتوفر منه في السوق، بالتزامن مع تراجع الاحتياطيات النقدية، وبالتزامن مع زيادة الحاجة عليه نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج.
وفوجئ العديد من التجار ورجال الأعمال بهذه القيود، وهو ما أحدث "أزمة صامتة" في تدفقات العُملة الصعبة بالبلاد، وبالتالي أدى إلى انهيار سعر صرف الجنيه مؤخرًا.


نقص حقيقي بالدولار منذ فبراير 2022
وتعرضت مصر منذ فبراير 2022 إلى أزمة حقيقي بالدولار وحتى الآن، ولا يتوقع علاج هذا النقص خلال فترة قليلة، ففي عام 2016 استغرق علاج نقص الدولار بالبنوك ستة أشهر، مع قدوم قدر كبير من الأموال الساخنة ومع طرح سندات بالأسواق الخارجية.
وبسبب أزمة نقص الدولار التي أسهم فيها خروج نحو 20 مليار دولار من مصر بسبب قلق المستثمرين عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، قامت معظم البنوك بتقييد السحب بالدولار خارج مصر، كما رفعت عمولة استخدام البطاقات الائتمانية في عمليات الشراء في الخارج من 3% إلى 10%، وفقًا لـ"الجزيرة".
وشرح مصدر مصرفي، رفض ذكر اسمه، أن "البنوك منذ الربع الأول من 2022 كانت تشترط على من يرغب أن يسحب دولارًا أمريكيًا أن يقدم طلبًا مكتوبًا يتضمن إيضاحًا لسبب السحب، ولا توافق على تصريف الدولار لأي متعامل إلا إذا كان مسافرًا، كما تشترط البنوك عليه إبراز التصريح الأمني الخاص بالسفر للتأكد من جدية سفره ووجهته وبعد ذلك يتم صرف مبلغ لا يزيد على الألف دولار له"، وفقًا لـ"عربي 21".
كما كانت أغلب البنوك تُجبر أصحاب الحسابات الدولارية على سحب أموالهم من الحساب بالجنيه ولو كان الحساب بالعملة الأجنبية.


المضاربة والاحتفاظ بالدولار
وفي أوقات الأزمات يتزايد الطلب على الدولار، كما يقول الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، وذلك من أجل "المضاربة والاحتفاظ به تحسبًا لنقصه بعد طول مدة نقصه منذ بدايات العام، وهو أمر لن ينتهي قبل عدة شهور مقابلة حين تلبي البنوك طلبات المستوردين، بل إنه لن ينتهي بشكل تام إلا في حالة استجابة البنوك لطلبات راغبي شراء الدولار للأغراض المختلفة كالسفر والعلاج بالخارج او شراء أدوية من الخارج أو إرسال أموال لأبنائهم الدارسين بالخارج وغير ذلك من الأسباب".
ويؤكد أن صندوق النقد كان قد أمهل البنك المركزي حتى نهاية 2022 حتى يعالج مشكلة البضائع المكدسة بالموانئ، وحتى ينهي العمل بنظام الاعتمادات المستندية بنهاية العام الحالي.
وكان الولي يستبعد حدوث خفض ثالث للجنيه خلال عام 2022، بعد خفض كل من مارس وأكتوبر؛ إذ يرى أن "حدوث خفض ثالث لقيمة الجنيه بالعام الحالي سيكون بمثابة توصيل رسالة سلبية عن الأوضاع، وهز للثقة في القيادة الجديدة للبنك المركزي أن تقوم بخفضين خلال أقل من شهرين، ولهذا فإن حدوث الخفض المرتقب في عام آخر سيكون الخفض الأول وليس الثالث".


