أعلن وزير التربية والتعليم بحكومة الانقلاب، رضا حجازي، أن الوزارة ستعمل على تقنين مجموعات التقوية والدروس الخصوصية بشكل مختلف، بحجة أنها تستنزف ما يقرب من 47 مليار جنيه من جيوب المصريين سنويًا.

وكتب حجازي، عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، قائلاً: "المدرسة هي المكان الرسمي للتعليم والتعلم، والدروس الخصوصية نظام مواز غير خاضع للرقابة والمعايير التربوية السليمة"، مضيفاً "الدروس الخصوصية تستنزف المليارات من جيوب المصريين بحثاً عن مستقبل أفضل لأبنائهم، وتظاهرنا بأن المشكلة غير موجودة دفناً لرؤوسنا في الرمال على مدار السنين".

وتابع حجازي: "أولى خطوات حل المشكلة هي الاعتراف بوجودها، وحان الوقت للاعتراف بوجود مشكلة الدروس الخصوصية، وطرح الأمر للحوار المجتمعي لسماع الاقتراحات المختلفة من جميع الأطراف المعنية من أجل مصلحة أبنائنا الطلاب".

وزاد بقوله: "الفكرة التي نعمل عليها حالياً هي تقنين الدروس الخصوصية، لضمان بيئة تعليمية تربوية آمنة خاضعة لرقابة حكومية، واستخدام أي موارد مكتسبة للوزارة من هذا الدور (قوننة الدروس) في دعم المدارس الحكومية، ورفع رواتب المعلمين"، خاتماً: "أدعوكم جميعاً للنقاش البناء بخصوص هذا الشأن".

لم يكن حديث الوزير الدكتور رضا حجازي عن مجموعات الدعم فقط، إذ شمل حديثه عن المراكز التعليمية إذ قال: «فيما يخص سناتر الدروس الخصوصية، ستقوم الحكومة بترخيصها وإعطاء المعلم الذي يقوم بإعطاء الدروس بها رخصة، وذلك حتى نطمئن على أن أبناءنا التلاميذ في بيئة آمنة، نعم سنرخص مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) حتى نضمن سلامة البيئة التي يدرس فيها الطلاب من جهة، وتأخذ الدولة حقها من جهة أخرى».

 

تحول مفاجئ في موقف الوزارة

ما أعلنه حجازي، يعتبر تحولاً كبيرًا في موقف الوزارة، بل في موقف حكومة الانقلاب من محاربة الدروس الخصوصية وهو ما أثار الدهشة والانتقادات، لا سيما أن موقف وزارة التعليم كان على النقيض تماما قبل أيام من تصريحات حجازي، حتى إن الوزارة أعلنت مطلع أكتوبر الجاري عن خطة لمكافحة الدروس الخصوصية في المحافظات بالتنسيق مع الجهات المعنية.

واستهل حجازي العام الدراسي الجديد 2022/2023 في سبتمبر الماضي بإصدار كتاب دوري يشدد على التصدي بحزم لظاهرة الدروس الخصوصية وبذل كافة الجهود لمحاربتها، واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين!

 

إهدار هيبة المعلم

قال محمد جابر قاسم، أستاذ المناهج وطرق التدريس ووكيل كلية التربية بجامعة أسيوط، إن الدروس الخصوصية التي يطلق عليها "التعليم في السوق السوداء" أو "التعليم في الظل" هي نظام خفي متسلق يزدهر في ظل تراجع حجم ومستوى أداء الخدمة التعليمية، والعكس صحيح حيث يتراجع إذا تحسنت هذه الظروف.

وأشار قاسم إلى أن استمرار الدروس الخصوصية يضع عبئا إضافيا على كل أطراف العملية التعليمية، بداية من الطالب الذي يفقد القدرة على التعلم الذاتي ويصبح اعتماده على التلقين بدلا من الفهم، وأسرته التي تتحمل أعباء مادية إضافية، فضلا عن إهدار مبدأ مجانية التعليم والمساواة وتكافؤ الفرص التعليمية، وفقًا لـ"الجزيرة".

كما يتعرض المعلم للإرهاق نتيجة التنقل بين الدروس، وقد يؤدي الصراع بين بعض المدرسين على إعطاء الدروس الخصوصية للطلبة إلى إهدار هيبة المعلم، كما تفقد المدارس الانضباط. ودعا قاسم إلى انتهاج أسلوب علمي للقضاء على هذه الظاهرة بدلا من تقنينها.

