أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في أبريل الماضي، أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل 12,1% لشهر مارس 2022 مقابل 4,8% للشهر نفسه من العام السابق.

ثم في مطلع مايو الجاري، أعلن الجهاز ارتفاعًا جديدًا لمعدلات التضخم في أبريل الماضي لتصل إلى 14.9% مقابل 4.4% للشهر نفسه العام الماضي، مسجلاً بذلك ارتفاعًا قدره 3.7% عن شهر مارس 2022، أي خلال شهر واحد.

وجلبت معدلات التضخم هذه ارتفاعًا إجماليًا في أسعار السلع الغذائية الأساسية بنسبة 29.3%؛ فزادت أسعار الخضروات والفاكهة بنسبة 66.2% والزيوت 36.6% والحبوب والخبز 28.5%، والأسماك 24.4%، واللحوم والدواجن 22.3%.

وكانت هذه هي الزيادة الثانية في أسعار السلع خلال شهر واحد، ففي أبريل ارتفعت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 11%، واللحوم والدواجن بنسبة 7%، والألبان والبيض بنسبة 5%.

وترجع حكومة الانقلاب هذه الارتفاعات إلى الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في أزمة في استيراد الحبوب (على رأسها القمح) وتعطل سلاسل الإمداد للكثير من السلع المستوردة.

انخفاض سعر صرف الجنيه

وبالتوازي مع ارتفاع معدلات التضخم، انخفضت قيمة العملة المصرية بعد تحرير جديد لسعر الصرف في النصف الثاني من مارس 2022، ورفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة، لتصل إلى 10.25 للإقراض، و9.25 للإيداع.

ووصل سعر صرف الجنيه المصري بنهاية مارس 2022 إلى حوالي 18.5 جنيه للدولار الواحد. ويتوقع الخبراء أن يستمر التراجع في سعر العملة، خاصة بعد رفع الولايات المتحدة لأسعار الفائدة لديها بمقدار نصف في المئة.

بيع أصول الدولة

وفي مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، كشف عن عدة أهداف وقرارات أبرزها:

- تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار، بهدف أن يصل نصيبه إلى نحو 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة في غضون أربع سنوات، وذلك بدلا من حصته التي تبلغ نحو 30% الآن.

- العمل على التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي في غضون أشهر للحصول على قروض جديدة، بالإضافة إلى مساعدات أخرى لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية إذا استمرت لفترة طويلة.

- منح تسهيلات وإعفاءات ضريبية للشركات الناشئة في بعض القطاعات تستمر مدة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، وإنشاء لجنة تحت إشراف رئيس الوزراء مباشرة مهمتها حل مشاكل المستثمرين.

وتتضمن النقطة الأولى بيع أصول مملوكة الدولة بقيمة 40 مليار دولار، للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي في غضون 4 سنوات، وبمعدل 10 مليارات دولار كل سنة.

وفي هذا الإطار سيطرح عدد من الشركات الحكومية في البورصة، منهم 10 شركات تابعة للقطاع العام وشركتان تابعتان للقوات المسلحة.

وكان تقييم لوكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف المالي قد أظهر، في الثامن من مايو، استمرار الانكماش في القطاع الخاص غير النفطي بمصر بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية.

رفع الأسعار لن تخفّض التضخم

أوضح الباحث الاقتصادي أحمد ذكر الله أن قرار رفع أسعار الفائدة جاء نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر، وذلك بسبب العديد من العوامل من بينها الحرب الروسية في أوكرانيا، بالإضافة إلى بعض العوامل الموروثة منذ سنوات، والتي أثرت بشدة على اقتصاد البلاد.

وشرح، في تصريحات صحافية، أن رفع أسعار الفائدة سيؤدي إلى سحب أموال المواطنين وإيداعها في البنوك، لأن أسعار الفائدة المرتفعة تجذب ودائع المواطنين إلى حد كبير، معتبرًا أن التعويل على سحب جزء من السيولة المحلية لدى المصريين عبر رفع سعر الفائدة لن يؤتي ثماره.

وأضاف ذكر الله أن قرار البنك المركزي لا يمكنه أن يؤدي إلى انخفاض معدلات التضخم في ظل اعتماد مصر على سلة واسعة من الواردات التي لا يمكنها الاستغناء عنها، مشيرًا إلى أن التضخم هو مستورد نتيجة لارتفاع الأسعار عالميًا، وجائحة كوفيد-19، وحرب أوكرانيا، وأن سحب جزء من القوة الشرائية للمواطنين لن يؤثر على شيء.

وتابع أن قروض صندوق النقد الدولي هي عبارة عن ورقة تتيح للاقتصاد المصري القروض الخارجية الأخرى، مشددًا على ضرورة الانتباه إلى مآلات هذه القروض.

"خلل هيكلي"

لكن مصطفى عبدالسلام، الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، يرى أن هناك أسبابًا هيكلية أخرى للأزمة الاقتصادية في مصر فاقمتها الحرب الروسية الأوكرانية.

أهم هذه الأسباب "الإفراط في الاقتراض الخارجي منذ عام 2016 وعسكرة الاقتصاد وتداعيات جائحة كورونا".

واعتبر عبدالسلام تحركات الحكومة "غير كافية وبعضها يسير في الاتجاه الخطأ، فلا يزال هناك إصرار على الاعتماد على الاقتراض الخارجي والأموال الساخنة في تنشيط الاقتصاد، رغم مخاطرهما الشديدة".

كما يرى أن الحكومة مصممة على الاهتمام بأنشطة اقتصادية غير ملحة، مثل الطرق والكباري ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وتهمل قطاعات حيوية مثل الزراعة، وإعادة فتح المصانع المغلقة، ودعم الصناعة، والتصدير، والاستثمارات المباشرة.

ويختتم قائلاً إن "إصلاح الاقتصاد ومعالجة الأزمة المالية لا يتطلبان بيع أصول الدولة - ومنها قطاعات استراتيجية مثل الموانئ والبنوك - لكن يتطلب حسن إدارة الموارد ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي، وتنشيط الاستثمار وإعادة بناء القاعدة الصناعية، والعمل على زيادة الموارد الدولارية خاصة من الصادرات والاستثمارات المباشرة، وتحويلات المغتربين في الخارج والسياحة".