"إن روسيا تعتبر مصر أحد أهم شركائها في إفريقيا والعالم العربي"، هكذا صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الثلاثاء الماضي، خلال حديثه مع السفراء الجدد بحضور سفير مصر الجديد لدى موسكو، نزيه النجاري، وفقًا لـ«روسيا اليوم».

ويبدو أن تصريحات بوتين الخاصة بمصر لم تأت من فراغ، لكنها كانت ترمي إلى بعيد وخاصة دور مصر في تصريف النفط الروسي عبر موانئها على البحر المتوسط، وهو ما ألمح إليه بوتين بتفعيل التعاون المشترك، خاصة في التحضير لليوبيل الثمانين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وموسكو.

وكانت تقارير غربية قد أشارت، من شهر أغسطس الماضي، بأن السيسي فتح ذراعيه لتوريد النفط الخام الروسي، بعد العقوبات الغربية المفروضة على صادرات روسيا من الطاقة على وجه العموم.

وأظهرت بيانات التتبع التي اطلعت عليها "بلومبرج"، أن سفينة تقوم بإفراغ 700 ألف برميل من النفط في ميناء الحمراء على الساحل الشمالي لمصر، وقد قامت سفينة أخرى بتحميل كل أو جزء من تلك الشحنات بعد ساعات قليلة. وهذه الخطوة، التي وصفتها بلومبرج بأنها "غير عادية"، تزيد من صعوبة تتبع تدفقات النفط وتوفر فرصًا لموسكو لمزج خامها مع الدرجات الأخرى.

وتجددا هذه التقارير مرة أخرى في 19 من سبتمبر الماضي، حيث قالت بلومبرج "إن آسيا والشرق الأوسط استحوذتا على حصة أكبر من صادرات النفط الروسية منذ اندلاع حرب أوكرانيا، 24 من فبراير الماضي".

وتابعت أن النظام المصري "يسرع من وتيرة شرائه الوقود من روسيا، بشكل مضاعف عن السنوات السابقة، وأنه يعاون موسكو في كسر العقوبات الغربية عليها، وأن إحدى موانئه الصغيرة على البحر المتوسط تستقبل شحنات النفط الروسية وتعيد تصديرها لدول أخرى".

ولفتت إلى أن زيادة عمليات البيع الروسي، تأتي قبل حظر الاتحاد الأوروبي معظم واردات الخام الروسي في 5 من ديسمبر المقبل، ثم حظر المنتجات النفطية في فبراير المقبل، وفقًا لـ"رصد".

 

العقوبات المفروضة على النفط الروسي

أعلنت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي يستعد لإنهاء اعتماده على النفط الروسي ووقف مشترياته منه بنهاية العام الجاري 2022.

لكن المجر وسلوفاكيا سوف يُسمح لهما، بموجب الاتفاق الحالي، بالاستمرار في شراء النفط الخام الروسي حتى نهاية 2023، وفقا للتعاقدات الحالية.

وكانت المفوضية الأوروبية أعلنت في مارس الماضي أنها سوف تقلل وارداتها من الغاز الطبيعي الروسي بواقع الثلثين في عام واحد، وفقًا لـ "BBC"

 

كيف تحتال روسيا لبيع النفط؟

ولم تقف إرادة موسكو أمام الحظر الأوروبي للنفط الروسي، فسارع الدب الروسي للبحث عن تكتيكات متنوعة لتصريف النفط وبيعه خارج أراضيه عبر عدة طرق، الأولى هي إعادة تصديره بعد تغيير علامته التجارية، والتحويلات من سفينة لأخرى.

وأوضحت الوكالة الأمريكية أنه جرى تتبع وصول 51 شحنة بترول من روسيا لميناء “الحمرا” المصري البترولي بالساحل الشمالي الغربي للبحر المتوسط في أغسطس الماضي، لافتة إلى أن هذا رقم كبير من الشحنات الروسية بالنسبة لسابق التعاملات التي بلغت في ذات الشهر من 2021، شحنة واحدة فقط.