إجراءات جديدة للحصول على الدولار
وانتشرت العديد من الشائعات التي تتحدث عن استعداد شركات مثل ماكدونالدز وأوبر للانسحاب من السوق المصرية.
وتحاول مصر، وهي واحدة من 5 في العالم معرّضة لأن تفقد القدرة على سداد ديونها وفق وكالة موديز، توفير أكبر قدر ممكن من الدولارات.
ويُعَد قرض صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه مصر مؤخرا بقيمة 3 مليارات دولار تسدد على 46 شهرا، ليس إلا قطرة في بحر خصوصا أن حزمة الدين التي يتعين على القاهرة سدادها خلال العام المالي 2022/ 2023 تبلغ 42 مليار دولار.
وألزم وزير النقل بحكومة السيسي، كامل الوزير، السياح بسداد ثمن رحلات القطار بالدولار بدءًا من يناير الجاري، وقال في تصريحات للتلفزيون “أنا بحاجة إلى دولارات لسداد ثمن عربات القطار المستوردة. السياح يمكنهم الدفع بالدولار، وهذا يناسبهم ويناسبني أيضًا”.
كما بدأت حكومة الانقلاب في بيع الكثير من الشركات والأصول للقطاع الخاص إلى حد أن الأمر أثار القلق من فقدان السيادة على قناة السويس.
ونقل "اقتصاد الشرق مع بلومبرج" عن التقرير السنوي للبورصة، أن حكومة الانقلاب تستعد لطرح حصص في 4 شركات مملوكة للدولة في البورصة، ولديها 8 شركات أخرى قيد الإعداد للطرح في الوقت الذي تتطلع فيه إلى استئناف برنامج الطروحات الحكومية.
والشركات الجاهزة للطرح هي: بنك القاهرة، ومصر لتأمينات الحياة، وشركة الحفر المصرية، والشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب).
والشركات الـ8 الأخرى ستطرح حصة من أسهمها في البورصة بحسب التقرير، وهي: الشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية (إنبي)، وشركتا ميدور وأسيوط لتكرير البترول، وشركات البتروكيماويات إيثيدكو وميثانكس ووافكو، وشركة مصر القابضة للتأمين، وبنك الإسكندرية.


الحل الجذري لمشكلة نقص الدولار
ظهرت مشكلة نقص الدولار في مصر عام 1968، ومنذ ذلك الحين تظهر المشكلة وتشتد ثم تعود إلى الهدوء، وفي كل مرة يتم خفض جديد لسعر الجنيه أمام الدولار لاحتواء السوق السوداء، إلا أن المشكلة تعود مرة أخرى عندما تعجز البنوك عن توفير الدولار لطالبيه.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، أن الحل الجذري لمشكلة نقص الدولار سيكون عبر الاهتمام بقطاعي الصناعة والزراعة والإنتاج عموما، بحيث يمكن علاج العجز المزمن بالميزان التجاري، وهو العجز الذي بلغ 37 مليار دولار خلال الشهور العشرة الأولى من العام الحالي حسب بيانات جهاز الإحصاء، ويتوقع بلوغه خلال العام بنفس تلك المعدلات 44.5 مليار دولار، رغم تقييد الواردات.
ويرى أن العديد من الحلول التي اعتمدتها حكومة الانقلاب مثل: السماح للمغتربين بإدخال سيارات بدون رسوم نظير إيداع قيمة الرسوم بلا فوائد لمدة خمس سنوات، وبيع أراضي وشقق للمصريين بالخارج بالدولار، ورفع الفائدة على الودائع الدولارية، ومحاولة تأسيس شركة لاستثمار أموال المصريين بالخارج، فكل تلك الحلول جزئية غير كافية وها هو مشروع سيارات المغتربين يحقق 62 مليون دولار في خمسة أسابيع رغم أن مدته أربعة أشهر فقط.
ويحذر الولي من روشتة الصندوق المصاحبة للقرض الأخير؛ لأنها لا تركز على قضية الإنتاج، وإنما تركز على ضبط الإنفاق العام وخفض الدعم وزيادة الضرائب، ورفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم والمزيد من الإفصاح بالشركات العامة، وسيتسبب رفع الفائدة في تحجيم الاستثمار الداخلي والتأثير السلبي على التشغيل وبالتالي زيادة الواردات.
ويتوقع الخبير الاقتصادي استمرار المشكلة والعودة لتوقيع اتفاق جديد مع الصندوق خلال أربع أو خمس سنوات، بعد فشل اتفاق 2016 الذي لم يفلح في علاج العجز التجاري بل زادت قيمته خلاله، كما زادت الديون الداخلية والخارجية من بعده، حتى أدت صعوبة الاقتراض الخارجي إلى اللجوء لبيع الأصول للصناديق السيادية الخليجية وهو ما لم يحدث عام 2016.
ويرى أن مشكلة نقص الدولار ستستمر خلال الفترة المقبلة ولن تحلها القروض الخارجية، وحتى عند الاهتمام بقطاع الإنتاج -وهو ما لم يحدث بعد- فإن الأمر يحتاج إلى خمس سنوات حتى يتحسن معدل الصادرات إلى الواردات، البالغ خلال الشهور العشرة الأولى من العام الحالي 53%، رغم تقييد الواردات منذ شهر فبراير حتى الآن.