 

التعليم أصبح سلعة تجارية

وصرح عضو مجلس نواب الانقلاب عن "الحزب المصري الديمقراطي"، فريدي البياضي، بأن "هذه الخطة أظهرت أن الوزير يتعامل مع التعليم كسلعة تجارية، بما يتعارض مع المادة 19 من الدستور المصري، والتي تقضي بأن التعليم حق لكل مواطن. وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية".

وأضاف: "كما نص القانون على أن التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة"، مستطرداً: "خطة الوزير في إصلاح المنظومة التعليمية مصيرها الفشل قبل بدايتها، لأنها لم تتطرق إلى أزمة تعيين المعلمين، وسد العجز في أعدادهم"، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وتابع البياضي: "لدينا آلاف من المعلمين الذي خاضوا مسابقات الوزارة، ولا يزالون في انتظار عودتهم إلى التدريس. وبدلاً من رفع رواتب المعلمين، ومستواهم التدريبي، حتى لا يلجأ الطلاب إلى مراكز الدروس الخاصة؛ نجد الوزير يطرح الحلول السهلة ممثلة في جباية الرسوم والضرائب من هذه المراكز بعد تقنينها".

 

الوزير ذهب بالمدرسة في طريق اللاعودة

ويقول أستاذ العلوم والتربية جامعة عين شمس، الدكتور محمد عبدالعزيز، إن «تحويل مجموعات التقوية المدرسية إلى مجموعات دعم تتولى مسئوليتها شركات خاصة يمثل اعتراف رسمي بأن الوزارة فشلت في حل مشكلات التعليم، واقعيا لو نجحت المدرسة في تحقيق أهدافها من جودة التعليم لن يكون هناك حاجة إلى مجموعات دعم أو تقوية».

وتابع: «كان يجب على الوزير في المقام الأول أن يضع أمامنا التحديات الحقيقية التي تواجه منظومة التعليم من خلال قاعدة البيانات التي تمتلكها الوزارة، نسبة الطلاب وعدد الفصول والكثافة في الفصول والأبنية التعليمية، كان يجب وضع تلك الأزمات أمامنا في هيئة أرقام ومن ثم العمل على البحث عن حلول قاطعة لها»، وفقًا لـ"المصري اليوم".

ويضيف الخبير التربوي، محمد عبدالعزيز أن "وزير التعليم أضاع المدرسة وفتح المجال للدروس الخصوصية، وبدلاً من أن يعيد المدرسة لدورها الحقيقي ذهب بها في طريق اللاعودة».

وتساءل الخبير التربوي: «هل حولنا التعليم المجاني لبيزنس؟ في حال تم تنفيذ ما جاء في حديث الوزير فأنت نقلت المحتوى التعليمي كله من قلب المدرسة إلى المراكز الخاصة والتي معظم من يعمل بها غير مؤهل لتقديم مادة علمية للطلاب، ولماذا يحرص أولياء الأمور على أن يذهب أبناؤهم إلى المدارس إن لم تكن بها فرصة للتعلم».

 

السوق السوداء للتعليم

تشير الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2019-2020) أن إجمالي إنفاق المصريين على التعليم بنحو ​482.2 مليار جنيه بينها أكثر من 136.4 مليار جنيه تنفق على الدروس الخصوصية سنويًا، رغم المحاولات التي تعلن عنها السلطات لتحجيم هذه الظاهرة.

في هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق في كتابه "اقتصاديات الفساد في مصر" أن ظاهرة الدروس الخصوصية تمثـل أحد جوانب فساد النظام الاجتماعي والتعليمي المصري التي استفحلت منـذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وفقًا لـ"الجزيرة".

وأوضح فاروق أن انفجار معدلات التضخم وارتفاع الأسعار أجبر آلاف المعلمين على وسيلتين لتعويض التدهور السريع والخطير في مستويات معيشتهم: الأولى الهجرة إلى الدول العربية للعمل هناك، والثانية "تعاطي داء الدروس الخصوصية".

وأضاف أن النظام التعليمي المصري كله أصبح رهينة لتلك الحالة، وأصبح تدهور الأداء التعليمي في المدارس الحكومية والخاصة أحد أهم أهداف "تجار التعليم".