وكشف “بلومبيرج”، أن مصر تقوم باستخدام الميناء نفسه في إعادة تصدير خام البترول الروسي، وتسهيل بيعه في الأسواق العالمية.

وفي تقرير لها 3 أغسطس الماضي، قالت “بلومبيرج”؛ إن روسيا وجدت طريقًا جديدًا لتسويق نفطها، عبر ميناء مصري صغير مع اقتراب العقوبات الغربية على نفط موسكو.

وأكدت أنه جرى تسليم شحنة بنحو 700 ألف برميل من النفط الروسي لميناء الحمراء النفطي في مصر على ساحل البحر المتوسط في 24 يوليو الماضي، مشيرة إلى أنه جرى بيع تلك الشحنة لجهة أخرى لم تحددها.

وأضافت أنه بعد ساعات قليلة، أخذت سفينة أخرى شحنة من الميناء، التي ربما تضمّنت بعض براميل النفط الروسي أو كلها-، وفقا لبيانات تتبع السفن التي رصدتها “بلومبيرج”، التي وصفت تلك الخطوة بأنها غير عادية.

وقالت إنه بعد ساعات قليلة من مغادرة الناقلة الأولى”Crested” ميناء الحمراء؛ وصلت ناقلة أخرى تحمل اسم “Chris” تظهر بيانات التتبع أنها كان موجودة بالمحطة لعدة أيام، وخرجت من المرسى للسماح لـ”Crested” بالرسو.

والطريقة الثانية التي تحتال بها موسكو لبيع نفطها الخام هو مزجه مع الخامات الأخرى، ويبدو أن مصر قبلت ذلك في سبيل حصولها على عمولة من موسكو في ظل أزمتها المالية المتعثرة وشدة احتياجها للدولار لتسديد الديون المتراكمة عليها.

وتقول الوكالة إن ميناء الحمراء، الذي تديره شركة بترول الصحراء الغربية المصرية، به 6 صهاريج تخزين، تستوعب 1.5 مليون برميل نفط خام، ومرسى واحد للتحميل والتفريغ.

وقالت إن روسيا بالفعل تعتمد على مصر كمحطة لعبور النفط، موضحة أن موسكو وجدت وسيلة جديدة لتسويق نفطها مع اقتراب العقوبات الغربية عليها.

وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون يسيء إلى مكانة مصر الدولية وسمعتها العالمية، ويجعل منها مقرًا للأعمال الخارجة عن القانون الدولي، ويحولها لمجرد سمسار حرب يعمل بالخفاء لتحقيق بعض المكاسب المالية، أو الوقوف بين روسيا والغرب.

 

أوروبا مرهونة بالنفط الروسي

وتعتبر روسيا هي ثالث أكبر منتج للنفط على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية. وتمثل صادرات النفط الروسية 8% من الطلب على النفط في المملكة المتحدة، و3% من الطلب الأمريكي، وفقًا لـ"BBC".

وتُعدّ أوروبا أكبر ضحية حتى الآن للحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ تأتي 30% من وارداتها من النفط الروسي، بما في ذلك 1.5 مليون برميل يوميًا من المشتقات النفطية، خاصة الديزل وزيت الغاز.

وبلغت صادرات روسيا من النفط الخام والسوائل الغازية 5.95 مليون برميل يوميًا، ونحو 1.68 مليون برميل يوميًا من المشتقات النفطية في شهر نوفمبر 2021.

ومن إجمالي صادرات النفط الروسي ومشتقاته، استوردت دول أوروبا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 4.51 مليون برميل يوميًا في الشهر نفسه.

بينما بلغت واردات الدول الأوروبية غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي 0.45 مليون برميل يوميًا خلال نوفمبر.

وبحسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن أوروبا استوردت 49% من إجمالي صادرات النفط الخام والمكثفات الروسية البالغة 4.7 مليون برميل يوميًا في العام الماضي.